humdah
humdah
أعمدة

البـاغ

25 مارس 2018
25 مارس 2018

حمدة بنت سعيد الشامسية -

[email protected] -

رواية الكاتبة بشرى خلفان (الباغ) كانت موضوع جلسة القراءة الأخيرة، فقد تلبستني موجة من المشاعر المتناقضة لم أعرف لها مثيلا قبل ذلك أثناء القراءة، حبستني (الباغ) لمدة أربعة أيام متواصلة في المنزل، وقد شبهت نفسي في مشاركة متابعيني على (السناب) بالطفلة الصغيرة التي حصلت على لعبة جديدة كانت تتمناها، فتأتي جريا من مدرستها للعب بها، وكثيرا ما دخلت في نوبات بكاء غير مبررة، وعجزت حتى أنا عن فهمها، وتقاذفتني مشاعر من الحنين، والحزن والفقد، وأنا أتبع سيرة (ريا) التي وجدت فيها تشابها كبيرا مع قصتي، وإن كنت قد خلفت قريتي الوادعة خلفي عن رضا، سعيا وراء حلم جميل رسمه لي والدي حول المدرسة، التي ستحولني لو اجتهدت فيها إلى (مريم) وهي ممرضة كندية تدعى في الأصل (ماري)، أول شقراء رآها الأهالي حين ذاك، وإن كان والدي في قرارة نفسه يقصد بذلك أن أكون طبيبة مثلها، إلا أن عقل الأنثى بداخلي تصور أن المدرسة ستحولني إلى فتاة شقراء جميلة، بالتالي بذلت قصارى جهدي للتفوق في المدرسة، وعجزت زميلاتي عن زحزحتي من المركز الأول طوال فترة دراستي، التي انتهت ولم أحصل على طول مريم ولا شقارتها ولا حتى مهنتها، قصة ريا كانت حزينة، ونهايتها مأساوية، على النقيض جدا من قصتي، حيث قادتني هجرتي الاختيارية إلى حياة استثنائية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، وأوصلتني إلى القرن الحادي والعشرين الذي اعتبر جيله هو أفضل الأجيال حظا في عمر البشرية، وجعلتني أشهد تحول عمان فائق السرعة إلى دولة عصرية لم يتح لريا أن تكون شاهدة عليه.

كنت أتابع بدهشة وإعجاب جلسة النقاش تلك، دهشة الصغيرات وهن يستمعن إلى تفاصيل ذلك الماضي القريب، والذي يبدو والمجموعة تتحدث عنه وكأن قرونا مضت، أدهشتني نبرة الحنين في أصوات الأكبر سنا ممن عاصرنا ذلك الزمان، (زمن الطيبين) على حد تعبير جيل اليوم، رغم شظف العيش والحياة الصعبة التي عاشها الآباء لكن يبقى حنين لتلك الحقبة، التي امتازت بالبساطة والألفة كما يصفها البعض.

يبدو أن كل شخص يقرأ النص من زاوية مختلفة تماما، وشئنا أم أبينا نسقط على النص قصصنا الخاصة، وهو أمر لا يقتصر على ما أظن على النص الأدبي، فكل مشهد يمر بنا نسقط عليه كثير من ذواتنا.