المنوعات

الزمن الجميل

24 مارس 2018
24 مارس 2018

عادل محمود -

يقول ألبير كامو في «الموت السعيد»:

«ليس للشعوب السعيدة تاريخ» و«ليس هناك وقت إلا لنكون سعداء» و«كان يود أن يلحس حياته كقطعة حلوى».

فعلاً التاريخ الوثائقي الموثق هو الشقاء، وليس ضرورياً أبداً المزيد من التباهي بوصف قطعة الحلوى (الحياة)...

لقد ترك التاريخ مقعد الكتابة لعدادي النكبات، حيث الأزهار والأشجار مصادر وحي لمدفعية الميدان. وحيث يتباهى الإنسان بالبشاعة، تلك الآتية من التفنن في قطع رؤوس الأطفال قبل أن

تصبح رؤوس جنرالات.

كاد ألبير كامو صاحب الرواية الشهيرة «الغريب» أن يفسد علي متعة مؤلمة، وأنا أتفرج على حفل

في بيروت باسم «الزمن الجميل» . وهو حفل يكرم الفنانين القدامى الأحياء أبطال «الزمن الجميل».

«الزمن الجميل» عنوان ملتبس قليلاً...فثمة من يتساءل بشرف: «أحقاً كان هناك زمن جميل؟»

إن البيئة الحاضنة للزمن الجميل لم تكن سوى شعوب فقيرة ومستعبدة ومنهكة، وهي في عز الإنهاك

والجوع والمذلة يطلب إليها الصبر على هزائم لا يد لها فيها.

البيئة الحاضنة للزمن الجميل هي الأوهام التي سميت أحلاماً: الحرية والاشتراكية والوحدة العربية.

وكل ذلك في خطاب مكرر، لم تزده هزيمة عام 1967 واحتلال إسرائيل لثلاثة أضعاف فلسطين من

الأراضي العربية... إلا إمعاناً في وهم الواقع، وضلال صورة التخلف في كل مستويات الأداء،

القومي والقطري في وطن الأغاني :

«اصبح عندي الآن بندقية

أصبحت من الثوار (نزار قباني)

والسؤال: هل هزمنا لأننا لم يكن عندنا بندقية؟

الزمن الجميل... له عدة مقاييس للتعرف على علامات كونه جميلاً، لا شك أن من بينها

وجود قامات في الفن: عبد الوهاب. أم كلثوم. فريد الأطرش، أسمهان. ليلى مراد...إلخ القائمة الذهبية.

الزمن الجميل... عدد القتلى أقل. المجاعات أقل فتكاً بأجساد جنوب البلادات. تمزق الوحدات. الجغرافيا

والاحتلالات كانت أقل من هذه الأيام.

وحتى السجون كانت أفضل من هذه الأيام.

النذالة أقل!

إذا كانت المسألة كذلك... فثمة زمن جميل جدير بالتحية.

كنا أطفال ذلك الزمن... أطفال منتصف الحلم، الذاهبين إلى محو الأمية اللغوية، المطلقين حناجرنا

في الرد على العدوانات الأجنبية ، ونحن اليوم الكهولَ المتفرجين على الماضي، على

تجاعيد وجوه المكرمين في رقصة افراح هذا الماضي الجميل.

وفي الحقيقة... ثمة من يصوغ حسداً حزيناً للأعمار الشابة التي تجري الآن في نهر الحياة، وهي لا تؤمن

بأزمنتها، وليس هناك ضلال إضافي يمكن أن يخدع به أحد أحداً. فأصوات استغاثات الأمة العربية تكاد

تؤلم، حتى، العدو، لفرط ابتذال حالتها الإسعافية.

الزمن الجميل؟... يا لهول ما يتحمل هذا الاسم من الذكريات !