أفكار وآراء

التنمية الزراعية.. أرض الانتفاع وتصاريح الآبار!!

24 مارس 2018
24 مارس 2018

د. سيف بن سليمان المعني -

تعتبر ممارسة حرفة الزراعة من أقدم الحرف التي مارسها العمانيون على مر السنين، وقد اعتمدوا عليها في حياتهم، ومعيشتهم. وشمل النشاط الزراعي كافة صنوف الزراعة، بما في ذلك تربية الحيوانات، في قراهم، ومنازلهم. وكانت الزراعة من المهن الأساسية، والاقتصادية، التي ساعدتهم على العيش بأمان، وسدت احتياجاتهم الغذائية في سنوات الحربين العالميتين الأولى، والثانية. ويعتمد العمانيون في نشاطهم الزراعي بنسبة 50% على مصادر مياه الآبار في ري مزروعاتهم، وكانوا يستفيدون استفادة كبيرة خلال مواسم الأمطار، في زراعة الحبوب، بشتى أنواعها، فالمزروعات الموسمية لا تكبد المزارعين أية خسائر ناتجة عن الجفاف، التي تتعرض له السلطنة من وقت لآخر، كما هو الحال في الأشجار المعمرة، باعتبارها زراعات موسمية، وفترة ريها قصيرة إلى حد ما، فقد كيف المزارع العماني نفسه مع هذه الظروف المناخية، وتأقلم معها.

وفي السنوات الأخيرة فإنه تم، وبتشجيع من حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله ورعاه- إدخال نظم الري الحديثة لتوفير المياه، ونرى أن مثل هذه الأنظمة أصبحت مستخدمة في معظم المزارع، وقل استخدام النظام التقليدي، المتمثل في الري بالغمر، نظرا لما يمثله من هدر كبير في موارد المياه، وأصبح المزارع يدرك اليوم أهمية الاقتصاد في استخدام المياه، لري مزروعاته، مما قلل الجهد، والتكلفة المبذولة، في الري، وزاد الإنتاج أيضا.

وللنهوض بالجانب الزراعي، فإن وزارة الزراعة والثروة السمكية، تقوم بدور فاعل في مساعدة المزارعين، لتنمية قدراتهم الزراعية، ومساعدتهم على مكافحة الآفات والأمراض، والحكومة تهدف من ذلك إلى تطوير الإنتاج الزراعي، بما يساهم في جانب منه في ضمان الأمن الغذائي، وبالتالي رفع نسبة مساهمة الزراعة في الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة الإنتاج، سواء كان زراعيا أم حيوانيا، ورفع الجودة والمنافسة، إضافة إلى حماية صحة الحيوان من الأمراض، وضمان سلامة الغذاء، وتحسين إنتاجية المراعي الطبيعية، وإيجاد مصادر علفية لخدمة المزارعين ومربي الحيوانات.

في بداية النهضة المباركة شجعت الحكومة المواطنين ودعمتهم ماليا في مجالات عدة، كان أهمها حفر الآبار، وتوسعة المساحات الزراعية، والإرشاد الزراعي، وبالمقابل حافظ المزارعون على مزارهم، وطوروها، وكان إنتاج القمح وهو عنصر هام من عناصر إنتاج الغذاء، خاصة في وادي قريات بولاية بهلا التي عرفت به، لكن شح المياه بالمنطقة حال دون استمرار ذلك، وإن كان لا يزال بعض المزارعين يقوم بزراعة القمح رغم الظروف التي ذكرتها، ولكن لا أحد يعلم كيف ستكون الدورة الفلكية في المستقبل، فإذا تحسن الوضع المائي إلى جانب وجود التقنية الحديثة في الري، ستشهد المنطقة من جديد انتعاشا زراعيا، يوفر جانبا مهما، من جوانب الأمن الغذائي الذي تسعى السلطنة إلى تحقيقه، والقمح باعتباره سلعة غذائية استراتيجية مهمة يحتاج إلى تشجيع، ودعم، حتى يستمر فهو يحتاج فقط في المتوسط ما بين 10 و12 رية وإذا شهد الموسم فترات ممطرة قد لا يحتاج إلى ذلك.

في تسعينات القرن الماضي أوقفت الحكومة توزيع الأراضي الزراعية على المواطنين، نظرا للعجز المائي الذي تعرضت له السلطنة، بهدف تدارك الوضع، وظلت الحيازات التي تقدم لها المواطنون كأراضٍ زراعية موقوفة، حتى صدور قرار من مجلس الوزراء الموقر في عام 2016م بالسماح لبعض أصحاب هذه الأراضي الموقوفة منذ زمن طويل، باستغلالها سواء كان بالتمليك أم بالانتفاع في الأنشطة المتصلة بالزراعة، خاصة تلك الأراضي التي لا تؤثر على أمهات الأفلاج، وقد تم منح بعض هذه الأراضي بالانتفاع أي (بالإيجار)، وطالما أن هذه الأراضي زراعية وبالانتفاع، كان من المتوقع أن يتم السماح لمن حصلوا على هذه الأراضي بحفر آبار لري ما ينوون زراعته بها لينتفعوا بها كما يشير العقد إلى ذلك، ولكن ما حصل هو أنه تعذر على البعض منهم الحصول على التصاريح بحفر الآبار، بينما آخرون قد حصلوا على ذلك وآخرون حصلوا على الأرض بالتملك.

السؤال هو كيف سيتم هذا الانتفاع دون مصدر مائي؟ وهل يتوقع من أصحاب هذه الأراضي أن يقيموا مزارعهم على مساحة 10 أفدنة، وريها بالصهاريج إلى أجل غير مسمى؟!! فمن الناحية الاقتصادية هذا غير منطقي، وغير مجدٍ، ومرهق للمزارعين، كما أنه ووفقا لبنود عقد الانتفاع سيتم سحب هذه الأراضي بعد انقضاء 3 سنوات إن لم يتم استغلال 70% منها زراعيا، إلى جانب ذلك فإنه ممنوع إقامة مأوى أيا كان نوعه على هذه الأراضي، أو حظائر حيوانية، إذا كانت مخصصة للزراعة، وممنوع توصيل المياه الحكومية إليها، ولن يتم إيصال الكهرباء إلى هذه الأراضي ما لم تكن مستغلة زراعيا على الرغم من حاجة الكهرباء في النشاط الزراعي، إذًا لماذا أعطيت هذه الأراضي من الأساس مصحوبة بكل هذه الممنوعات؟!

صحيح أن هناك عجزا مائيا في بعض هذه المناطق، ولكن المواطنين تأقلموا مع هذا الواقع، وكما أسلفت أصبحوا يتجنبون زراعة الأشجار المعمرة لحاجتها الكبيرة للمياه ويكتفون بالزراعات الموسمية والبيوت المحمية، وعندما تكون المياه متوفرة في أوقات الخصب، يقومون بزراعة الحبوب كالقمح والبقوليات... الخ، وهكذا تصبح هذه المزارع رافدا إضافيا في التنمية الزراعية والاقتصادية، ولهذا يتطلع المواطنون إلى حل مناسب لمسألة تصاريح حفر الآبار وعلى مبدأ لا ضرر ولا ضرار، فالمصلحة العامة تفرض نفسها في النهاية.