أفكار وآراء

مقاربات جزائرية فعالة في مواجهة الإرهاب والتطرف

24 مارس 2018
24 مارس 2018

مختار بوروينة -

[email protected] -

ترى الجزائر، انطلاقا من تجربتها التي خاضتها وحدها قبل تحول الإرهاب إلى ظاهرة عالمية عابرة للحدود، أن نجاح المواجهة العسكرية والأمنية ضد هذه الآفة، يقتضي وجود برامج سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وتربوية ودينية وغيرها، وتبنت من أجل ذلك مقاربات هيكلية أقرها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وأرساها عبر مسار المصالحة الوطنية، وترقية الديمقراطية، كمضاد للتطرف والإرهاب، وإطلاق الإصلاحات السياسية والاقتصادية ومكافحة التهميش والإقصاء، مما جنبها الفوضى والاضطرابات التي اجتاحت العام العربي بمسمى «الربيع العربي»، ومواجهة كافة التحديات والتهديدات الإرهابية وإجهاض المؤامرات والمخططات المعادية على حدودها «الملتهبة».

المقاربات التي مكّنت الجزائر من الانتصار على الإرهاب واستتباب الأمن، فضلا عن أنها أضحت اليوم واقعا ملموسا ميدانيا داخل الجزائر، امتدت أيضا كفاعل أساسي في استقرار المنطقة بفضل جوانبها الأخرى، ومنها تفكيك شبكات دعم الإرهاب «اللوجيستي»، وتجفيف مصادر تمويل الجماعات الإرهابية، وتجنيد الإمكانيات السلمية التي تحفظ حياة البشر.

في مساهمة لممثل رئيس الوزراء البريطاني المكلف بالشراكة الاقتصادية مع الجزائر، اللورد ريتشارد ريسبي، أفاد أن الجزائر تعطي مثالا ناجحا من أجل القضاء على الإرهاب، ويجب استخلاص الدرس من تجربتها، ومن تبنيها طرقا أكثر تصالحيه بما في ذلك الهدنة، ومسار المصالحة الوطنية، وبرامج توبة وإعادة تأهيل، و استثمارات في مجال التنمية، ومن مخططها الخاص بالقضاء على التطرف،وهو الأمر الذي يفسر،كما قال، العدد الضئيل للجزائريين الذين غادروا البلد للالتحاق بالتنظيم الإرهابي «داعش».

في السياق نفسه، يؤكد المركز الأمريكي للدراسات الاستراتيجية حول موضوع الأمن بالمغرب العربي أن أحد المعايير لقياس الفوز في التصدي للتطرف العنيف هو العدد الضئيل جدا من المجندين الجزائريين في صفوف الجماعات الإرهابية، ووفق تقرير مكتب الاستشارة الأمريكي « ذي سوفات سنتر» فالجزائر تصنف ضمن البلدان الأقل عرضة لتجند الإرهابيين عبر العالم بالرغم من قربها الجغرافي من المناطق التي تعاني من هذه الآفة، و الظروف الإقليمية الصعبة التي تعرفها المنطقة المغاربية ودول الساحل.

غير بعيد عن مكان وزمن تصريح، ريتشارد ريسبي، سجل مؤشر الإرهاب العالمي لسنة 2016، المنجز من قبل معهد الاقتصاد والسلام، أن الجزائر تعد من بين البلدان النادرة التي شهدت انخفاضا مستمرا في عدد القتلى في الأعمال الإرهابية منذ 2002، مصنفا إياها في المركز 49 من بين 163 بلدا، وذلك في تقريره المنشور بالعاصمة البريطانية لندن.

وأوضحت الوثيقة أن التراجع للنشاط الإرهابي بشكل كبير تم بفضل المجهودات المبذولة من طرف أجهزة الأمن حيث تراجعت الهجمات الإرهابية بشكل معتبر، منتقلة من 55 هجمة في عام 2007 إلى هجوم واحد فقط عام 2016، وهو ما ثبته معهد الاقتصاد والسلام في تقريره للعام 2016 من تراجع واضح للإرهاب بالجزائر التي خرجت من منطقة الخطر.

تقرير مؤشر الإرهاب جاء متطابقا مع التقارير الدولية التي أقرت بفعالية جهود قوات الأمن الجزائرية في التصدي للشبكات الإرهابية خلال السنوات الأخيرة، مما يبرز كفاءتها وخبرتها المتميزة في تحصين حدودها بسبب الاضطرابات التي شهدتها بعض دول الجوار على إثر ما سمي بـ «الربيع العربي» فضلا عن إفرازاته على منطقة الساحل، و في نتائج حصيلة الجيش لسنة 2017 التأكيد الميداني النوعي، لخلاصة التقرير، في مجال مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة من خلال القضاء على وتحييد 90 إرهابيا وتوقيف 40 إرهابيا واستسلام 29 إرهابيا وتوقيف 203 عناصر دعم وإسناد، وأزيد من 500 تاجر مخدرات، واسترجاع 285 بندقية و62 بندقية رشاش و 5 هاونات و 116 قاذف صواريخ و 247 بندقية وكشف وتدمير 160 لغما مضادا للأفراد وتقليديا، وحجز أكثر من 179 ألف طلقة من مختلف العيارات، بالإضافة إلى صواريخ ومقذوفات متنوعة وكميات معتبرة من المواد المتفجرة فضلا عن توقيف أكثر من 13 ألف مهاجر غير شرعي وحجز أكثر من 47 طنا من المخدرات المعالجة وأزيد من 5 كلغ من الكوكايين وأكثر من مليون و 279 ألف لتر من الوقود وما يفوق 1400 طن من المواد الغذائية المهربة.

المقاربات محل مناقشات دولية، والأرقام المكشوف عنها في حينها، شكلت محتوى تقرير كتابة الدولة الأمريكية في شهر يوليو الماضي، حول مكافحة الإرهاب، متضمنا تقييما إيجابيا لمجهودات الجزائر في مكافحة التطرف العنيف والإرهاب، وبنجاحها في مكافحة الظاهرة وتجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية وشبكات الإجرام المنظم، وبفضل امتلاكها تاريخا طويلا من النضال ضد الإرهاب، تبقى شريكا مهما في مجابهة الظاهرة كونها تخصص موارد كبيرة من أجل الحفاظ على أمنها، فضلا عن التزامها الدبلوماسي من أجل ترقية السلم والأمن العالميين، ومواجهة هذه الآفة التي حصدت عام 2016 ما مجموعه 25.673 قتيلا في أعمال إرهابية في 77 بلدا.

وتؤكد تقارير دولية أن الجزائر استطاعت الإبقاء على الضغط العسكري والأمني على الجماعات الإرهابية التي تحاول أن تقاوم، والأمر يتعلق بجماعات صغيرة لم تعد تشكل تهديدا على الاقتصاد وسير المؤسسات والسكان، كما تقف حاجزا أمام تمدد تنظيم «داعش» الإرهابي في منطقة شمال إفريقيا بفضل المستوى الأمني العالي الذي تتمتع به، و نجاح أجهزتها الأمنية في إحباط العديد من المحاولات اليائسة لفلول إرهابية، سعت لزرع الهلع في نفوس المواطنين في ظروف متفرقة، علاوة على جهودها لتأمين حدودها الشرقية مع ليبيا والجنوبية مع بلدان الساحل لاسيما أن اعتداء « تقنتورين» سنة 2013 كان بمثابة درس لقوات الأمن التي رفعت درجة يقظتها.

بالأرقام مجددا، صنف مركز الأبحاث الأمريكي «سوفان غروب» في تقريره الصادر شهر أكتوبر الماضي، الجزائريين ضمن أقل الجنسيات التحاقا بالتنظيم الإرهابي «داعش» مقارنة برعايا دول أخرى، مشيرا إلى وجود 170 عنصرا جزائريا يحملون جنسيات أوروبية ولم يسبق أن وطئت أقدامهم الجزائر، في حين أحصى في صفوفه 600 ليبيا، مع الإشارة أيضا الى أن السلطات الجزائرية هي التي قامت في 2016 بمنع مئات الأفارقة من الالتحاق بمخيمات تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا عبر الجزائر، في إطار مكافحة الإرهاب، كما لم تتردد العدالة الجزائرية في إصدار 226 أمرا بالقبض دوليا ضد أشخاص متهمين بالالتحاق بالجماعات الإرهابية منهم 21 أجنبيا كانوا مقيمين بالجزائر، حسبما كشف عنه وزير العدل، الطيب لوح، الشهر الماضي.

رغم ذلك لا تتردد الجزائر في كل مناسبة من التحذير من خطورة عودة المقاتلين المنهزمين في المعارك التي تدور رحاها في بلاد الشام إلى دول شمال إفريقيا، بالنظر إلى قدرة تنظيم داعش في إعادة التشكل والتفرغ لامتلاكه وسائل تكنولوجية متطورة.

و لم يتأخر الكثير من الخبراء المشاركين، مؤخرا، في منتدى رفيع المستوى بالجزائر حول «الأجوبة الفعالة والمستدامة لمكافحة الإرهاب : مقاربة جهوية» من بعث إشارات خاصة بالتداعيات والتطورات العالمية على أمن قارة إفريقيا التي تنتمي إليها الجزائر لا سيما بعد هزيمة ما يعرف بالتنظيم الإرهابي «داعش» وتراجعه عسكريا في سوريا والعراق.

وتشهد إفريقيا وجودا متزايدا لمقاتليها في منطقة الساحل وما وراءها، وبعد دعوة التنظيم الإرهابي «داعش» عناصره للعودة الى ليبيا ومنطقة الساحل والصحراء ككل، وسجلت تقارير تحركات مقاتلين أجانب في هذا الاتجاه، وتحدثت عن نحو 6 ألاف إفريقي من بين الثلاثين ألف مقاتل أجنبي الذين قدر انضمامهم الى هذا التنظيم الإرهابي في الشرق الأوسط، وعودة هؤلاء العناصر الى بلدانهم الأصلية في قارة إفريقيا يترتب عنها آثار خطيرة على الأمن القومي حيث تقوم الجماعات الإرهابية بإعادة تنظيم نفسها وتجميع مواردها وتستعد لتجنيد هؤلاء الوافدين الجدد الذين يتمتعون بتدريب إيديولوجي وعسكري وقدرة عالية على استغلال شبكة الانترنت والشبكات الاجتماعية، وحصولها على موارد مالية كبيرة في ظل ارتباط الإرهاب بالجريمة المنظمة العابرة للحدود.

إن تجربة الجزائر المريرة مع الإرهاب التي فاقت عقدا من الزمن، تصدت وتغلبت عليه بمفردها، أكسبتها خبرة في التصدي ومحاربة الجماعات الإرهابية وأساليب عملها في منطقة الساحل من خلال إستراتيجية تعتمد على استهداف قياداتها وكسر قدرتها القتالية، مما جعلها محط اهتمام العديد من الشركاء الذين سجلوا أيضا الوعي المبكر للمسؤولين الجزائريين بأن الرد على التطرف العنيف لا ينبغي أن يقتصر على البعد الأمني فقط، مصحوبا بتأكيدات من الميدان للفريق،أحمد قايد صالح، نائب وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش الجزائري بأن النتائج الملموسة المحققة من قبل وحدات الجيش تؤكد نجاح المقاربة التي تبناها الجيش مسنودا بقوة من قبل الشعب الجزائري الملتف حوله لتطهير الجزائر من الإرهاب، و جاهزيتها في سبيل تأمين الحدود الجزائرية ودرء كل أشكال التهديدات المتربصة بالجزائر بفضل اليقظة العالية والجاهزية العملياتية.

الجزائر التي تحظى باعتراف المجموعة الدولية بدورها المحوري في مجال تنسيق الجهود وفق نظرة شاملة، جعلها تتحول من مكافح وحيد للإرهاب إلى شريك وحليف دولي مهم في ظل تنامي تهديدات الآفة العابرة للحدود، فهي إلى كونها عضوا فعالا في المنتدى الدولي لمكافحة الإرهاب، تحتضن أيضا مقر المركز الإفريقي للدراسات والبحث حول الإرهاب، ومقر آلية الشرطة الإفريقية « إفريبول»، وتترأس مناصفة مع كندا مجموعة العمل لهذا المنتدى حول إفريقيا الغربية، وفي منطقة الساحل تدعو إلى اهتمام المجتمع الدولي حول أخطار الروابط بين الجريمة المنظمة والإرهاب عبر واحد من المحاور المتمثل في القنب الهندي والكوكايين بهذه المنطقة التي تخضع حاليا لمراقبة الجماعات الإرهابية.

بين المقاربات المتكاملة، والأرقام الجانبية لها، والاعتراف الدولي، فقد حلت الجزائر في المرتبة السابعة سنة 2017 في تصنيف البلدان التي يشعر ساكنوها بالأمن، وأصبحت من بين البلدان الأكثر أمنا في العالم من خلال ما أنجزه معهد جالوب الأمريكي لقياس الرأي العام.