أفكار وآراء

صراع تجاري عالمي في الأفق

24 مارس 2018
24 مارس 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

من عالم الملكية الفكرية والعلوم التطبيقية التي انتهكتها الدول الاستعمارية الغربية وأمريكا في القرنين الماضيين خاصة للعرب والمسلمين، يحاول الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الدخول من هذا الباب لمعاقبة الصين باعتبارها متهمة بالعدوان الاقتصادي من خلال انتهاك الملكية الفكرية لينشب حربا تجارية جديدة تكون ضحاياها من مختلف دول العالم. ويبدو بأن هذه الحرب التجارية التي يخشاها العالم بدأت تتشكّل، بعدما وقع الرئيس الأمريكي يوم الخميس الماضي قرارًا يسمح لبلاده بفرض رسوم جمركية على واردات صينية بقيمة 60 مليار دولار، وهو ما قد يكون له آثار وخيمة على الاقتصاد العالمي. فالمذكرة الرئاسية في هذا الأمر تشير إلى أن هناك فترة تشاور لمدة 30 يوما تبدأ فقط حالما تُنشر الإدارة الأمريكية قائمة بالسلع الصينية التي سيتم فرض الرسوم الجمركية عليها، كما يعطي للصين مجالا للتفاوض مع الجانب الأمريكي ويخفف من خطر رد انتقامي مباشر من جانب بكين، الأمر الذي سيؤدي حتما إلى إجراء مزيد من الاتصالات وزيادة قنوات الاتصال بين البلدين خلال الفترة المقبلة، مع صدور البيانات من كل طرف عن أي أمر مستجد.

القرار الأمريكي الذي أقدم عليه ترامب له عواقب عديدة، فهو من القررات التي لم يقرّ بها أي من الرؤساء الأمريكيين السابقين الذين اكتفوا بالتلويح فقط نتيجة لقيام الصين بالتلاعب مع العملة المحلية لها “اليوان”، وابتعدوا دائمًا عن اتخاذ أية إجراءات فعلية كالتي اتخذت منذ يومين، حيث أدى ذلك إلى تراجع الأسواق المالية في العالم، خاصة في الدول الآسيوية. والسؤال المطروح إن كان القرار المتعلق بحجم التعريفات المفروضة على المنتجات الصينية يتماشى مع مقدار الانتهاكات الصينية الذي صوّره “ترامب” في خطابه. وهل سيتم التراجع عنه لاحقا مثل بعض القرارات التي اتخذها ترامب منذ قدومه إلى البيت الأبيض؟ بعض المحللين يرون بأنه من المحتمل تخفيف الإجراءات إذا تسببت في اضطراب الأسواق المالية، حيث أصيبت أسواق المال الأمريكية والأوروبية وكذلك الآسيوية بخسائر كبيرة خلال الأيام الماضية نتيجة لقرار ترامب ضد الصين بانتهاكها وسرقتها لحقوق الملكية الفكرية.

الصين من جانبها تعهدت مرارًا وتكرارًا بالدفاع عن حقوقها ومصالحها المشروعة إذا استهدفتها واشنطن بإجراءات مشابهة. فالبيان الصادر من السفارة الصينية بالعاصمة واشنطن كان شديد اللهجة مؤكدا بأن الصين سوف تقاتل حتى النهاية للدفاع عن مصالحها المشروعة بكافة الإجراءات الضرورية، وأن القرار الأمريكي يهدد نظام التجارة الدولي والاستقرار الاقتصادي العالمي، وأن حزمة الرسوم الجمركية الجديدة ضد بكين أرست سابقة سيئة للغاية، مؤكدة أنها لن تقف مكتوفة الأيدي وتتجاهل الإضرار بحقوقها ومصالحها الشرعية. كما كشفت بكين يوم الجمعة الماضي عن قائمة من المنتجات الأمريكية قد تطالها رسوم جمركية بقيمة 3 مليارات دولار، كرد على إعلان ترامب، مع ذلك قالت وزارة التجارة الصينية إن بكين لا تريد خوض حرب تجارية، لكنها أيضًا لا تخشى أبدًا من الحرب التجارية وستخوضها حتى النهاية إذا اضطرت لذلك. فمثل هذه التعريفة الجديدة قد تحد من قدرة البضائع والشركات الصينية على المنافسة في الأسواق الامريكية. أما المراقبون فإنهم يرون أن الرسوم الجمركية المبدئية التي فرضته الصين بقيمة 3 مليارات دولار تقل بواقع 20 ضعفا عن حزمة الرسوم التي اقترحها ترامب، وهو ما يؤشر إلى أن بكين ما زالت تمارس ضبط النفس وأنها لا تريد نشوب حرب تجارية.

معظم الاقتصاديين يحذرون من أن الكثيرين سيصبحون أكثر فقرًا في العالم في حالة تنفيذ مثل هذه القرارات، وأن حديث ترامب عن الفوز بالحرب التجارية أمر سخيف وخطير، لكن من الصحيح أيضًا أن الصين لديها الكثير لتخسره نظرًا لاعتمادها الواسع على التصدير، حيث بلغت صادراتها السلعية إلى الولايات المتحدة نحو 500 مليار دولار العام الماضي، وأن مثل هذه الحرب لا يوجد بها خاسر، بل أن خسارة الطرفين وغيرها من الدول الأخرى وارد في هذا الشأن، وأن هناك شركات أمريكية كبرى مثل “آبل” و”بوينج” و”إنتل” وغيرها قد تعاني كثيرًا إذا قررت الصين توسيع نطاق إجراءاتها العقابية.

ووفقا لبعض الأرقام فقد حققت شركة “آبل” إيرادات بقيمة 18 مليار دولار (20% من إجمالي مبيعاتها) في الصين وحدها خلال الربع الأخير من عام 2017، فيما بلغت إيرادات “بوينج” في السوق الصيني 12 مليار دولار (13% من إجمالي المبيعات)، كما تحظى عدد من الشركات الأمريكية العملاقة مثل “إنتل” و”نفيديا و”ميكرون” و”كوالكوم” و”تكساس إنسترومنتس” بتواجد كبير في الصين، وتحديدًا في قطاع التصنيع بالإضافة إلى شركات التكنولوجيا المحلية التي تعتمد على منتجاتها. بالاضافة إلى ذلك هناك شركات أمريكية أخرى سوف تتضرر من ذلك، فعلى سبيل المثال، بلغت مبيعات شركة “نايكي” في الصين خلال الربع الرابع من عام 2017 نحو 1.2 مليار دولار وهو ما يمثل 15% من إجمالي إيراداتها، فيما باعت شركة “جنرال موتورز” 4 ملايين سيارة في الصين على مدار 2017 بأكمله عبر شركاء محليين. كما أن سلسلة متاجر القهوة الشهيرة “ستاربكس” قد تكون بين أكبر الخاسرين أيضًا، حيث تراهن بقوة على السوق الصيني المكتظ بالمستهلكين، والذي يؤمن لها 14% من إجمالي الإيرادات.

فرض الرسوم الجمركية على الواردات الأمريكية القادمة من الصين محل خلاف كبير في العالم أيضا في إطار “العولمة” التي تمارسها الشركات العالمية العملاقة، خاصة وأن أمريكا تعتبر من الدول الرئيسية المؤسسة لمنظمة التجارة العالمية التي يجب على الدول الاحتكام إلى قوانينها في حالة الانتهاكات. ومن هذا المنطلق حثت الصين يوم الجمعة الماضي الولايات المتحدة على ”الابتعاد عن حافة الهاوية“ من خلال فرض تلك الرسوم لإبعاد العالم عن نشوب حرب تجارية، مؤكدة أنها ليست خائفة من الدخول في حرب كهذه، وأنه يجب اتخاذ قرارات رشيدة وعدم جر العلاقات التجارية الثنائية لمثل هذه الأخطار.

فالصين من جانبها أفردت قائمة تضم 128 من المنتجات الأمريكية التي قد تخضع لرسوم جمركية إذا لم يتمكن البلدان من التوصل إلى اتفاق بشأن القضايا التجارية، حيث أشارت الوزارة المعنية بالتجارة الى أنها تدرس فرض إجراءات على مرحلتين: الأولى فرض رسوم جمركية نسبتها 15% على 120 منتجا من بينهم الأنابيب الصلب والفاكهة المجففة والنبيذ بقيمة 977 مليون دولار، وفي مرحلة لاحقة فرض رسوم أعلى تبلغ 25% على واردات بقيمة 1.99 مليار دولار تشمل لحم الخنزير والألمنيوم المعاد تدويره.

البيت الأبيض من جانبه أشار إلى أن أعواما من المحادثات مع الصين لم تسفر عن أي تقدم. وان أمريكا تسعى لاتفاقية تجارية مع الصين تكون “عادلة”، في الوقت الذي يبلغ فيه العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين حوالي 375 مليار دولار. وإن مثل هذا القرار في نظر أمريكا سوف يضييق على ملكية الشركات الأجنبية في الصين ويضع ضغوطا على الشركات العاملة في مجال نقل التكنولوجيا، إلا أن البيان الصادر من السفارة الصينية بالعاصمة واشنطن كان واضحا في هذا الشأن. كما أنه سبق لرئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ ان حث الولايات المتحدة إلى تجنب الانفعال، والتعامل “بعقلانية” مع مسائل التجارة، معربا عن أمل بكين بأن يظل الجانبان ملتزمين بالحكمة وعدم التصرف بانفعالية، بغية تجنب حرب تجارية. فهل ستشهد المرحلة المقبلة تصعيدا في هذا الأمر وتطال دول أخرى؟؟ أم ستتجه الدول إلى تقديم الشكاوي لمنظمة التجارة العالمية بدلا من تأجيج واشتعال حرب تجارية على نطاق واسع؟؟.