أفكار وآراء

ميركل.. مستشارة لألمانيا للمرة الرابعة وبشعور مختلف!

23 مارس 2018
23 مارس 2018

سمير عواد -

بعد مرور 171 يوما على الانتخابات الألمانية العامة، والتي أسفرت عن نتائج فرضت على المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي تتزعم الحزب المسيحي الديمقراطي، الدخول في تجربة صعبة لتشكيل حكومتها الرابعة، تم لابنة القسيس البالغة 63 عاما من العمر وكانت أول امرأة حصلت على منصب المستشارة الألمانية في نهاية عام 2005، وأول شخص من ألمانيا الشرقية، تحقيق هدفها بأن تتزعم حكومتها الرابعة. ولم يكن واضحا لميركل ما إذا ستنجح في بلوغ هدفها، لأن القرار بقي في النهاية بأيدي أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، الذين قرر غالبيتهم في النهاية مشاركة حزبهم في الحكومة الجديدة تحت زعامة ميركل، رغم وجود معارضين وخاصة شباب الحزب الذين كانوا يرغبون أن يقود حزبهم المعارضة.

ولم يكن تشكيل حكومة ائتلافية مع الاشتراكيين الخيار الأول للمستشارة الألمانية. فقد حاولت تشكيل حكومة ائتلافية مع الحزب الليبرالي وحزب الخضر، لكن المفاوضات باءت بالفشل بسبب اختلاف الإيديولوجيات والمواقف تجاه قضايا رئيسية إضافة إلى صعوبة التوفيق بين الحزب الاجتماعي المسيحي البافاري، شريك حزب ميركل في الاتحاد المسيحي، والحزبين الصغيرين، الليبرالي والخضر. وأنقذ أعضاء الحزب الاشتراكي ميركل من نهاية عهدها واضطرت لتقديم تنازلات مثل التخلي لصالح الاشتراكيين عن وزارة المالية. ويُمسك الاشتراكيون أبرز المناصب الوزارية مثل المالية والخارجية والاقتصاد والعمل والشئون الاجتماعية. وحصل هورست زيهوفر على منصب وزارة الداخلية التي أضيف إليها اسم الوطن، حيث من المنتظر أن يثير جدل حول القرارات التي سيتخذها في منصبه لأكثر من سبب. ذلك أن زيهوفر، الزعيم السابق للحزب المسيحي الاجتماعي البافاري، من أبرز منتقدي سياسة ميركل تجاه اللاجئين. ثانيا، أن ولاية بافاريا سوف تشهد انتخابات محلية في أكتوبر المقبل، مما يتعين على الوزراء الثلاثة الذين ينتمون للحزب البافاري القيام بدور ملفت للنظر لمساعدة حزبهم في الاحتفاظ بالسلطة في بافاريا.

ويقول محللون أن كل حزب في الائتلاف يستغل المشاركة في الحكومة الجديدة للظهور بأنه الأفضل أمام الناخبين. فالجميع يتوقع أن تكون هذه الولاية الرابعة والأخيرة لميركل، التي بدأت تعد خليفة لها للمرحلة القادمة. وستدخل ميركل التاريخ كونها المستشارة الألمانية التي أمضت أطول فترة في الحكم من جميع المستشارين الألمان الذين سبقوها في منصبها بما فيهم المستشار الراحل هيلموت كول الذي أمضى ستة عشر عاما في منصبه وعين ميركل في حكومته وكان يناديها (يا فتاتي) قبل أن أطاح به الاشتراكي جيرهارد شرويدر الذي بقي في الحكم سبعة أعوام إلى أن خسر منصبه بصورة مفاجئة لصالح ميركل. ويريد الحزب الاشتراكي استغلال دوره في السلطة ليظهر بأنه يستحق الفوز في الانتخابات العامة المقبلة.

ولفت انتباه المراقبين رفض 35 نائبا ينتمون إلى معسكر الائتلاف الحاكم الجديد، التصويت لصالح ميركل عندما تم انتخابها في منصبها للمرة الرابعة على التوالي، وهذه علامة على عدم رضا كثيرين عن ميركل التي أصبحت تعرف أنها فقدت الكثير من التأييد بسبب سياستها تجاه اللاجئين. وسيكون على عاتق الحكومة الألمانية الجديدة، استعادة ثقة الناخبين التي تم التفريط بها خلال الأعوام الثلاثة الماضية وبدأت مع تدفق نحو مليون لاجئ إلى ألمانيا بدون أوراق ثبوتية. وعندما وقعت أعمال عنف ارتكبها لاجئون وادعى ما يُسمى «تنظيم الدولة» مسؤوليته عنها، تم تحميل ميركل المسؤولية، كما تم تحميلها مسؤولية ظهور حزب «بديل من أجل ألمانيا» الشعبوي، بسبب سياستها تجاه اللاجئين حيث قام هذا الحزب ولا يزال، بتخويف المواطنين الألمان من اللاجئين والزعم بأنهم أتوا لخطف منازل الألمان ووظائف العمل ومعهم عدد من مقاتلي «تنظيم الدولة». وبحسب كريستوف شتراك، المعلق في تلفزيون وإذاعة «صوت ألمانيا.. دويتشه فيلله» يأتي تشكيل حكومة ميركل الرابعة لينهي فترة طويلة من الجمود السياسي، بالنظر إلى التحديات التي تواجه ألمانيا محليا وأوروبيا ودوليا. وما زالت سياستها تجاه اللاجئين توجد لميركل مشكلات، مثل ارتفاع عدد الاعتداءات ضدهم من قبل اليمين المتطرف الألماني، والجدل حول امتناع مبادرات توزيع المواد الغذائية عن تقديمها للأجانب وخاصة اللاجئين، مما أدى إلى نشوء هوة داخل المجتمع الألماني. أما أوروبيا، يعرف الأوروبيون أن ميركل لم تعد قوية في بلادها كما كانت قبل الانتخابات في سبتمبر الماضي، وتتردد مقولة أن ميركل فقدت بذلك دور الزعامة في الاتحاد الأوروبي، حيث هناك تحالف جديد طرفه الأول الرئيس الفرنسي إيمانويل مكرون والثاني المستشار النمساوي الشاب سيباستيان كورتس. كما لميركل خصوم لها في الاتحاد الأوروبي كانوا ينتظرون تعرضها للضعف بفارغ الصبر مثل رؤساء حكومات دول أوروبا الشرقية في الاتحاد الأوروبي، مثل التشيك والمجر وبولندا وسلوفاكيا وسلوفينيا الذين يعارضون بقوة سياستها تجاه الناخبين. لذلك لم يكن غريبا أن تقود أول زيارة خارجية يقوم بها وزير الخارجية الألماني الجديد، هايكو ماس، إلى باريس، للتأكيد على أن المحور الألماني الفرنسي الذي يعود إلى زمن الرئيس شارل ديجول والمستشار الألماني كونراد أديناور، ما زال قائما، منعا لشروع مكرون في إقامة تحالفات جديدة على حساب علاقات بلاده التاريخية مع ألمانيا.