أفكار وآراء

مسلمو ألمانيا.. جدل وحساسيات تظهر على السطح!!

23 مارس 2018
23 مارس 2018

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

باكرا جدا بدأت العلاقة بين ألمانيا والعالم العربي وبخاصة منطقة الشرق الأوسط ففي أثناء الحرب العالمية الأولى كان الشرق الأوسط الواقع ضمن أراضي الدولة العثمانية منطقة عمليات للسياسة الألمانية.

انتهت الحرب كما هو معروف بهزيمة الألمان وأضحى الإنجليز المنتصرون يشكلون القوة الحاسمة في الشرق الأوسط، في وقت بقى فيه للألمان دور المشاهد فقط، وهو الذي مارسه القنصل العام منذ عام 1924، ونشطت ألمانيا مجددا إبان الحرب العالمية الثانية في الشرق الأوسط ولكن هذه المرة في العراق، كما يخبرنا البروفيسور «رولف شتاينجر» الألماني الأصل في كتابه الشهير «ألمانيا والشرق الأوسط».

لم تتوقف علاقة ألمانيا بالشعوب العربية والإسلامية فبعد الحرب العالمية الثانية بدأت مرحلة أخرى لألمانيا الغربية في الشرق الأوسط، ولكن تحت شروط مختلفة تماما، إذ على مدى 40 عاما كانت هناك ألمانيتان، في وقت جعل فيه حق التمثيل الوحيد، وهو الذي نادت به ألمانيا الغربية، بون قابلة للابتزاز . وكانت هناك الحرب الباردة والتبعية الكبيرة للنفط.

وتغير هذا الأمر منذ العام 1990/‏‏‏1991 فلا وجود لألمانيتين بعد اليوم ولا لحرب باردة، وليس هناك ابتزاز، كما أن التبعية للنفط أصبحت أقل، وفي الشرق الأوسط لم يعد هناك وجود لقوتين تمارسان سياساتهما بل صارت هناك قوة عالمية واحدة.

والمؤكد أنه خلال العقود التي امتدت من الحرب العالمية الثانية وحتى الساعة وفد إلى المان مهاجرون عرب ومسلمون بمئات الآلاف، وبعضهم لعب دورا مهما للغاية في تاريخ الحرب العالمية الثانية، وهناك قوات خاصة من المسلمين الأتراك شاركت في الحرب الكبرى ولاقت إعجاب وثناء الفوهور «أدولف هتلر»، ومع سبعينات وثمانينات القرن الماضي وصولا إلى حاضرات أيامنا كان تيار الهجرة العربية والإسلامية إلى ألمانيا يمضي قدما، وربما شكل هؤلاء قيمة مضافة لاقتصاديات ذلك البلد الأوروبي الكبير والمهم والذي غلفته العلمانية ولم يعرف العنصرية بعد هزيمة هتلر.

ولكن لماذا الحديث عن ألمانيا في هذا التوقيت بالذات؟

يبدو أن وزير الداخلية الألماني الجديد كان هو سبب إعادة قراءة حال ومآل العلاقات العربية والإسلامية الألمانية، وبالقدر نفسه التوقف طويلا أمام المسلمين الألمان في الداخل.. ما الذي قاله الرجل؟ ولماذا أثار ثائرة من استمعوا إليه أو قرأوا عنه في داخل ألمانيا أو خارجها؟

قبل بضعة أيام تحدث «هورست زيهوفر» بالقول: «إن الإسلام لا ينتمي إلى بلاده» في تصريحات تتناقض مع أحاديث سابقة للمستشارة الألمانية التي أعيد تنصيبها «انجيلا ميركل» وفيها أشارت إلى أن الإسلام جزء من تاريخ ألمانيا.

لا يمكن بحال من الأحوال أن نعزل مثل هذه التصريحات التي تحمل ملامح وسمات محددة عن الخلفية التاريخية الفكرية للرجل والذي طالما جاهر بانتقاده لسياسات ميركل الخاصة باللاجئين، ومعروف أن ميركل فتحت ألمانيا بشكل كبير للبؤساء والمعذبين من العالم الإسلامي ومن إفريقيا، الأمر الذي سبب لها بشكل أو باخر مواجهات مع أصحاب دعوات الشعبوية والشوفينية القومية من بني جلدتها من قبل وحتى الساعة، ومع ذلك لم تتوان عن دعم المهاجرين الجدد.

كان عام 2015 هو أكثر الأعوام في تاريخ مواجهة ومجابهة في الداخل الألماني وقد عاد الحديث عاليا عن الإسلام في ألمانيا وكثر الجدل من حول المسلمين وهل هم مواطنون أصلاء أو أنهم دخلاء على النسيج الاجتماعي لألمانيا؟

والواقع أن الأمر لم يكن يتعلق بألمانيا فقط، فقد شهدت أوروبا ولا تزال نقاشا واسعا حول تلك القضية، بل أكثر من ذلك بدأت النقاشات تتحول إلى دوافع ومحفزات للعمل السياسي على الأرض، ولهذا رأينا فوزا لكثير من العناصر الأصولية الأوروبية، وفي ألمانيا تحديدا حدث ما هو أكثر إثارة فقد حصل حزب البديل من أجل ألمانيا على نحو 100 مقعد في البرلمان الألماني وهو الحزب المعروف بمواقفه العدائية من العرب والمسلمين في ديارهم، وكذلك من المهاجرين لا سيما من المسلمين على نحو خاص في داخل ألمانيا، بل أن بعضهم استغل العمليات الإرهابية التي قام بها الدواعش لكي يعمموا من القول بان كل مسلم إرهابي، وان أفضل مسلم في أفضل الأوقات هو مشروع إرهابي، ومحاولة إلصاق الأمر بالعقيدة الإسلامية، وربما لهذا حاولت المستشارة ميركل إنهاء القضية بقولها: «ان الإسلام جزء من ألمانيا» وذلك في محاكاة واضحة لا تخطئها العين لكلمات الرئيس السابق «كريستيان وولف» والذي استخدم ذات المفهوم من قبل، في محاولة لبسط أجنحة التسامح والتصالح داخل المجتمع الألماني، وحتى يضحى النسيج الاجتماعي الألماني منسجما مع بعضه بعضا.

في حواره مع صحيفة «بيلد» الألمانية الواسعة الانتشار اطلق وزير الداخلية «زيهوفر» تصريحاته التي أثارت مخاوف من أن تستغلها التيارات اليمينية الألمانية وبقية الجماعات القومية الشعبوية في البلاد، إضافة وهذا هو الخطر الأكبر إلى النازيين الجدد في التعاطي العنيف والمسلح مع المسلمين في ألمانيا، وقد ذهب إلى ان ألمانيا «قد كونتها وشكلتها المسيحية»، وأن البلاد لا ينبغي ان تتخلى عن تقاليدها الخاصة.

حاول «زيهوفر» لاحقا التحايل على تصريحاته تلك وتخفيف غلوائها بالقول «إن المسلمين الذين يعيشون معنا ينتمون إلى ألمانيا»، وفي هذا فارق واسع في المعنى والمبنى، ذلك ان عدم انتماء الإسلام إلى ألمانيا ينزع عن العقيدة أي أصول لتواجدها كدين ومعتقد إيماني، أما انتماء المسلمين الألمان لألمانيا فهذه قصة مستحقة عبر حقوق المواطنة.

أحد أهم الأسئلة التي يمكن أن تطرح على هامش التصريحات الأخيرة: «هل كان للرجل أن يقولها إذا لم يكن موقنا بأن هناك خلفية شعبوية عريضة تدعم هذا التوجه الأيديولوجي وإن كان توجها بغيضا بدرجة كبيرة؟»

مؤخرا أظهرت دراسة جديدة زيادة في مستوى التعصب في منطقة حوض نهر الرور والتي كانت في السابق أحد أهم أماكن العيش المشترك بين الألمان والجاليات المهاجرة، ووجد الباحثون علاقة مذهلة بين عدم الثقة المتزايدة ونجاح اليمين المتطرف.

يطلق على منطقة «حوض الرور» الواقعة في ولاية شمال الراين فيستفاليا بغربي ألمانيا اسم «حزام الصدأ» الألماني أو «بوتقة الصهر». وهذه المنطقة اعتمدت في نشاطها الصناعي على الجاليات المهاجرة أكثر من أي منطقة أخرى في ألمانيا.

ولعله من المؤلم جدا للمسلمين الألمان أن تكون مثل هذه التصريحات وذلك المصير جزاؤهم عن أفعال إيجابية عديدة قدموها لألمانيا.. كيف ذلك؟

معروف أنه بعد الحرب العالمية الثانية أدت قلة عدد العمال الألمان في مناجم الفحم والصلب إلى وصول عشرات الآلاف من «العمال الضيوف « من إيطاليا وأسبانيا واليونان، بينما كان العدد الأكبر من تركيا.

لكن اليوم تشهد هذه المنطقة التي عرفت بكونها ملاذا للمهاجرين في السابق زيادة مفاجئة في نسبة «الرهاب من الإسلام» أي الإسلاموفوبيا، وعدم الثقة بين المجتمعات المحلية والمهاجرين، خاصة خلال العامين الماضيين، وفقا لتقرير مؤسسة بروست الألمانية.

هل أطلق وزير داخلية ألمانيا موجة جديدة من الجدل داخل ألمانيا حاول فيها التشكيك في هوية وانتماء المسلمين الألمان؟

أغلب الظن أن هذا ما قد حدث بالفعل، فقد لقيت تصريحاته زخما من أطراف متفقة معه مثل «ماركوس بلوم» الأمين العام للاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري الذي انتقد في حوار له مع صحيفة «فيلت ام زونتاج» الدعوات المطالبة بوضع حد للجدل الذي أثارته تصريحات وزير الداخلية الجديد حول مكانة الإسلام في ألمانيا، وقال بلوم «لا يجب قمع هذا النقاش، بل يجب مواصلته حتى النهاية». هل تعني تصريحات وزير الداخلية الألماني الجديد إن كل الألمان يرون رؤيته وينهجون نهجه؟

بالقطع الأمر ليس على هذا النحو مطلقا، فعلى سبيل المثال أبدى حزب الخضر الألماني تضامنه مع المسلمين في ألمانيا وقالت رئيسة الكتلة البرلمانية للحزب «كاترين جورينج» «نريد رسالة واضحة تفيد بأنه لا تسامح مع العنف في بلدنا أيا كان مصدره أو الجهة المستهدفة»، ومضيفة أن زيهوفر أهان مشاعر المسلمين بتصريحاته عن الإسلام واعتبرت الأمر فضيحة.

يشعر المرء ببعض الطمأنينة من جراء وجود أصوات عاقلة في حكومة المستشارة ميركل من عينة وزيرة العدل الألمانية الجديدة «كارتينا بارلي» التي طالبت بإنهاء المناقشات التي أثارها مجددا وزير الداخلية حول مسألة انتماء الإسلام إلى ألمانيا وفي تصريحات لصحيفة «راينشيه بوست» الألمانية قالت الوزيرة المنتمية إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي ان: «المناقشات النظرية أجريت على مدار فترة كافية»، وتابعت أن المهم هو أن يتم حل المشاكل بصورة عملية، وفيما يتعلق بقيمنا فإن القانون الأساسي «الدستور» كان وسيظل هو أساس تعايشنا».

ما هو أكبر تحدٍّ يواجه ويجابه ألمانيا والألمان اليوم؟

يذهب البعض إلى أن فوز فلاديمير بوتين بولاية رئاسية رابعة هو خطر يهدد وحدة أوروبا الغربية التاريخية، لكن هذا أمر مردود عليه، فقد اصبح الصراع مع الروس بالنسبة للألمان جزءا من التاريخ لا واقعا من المستقبل، لاسيما أن هناك أحاديث عميقة تدور الآن بين الطرفين الروسي والأوروبي حول طرح «أوراسيا» وكيف يمكن لوحدة أوروبية روسية أن تعزز من التعايش المشترك للبشر من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال شرقا.

إن الخطر الحقيقي الذي يهدد ألمانيا والألمان اليوم هو التوجهات الشعبوية التي ترفض الغير وتقصيه، وتسعى في عزله وإبعاده، وقد يبدأ هذا بالمسلم الألماني، ما يعني أن الفكر الشمولي الذي قاد إلى النازية ذات يوم قاب قوسين أو أدنى من تهديد ألمانيا من جديد. وعليه يبقى التساؤل: «هل حان وقت الصحوة الألمانية؟».