أعمدة

نوافـذ :«هذا يلمع نفسه»..

23 مارس 2018
23 مارس 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

توجد بين؛ بعض؛ أفراد المجتمع «وسوسة» تنطوي على «تخوين» مبطن ما كان ينبغي؛ حقيقة؛ من أي كائن من كان، أن تصدر منه، لا من قريب ولا من بعيد، فالعلاقة بين الأفراد يجب أن تكون نقية، وصحية، وآمنة، يغلفها الرضا، ويعلي صوتها الصراحة والشفافية، وأن ينأى به بعيدا عن مظان «السوء» وذلك حتى يبقى احترام الذوات لبعضها قائما، وتقدير الآخر؛ في جميع إرهاصات مشاغله اليومية؛ مستمرا، لأن المجتمعات لا تكون صحية، خالية من الأمراض النفسية، إلا إذا نقى الأفراد أنفسهم من هذه المظان المظلمة، ومن هذه المنحدرات السيئة الخطيرة، ومن سوء الظن القاتل.

فردات الفعلي التي تظهر مع أي سلوك يقوم به أي فرد من أفراد المجتمع، ويقيم بـ (هذا يلمع نفسه، هذا يبحث عن منصب، هذا يهيئ نفسه، هذا يفرد عضلاته، هذا يريد أن يراه الناس، هذا «شايف» نفسه، هذا محسوب على الحكومة، هذا مطبل، هذا منافق، هذا يريد أن يكون بطلا، هذا يريد أن يلفت الأنظار إليه..).

وكثير من هذه التعليقات والألقاب، تلقى على أظهر الناس من حيث لا يدرون، والأسوأ في هذا كله أن الشخص الذي يقيم الآخر لا يواجهه بهذا التقييم، وقد يغالي أكثر في الإساءة عندما يواجه صاحبه بابتسامة عريضة، ويظهر له الود، وقد يشيد بدوره في عمل ما، وهكذا يستمرئ الإنسان هذا الفعل ليجد فيه مادة تسيل اللعاب؛ خاصة؛ عندما يكون هناك من يحضر المجلس من الناس؛ حيث تتهاوى التعليقات «كجلمود صخر حطه السيل من عل» كما جاء في بيت امرئ القيس.

هذه الصورة، وهي صورة «تقامدية» لا تخرج كثيرا عن المعنى الذي تشير فيه الآية الكريمة: (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) سورة غافر – وهو المعنى الذي يشير إلى استغفال الناس بعضهم لبعض في ممارسة السيئة سواء كانت سيئة نظر، أو سيئة قول، أو سيئة فعل، فالقياس يبقى واحدا والجرم يبقى واحدا، فالفهم بعموم المعنى لا بخصوص السبب، والسؤال المهم: لماذا يسلك الناس هذا المسلك، مع علم الكثيرين منهم بخطأ ما يقومون به، والدليل أنهم لا يواجهون الشخص الذي يغتالونه بهذه الألقاب والمسميات، والتي يغضون من خلالها الطرف عند المواجهة المباشرة بينهم وبين من ينزلوه هذه المنزلة السيئة.

ليس هناك من أحد منقى من العيوب، فكلنا محملون بهذه العيوب، وتظهر الحكمة وقوة الشخصية، ليس في إخفاء عيوبنا عن الآخر؛ وتعظيم عيوب الآخر على الملأ، ولكن في القدرة بعدم المساس أو الاقتراب من عيوب الآخر، والقدرة السريعة على استحضار عيوبنا لحظة الإقدام على إبراز عيوب الآخر، والصورة السوية في هذا الموقف: أن أي سلوك يظهره الآخر؛ لا يجب أن يخضع لتقييم شخصي من أي كان، مع تبرئة الآخر دائما، وبأن ما يصدر عنه من فعل أو قول، هو مسؤول عنه بالدرجة الأساس، وتبرئة ساحته التقييمية من قبل الآخر، و«الحشرية» الزائدة التي نمارسها على الآخر ما كان لها أن تزهر كثيرا في ظل مجتمع متنور يتشرب بالعلم والمعرفة منذ بواكير عمره، وفلسفة القول: بأن هذه فطرة إنسانية، ليس صعبا عن أن تروض، وتوجه نحو صلاح المجتمع الذي يتعزز كلما سادت بين أفراده صور الرضا، والمحبة، والمودة، وغض الطرف عن كثير من الأخطاء التي تحدث لضعف الإنسان نفسه، ثم أن العلاقة بين الإنسان وذاته ليس من اليسير تقييمها، فهي علاقة معنوية ترتقي إلى مستوى الـ «غيب» فكيف يستطيع بشر آخر أن يكون وسيطا بين الإنسان وذاته، أو تفكيره، أو عقد نيته، فإن كان الأمر بسيطا بهذه الدرجة فهذا نوع من الـ «خرافة».