1284204
1284204
إشراقات

د. كهلان: لم يرد ما يخصص شهر رجب بفضل الصيام والقيام فيه

22 مارس 2018
22 مارس 2018

«العبودية لله».. تعني الاستجابة لأمره بالكيفية التي شرعها -

الشعائر التعبدية لا تكون ابتكارا من الإنسان نفسه وإنما استجابة وطاعة لله تبارك وتعالى -

متابعة: سالم بن حمدان الحسيني -

أوضح فضيلة الشيخ الدكتور كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام للسلطنة أنه لم يرد ما يخصص شهر رجب بفضل الصيام فيه، ولا في جزء منه ولا في قيام ليلة منه، وهذا هو ما قرره علماء الإسلام من مختلف المذاهب الإسلامية، وبيّن فضيلته أن علماء الإسلام اجمعوا على أن الشعائر التعبدية التي يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى لا تكون ابتكارا من الإنسان ذاته، وإنما تكون استجابة وطاعة لله تبارك وتعالى كما أمر بها وفي الأوقات التي أمر أن يعبد فيها، وبحسب شروطها وأركانها التي أقرها الحق سبحانه وتعالى سواء كان ذلك في كتابه الكريم أو على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وأكد فضيلته في لقاء له ببرنامج سؤال أهل الذكر أن لو كان أمر العبادات موكولا إلى العباد ابتكارا وابتداعا فيعني ذلك انهم يشرّعون لأنفسهم دينا، ويبتكرون لأنفسهم عبادات، مؤكدا أن معنى العبودية لله تبارك وتعالى أن يستجيب العبد لأمر ربه جل وعلا، بحسب ما أمره من حيث الكيفية والزمان والمكان بمختلف أنواع العبادات التي شرعها الله عز وجل.. نقرأ المزيد مما قاله في هذا السياق في الحوار التالي:

رجب من الشهور التي نالت حظا كبيرا جدا من العناية من قبل العابدين والذاكرين والراغبين في تقديم هذه العبادات.. هل ورد في رجب ما يعطيه قيمة إيمانية وتعبدية؟

لم يرد في رجب شيء مخصوص سوى انه من الأشهر الحرم فهو شهر من أربعة أشهر، كما قال الله تبارك وتعالى: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم ثلاثة متوالية، وفي رواية ثلاثة سرد، ذو القعدة، وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر»، الذي بين جمادى وشعبان، فلا خصوص لرجب إلا أنه من الأشهر الحرم، التي دلت عليه الآية السابقة ، وهناك جملة أحاديث أخرى في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تدل على أن بدء القتال فيها ممنوع، وهذا قول طائفة من الفقهاء يرون بقاء حكم مشروعية بدء القتال في هذه الأشهر، إلا أن يكون ردا لعدوان، وورد فيها إغلاظ في النهي عن الظلم، وهذا نجد له نظائر في كتاب الله عز وجل في هذا الدين الحنيف، فالله تبارك وتعالى يقول: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) مع أن الفسوق منهي عنه دائما إلا أن هذا النهي يشتد ويغلظ في اشهر الحج، وكذا الحال بالنسبة إلى الظلم، فانه يعظم وتشتد حرمته في الأشهر الحرم، ولعل هذا هو السبب الذي دفع أيضا طائفة من الفقهاء إلى القول ببقاء حكم النهي عن بدء القتال في الأشهر الحرم مع تعظيم منزلتها بمنع ظلم الأنفس فيها، ولذلك قالت الآية الكريمة: (فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) عند من يرى أن الضمير يعود إلى الأشهر الحرم، ومن المفسرين من يرى أن الضمير يعود إلى السنة كلها وهي الاثنا عشر شهرا الواردة ذكرها في الآية: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا) فقال إن الضمير يعود إلى الاثني عشر شهرا، ومنهم من يرى وهو قول أكثر وجاهة إنها تعود إلى الأشهر الحرم، فشهر رجب إذا الذي هو بين جمادى وشعبان كما ورد في هذه الرواية وفي رواية أخرى «رجب ومضر» هو شهر من هذه الأشهر الحرم، لكن لم يرد فوق ذلك أي دليل خاص.

الرواية غير ثابتة

هناك دعاء مشهور على ألسنة الناس عندما يدخل شهر رجب: «اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان» ويرى الداعين انه ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يشعر بقيمة رجب وأهميته.. هل هذا الحديث صحيح؟

هذه الرواية التي ورد فيها هذا الدعاء ورد من طريق أنس ابن مالك وتفرد به عنه زائدة ابن أبي الرقّاد وهذا الراوي قال عنه البخاري: منكر الحديث، فهذه الرواية ضعيفة وطائفة من المحققين في علم الحديث يرون أنها منكرة. إذن هذا الدعاء بهذا اللفظ أن يظن بأنه مروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير صحيح، ولذلك فإن في ما هو ثابت صحيح سعة من الأحاديث فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عندما يرى هلال الشهر: «الحمد لله ربي وربك الله، اللهم أهلّه علينا بالأمن والإيمان والسلم والسلام، ربي وربك الله»، هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو عند إهلال كل شهر، أما هذه الرواية فهي ضعيفة أحسن أحوالها وإلا فقيل إنها منكرة. والله أعلم.

لم يرد ما يخصص الصيام فيه

هناك من عليه قضاء أيام عن رمضان أو الراغبين في الأجر من الصيام يرون أن شهر رجب هو الظرف المناسب الذي وردت فيه جملة من الآثار تدل على ذلك.. هل ورد ما يرغب على الصيام في رجب؟

لم يرد ما يرغّب ويخصص شهر رجب بفضل الصيام فيه، ولم يرد شيء معين في فضل صيام رجب ولا في صيام جزء منه ولا في قيام ليلة منه، وهذا هو ما قرره علماء الإسلام من مختلف المذاهب الإسلامية أي العلماء المحققون منهم، فليس هناك شيء من الأدلة الشرعية التي تخص رجب بفضل الصيام، وفي جزء منه، وكذا الحال بالنسبة لقيامه، وللحافظ ابن حجر العسقلاني رسالة مختصرة اسمها «تبيين العجب بما ورد في فضل رجب» ذكر فيها الأحاديث الضعيفة وتعرض للأحاديث الموضوعة لكنها صدّر بذكر بعض الروايات التي هي احسن قليلا من غيرها، قال: أمثل ما ورد في باب الصيام في رجب حديث أسامة بن زيد لما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إكثاره من الصوم في شعبان فقال عليه الصلاة والسلام: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، ولم يعلق الحافظ ابن حجر إلا تعليقا بسيطا رده كثير من المحققين حينما قال: انه يشبه رمضان في جنس العبادة وهي الصيام، لكن هذا مردود أولا بدلالة الرواية نفسها فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ما يرى وهو صائم فيما سوى رمضان في شعبان، ولم يرد انه كان يصوم في رجب.

العبادة أمر توقيفي

لماذا لا يسمح للإنسان أن يفتكر لنفسه ألوانا من العبادات يتقرب بها إلى الله تعالى؟ ويخص بها أياما أو شهورا معينة؟

أمر العبادة توقيفي وهذا معناه أن مصدر العبادات إنما هو من أمرنا بها وهو ربنا جل وعلا، القائل: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ)، والقائل: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)، فبين ربنا تبارك وتعالى هذه العبادة بما تكون وكيف تكون وفي أي وقت تكون، ولذلك فإن علماء الإسلام اجمعوا على أن هذه الشعائر التعبدية التي يتقرب بها إلى الله تبارك وتعالى لا تكون ابتكارا من هذا الإنسان، وإنما تكون استجابة وطاعة لله تبارك وتعالى كما أمر بها سبحانه وفي الأوقات التي أمر أن يعبد بها فيها، وبحسب شروطها وأركانها التي أمرنا بها جلّ وعلا، سواء كان ذلك في كتابه الكريم أو كان ذلك على لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، إذ لو كان أمر العبادات موكولا إلى العباد ابتكارا وابتداعا فإن هذا يعني انهم يشرعون لأنفسهم دينا، ويبتكرون لأنفسهم عبادات، وليس هذا معنى العبادة أصلا، فان معنى العبودية لله تبارك وتعالى أن يستجيب هذا العبد لأمر ربه جل وعلا، بحسب ما أمره من حيث الكيفية والزمان والمكان بمختلف أنواع العبادات التي شرعها الله عز وجل، نعم له أن يضيف من جنس العبادات، فيما هو من النوافل والمباحات فما شرعه الله تبارك وتعالى من الشعائر التعبدية من أمر الصلاة والصيام والحج والزكاة فإن له أن يضيف من جنسها، فله أن يكثر من الصلاة بحسب ما شرع الله تبارك وتعالى وقتا وهيئة وكيفية، وله أن يكثر أيضا من حج بيت الله الحرام أداء للحج أو اعتمارا، وأيضا بحسب ما يتيسر له وبنفس الكيفية التي شرعها الله عز وجل وله أن يكثر من الصدقات وأن يتبرع وأن يصنع المعروف وهذه أعمال من جنس الزكوات، وله أيضا أن يكثر من الصيام قدر ما يستطيع في الأيام التي أباح الله عز وجل أن يصام فيها أو في الأيام التي ندبت هذه الشريعة إلى صيامها أما أن يبتكر لنفسه عبادات ويظن أنها من المشروع التي وردت به أدلة شرعية في حين أن الأمر ليس كذلك، فهذا محجور ويمكن أن يدخله في ما لا يسعه، والله تعالى أعلم.

إذن فضيلة الشيخ قد يبتكر لنفسه هذه العبادات وهي من جنس العبادات المشروعة لكن يريد أن يطبقها وان يقوم بها بشكل جماعي يدعو فيها رفاقه لتحقيق تلك العبادة في ذلك الوقت المخصوص ثم تنسحب بعد ذلك على الأجيال القادم.. هل في هذا ما يمنع؟

هذا ابتداع في الدين، أي أنها من البدع، فان يفعل المرء بنفسه من جنس ما هو مشروع دون اعتقاد أن ذلك ثابت في الأدلة الشرعية في كتاب الله عز وجل أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما مع ظنه انه يكثر من النوافل المشروعة، فهذا لا حرج فيه، لكن أن يعمد إلى أوقات مخصوصة وان يجمع لها الناس ثم بعد ذلك يقوم بنسبتها إلى هذا الدين ويأخذ ببعض المرويات التي قد تكون موضوعة أو حتى متروكة أو ضعيفة فان هذا هو المحذور الذي تقدم التحذير منه لأنه سيفضي إلى أن يحدث في أمر هذا الدين، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يقول: (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)، وقال: «من احدث في امرنا هذا ما ليس منه فهو رد» أي مردود عليه، والمقصود بذلك الإحداث في الدين، أما أن يأتي مما هو مباح أو من جنس المندوبات فهذا خير طالما دلت عليه أدلة شرعية صحيحة في كتاب الله عز وجل أن في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم الثابتة الصحيحة، أما أن يحدث في الدين فان هذا سبيل إلى الضلالة، كما حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذن هل هو خوف من أن تلحق الناس مشقة من هذه العبادات وتخالف المقصد؟ أم لأن العبادة بنفسها توقيفية؟

لأن العبادة توقيفية، ولأن فتح الباب فيما يتعلق بهذه الشعائر والمناسك التي يتقرب بها العباد إلى الله تبارك وتعالى وجعله موكولا إلى الناس انفسهم يمكن أن يفضي بهم إلى ما وقعت فيه الأمم السابقة من تعظيم ما لا حرمة له، وبخس ما عظّم الله تبارك وتعالى، ومن إحداث فيما هو غير مشروع، فان أهل الجاهلية صرحوا انهم ما عبدوا تلك الأوثان إلا لتقربهم إلى الله تبارك وتعالى زلفى لكنهم مع دعواهم انهم يعبدون الله وانهم يتقربون إليه أخطأوا الوسيلة فأشركوا معه سبحانه وتعالى، ولذلك جاء أمر العبادة مع أمر الذبائح مرتبطا بالعقيدة في هذا الدين لأن أمر الذبائح أيضا هو مما انحرف فيه أهل الجاهلية فقربوا قرابين وذبحوا ذبائحهم لغير الله تبارك وتعالى ولذلك نجد أيضا اقتران الذبائح والطعام مما يذبح في كتاب الله عز وجل بتأسيس عقيدة إيمانية راسخة صحيحة لكن هذا ليس بموضوعنا الآن ولكنه تنبيه استدعته الإجابة عن هذا السؤال فيما يتعلق بسبب جعل العبادات توقيفا، ولا ريب أن من ضمن المقاصد أن يجنح الناس إلى جلب الحرج والمشقة على انفسهم إذ ليس هناك ما هو أوسع وأرفق بالعباد مما كلفهم الله تبارك وتعالى به، عدلا وسطا قصدا، فهي عبادات مقدور على أدائها، مشيرا إلى انه لو جنح الناس إلى أهوائهم ورغباتهم لشددوا على انفسهم ولتركوا ما هو مشروع إلى ما هو مبتدع مصنوع وهذا هو ما جاءت هذه الشريعة لنبذه وتجنيب الناس إياه.