1284066
1284066
إشراقات

خطبة الجمعة: المؤمن مطالب بالتفقه في كيفية أداء العبادة التي تقربه إلى الله

22 مارس 2018
22 مارس 2018

لتأتي على الوجه الصحيح -

أكدت خطبة الجمعة على أن المؤمن مثلما يحرص على اتقاء الله عز وجل فيما انعقد عليه جنانه وفيما لفظ به لسانه فعليه أن يحرص على اتقاء الله عز وجل في سائر أفعاله خشية أن تخالف أقواله وخشية أن تكون عليه لا له.

وشددت على أن تقوى الله عز وجل في العمل تسـتلزم أن يتفقه المؤمن في كيـفية أداء العبادة التي يتقرب بها إلى الله سبحانه حتى يأتي أعماله على الوجه الذي يرضي المولى سبحانه وتعالى فكم من عامل يتقرب إلى الله تعالى بعمل غير مقبول لفقدانه ركنا أو شرطا من شروط القبول.. وإلى ما جاء في خطبة وزارة الأوقاف والشؤون الدينية التي جاءت بعنوان (كــيف نحقق التقوى في حياتـنا؟).

الحمد لله الذي جعل التقوى مناط الفوز والفلاح، وسبب الظفر والنجاح، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وأصحابه الأتـقياء، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الجزاء.

أما بعد، فيا عباد الله:

أوصيكم ونفسي بتقوى الله، والتزام هداه، فتقوى الله تعالى حصن أمام كل فتنة، وعدة في كل محـنة، وهي وقاية للمؤمن من عذاب الله وسخطه، وقد أجاد من قال فيها: هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنـزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل، وقد أمر الله عز وجل بها وأوصى بها عباده: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، ويقول: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ). إن العبد المؤمن ليسـتشعر مكانة التقوى وحاجة نفسه إليها كلما اجـتهد في طاعة الله، فهي روح كل عمل يقدمه لمولاه، فالأعمال صور قائمة والتقوى روحها، ولذا خص الله تعالى أهـل التـقى بالجزاء الأخروي دون غيرهم؛ يقول عز من قائل: (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا).

أيها المسـلمون:

إن للتقوى منابع ومصادر تصـدر عنها، فما هي منابع التقوى؟ وما مصادرها؟ لا ريب أن التقوى تنبع أولا من الخوف من الله تعالى، واسـتشعار مراقبته، وتعظيم مقامه تبارك وتعالى، يقول جل وعلا: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى، فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى)، ويقول: (لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ). ومن هنا وجب على كل مؤمن أن يزع نفسه بوازع الخوف من الحق سبحانه وتعالى أن يراه حيث نهاه، أو يفقده حيث أمره، كما وجب عليه أن يسـتشعر مراقبة الله تعالى في كل وقت وحين، فالله لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وأنه لا تخـفى عليه خافية: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)، (وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ).

عباد الله:

أكمل المؤمنين إيمانا أسرعهم إلى تحـقيق التقوى والتحلي بها، ومن هنا كان الإيمان الصحيح أعظم منابع التقوى، وفي مقدمة مصادرها ما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل)، ولما كانت مرتبة التقوى أخص من مرتبة الإيمان طوى الله عز وجل صفة الإيمان وأقام مقامها صفة التقوى عند بيانه لعاقبة الموفين في قوله: (زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب). وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم منزلة الإيمان العالية في نفس كل مؤمن، وأنه يتنافى مع ارتكاب كبائر الذنوب، ولا يمكن أن يجـتمع معها بحال من الأحوال في قوله: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن).

معاشر المسلمين:

مثلما كان الخوف والإيمان أعظم منابع التقوى كانت الأخلاق ثالثهما، إذ إن صاحب الخلق يمـنعه خلقه غالبا من الإثم، ويحجزه عن الظـلم، ويدله على المحامد وفعـل المكارم، فإذا اجـتمع مع ذلك الإيمان والخوف حمله على توقي حدود الله والخشية من الاجـتراء على محارمه، لما يرى في ذلك من مناقضته للشكر والإحسان، فما جزاء المنعم أن تكفر نعمته، ولا أن يقابل المحسن بإنكار إحسانه، ومن أعظم إحسانا من المنعم المنان! ومن أولى بأن يعامل بالإحسان من المولى الرحمن؟ (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ). ومن جملة مصادر التقوى: العقل الذي يحجز صاحبه عما لا ينبغي ولا يحسن، داعيا له إلى التقوى، ولذلك اسـتنهض القرآن الكريم ذوي العقول حاثا لهم على التقوى في قوله: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).

أيها المسلمون:

إننا نجد فيما شرعه الله تعالى في دينه الإسلام، من شعائر العبادات ما يبعث على التقوى ويهدي إليها، فالصلاة صلة بين العبد وربه، والصيام جنة عن المحارم، وقد جعل الله سبب فرضيـتها حصول التقوى في قوله: (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، والزكاة تزكـية وتطهير، والحج خير زاد للتـقوى، وهكذا كل عمل صالح يبـتغي به صاحبه وجه الله تعالى، كبر الوالدين، وصلة الرحم، والقيام بحق الجار، والصاحب بالجنب، وقيام المسـلم بمعاشرة أهـله بالمعروف، والإحسان في تربية ولده على الاسـتقامة والصلاح، يقول سبحانه: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)، فأعمال البر متنوعة والذين يحرصون عليها، ويسابقون إليها هم المتقون لا من عداهم.

فاتقوا الله -عباد الله-، واحرصوا على تحـقيق التقوى في حياتكم، حتى تفوزوا برضوان رب الأرض والسماوات، وتنعموا يوم تلقونه بنعيم الجنات.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه يغفر لكم، إنه هو الغفور الرحيم، وادعوه يستجب لكم، إنه هو البر الكريم.

*** *** ***

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحـبه ومن والاه.

أما بعد، فيا عباد الله:

إن التقوى لا يقتصر دورها ولا يظهر أثرها في الأقوال والأفعال فحسب؛ بل هي شاملة للاعـتقادات والأفكار والتصورات، فالمؤمن يتـقي الله عز وجل في العقيدة التي يتدين بها لله عز وجل ويملأ بها قلبه ولبه، فيحرص على ثبات إيمانه بوجود الله تعالى ووصـفه بصفات الكمال ونعوت الجلال، ويحرص على صحيح المعـتقد المتعلق بأركان الإيمان وأصول الدين، من إيمان بملائكة الله تعالى وكتبه ورسله واليوم الآخر والقضاء والقدر خيره وشره، ذلك لأن المسـلم يوقن أن قلبه هو محل نظر الرب سبحانه وتعالى. والمؤمن كذلك حريص على اتقاء الله تبارك وتعالى في الألفاظ التي يلفظها، فلا ينطق إلا حـقا، ولا يقول إلا صدقا، ويتجنب جميع آفات اللسان ومزالق القول؛ من كذب وبهتان وفرية، وهمز ولمز وغيبة ونميمة، وشتائم وألفاظ بذيئة، ذلك لأنه يقرأ في كتاب الله: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ، كِرَامًا كَاتِبِينَ، يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)، (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، ورب كلمة أوقدت حربا، ورب كلمة أحـيت قلبا، وأنارت دربا، (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ، تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ، وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ).

عباد الله:

مثلما يحرص المؤمن على اتقاء الله عز وجل فيما انعقد عليه جنانه، وفيما لفظ به لسانه، فهو حريص على اتقاء الله عز وجل في سائر أفعاله، خشية أن تخالف أقواله، وخشية أن تكون عليه لا له، وتقوى الله عز وجل في العمل تسـتلزم أن يتفقه المؤمن في كيـفية أداء العبادة التي يتقرب بها إلى الله سبحانه، حتى يأتي أعماله على الوجه الذي يرضي المولى سبحانه وتعالى، فكم من عامل يتقرب إلى الله تعالى بعمل غير مقبول لفقدانه ركنا أو شرطا من شروط القبول، ذكر النبي صلى الله عليه وسلم يوما رجلا أشعث أغبر يطيل السـفر يمد يديه إلى السماء: (يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يسـتجاب له)، يشير بذلك صلى الله عليه وسلم إلى أن للدعاء المتقبـل شروطا، ومن شروطه: المطعم الحلال والملبس الحلال والمشرب الحلال، فالتقوى مناط قبول كل عمل: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).

فاتقوا الله -عباد الله-، فيما تعـتقدون وما تقولون وتفعلون، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ).

هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).

اللهم صل وسلم على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن المؤمنين والمؤمنات إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، واجعل تفرقنا من بعده تفرقا معصوما، ولا تدع فينا ولا معنا شقيا ولا محروما.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، واجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا أنت سبحانك بك نستجير، وبرحمتك نستغيث ألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر، وأصلح لنا شأننا كله يا مصلح شأن الصالحين.

اللهم ربنا احفظ أوطاننا وأعز سلطاننا وأيده بالحق وأيد به الحق يا رب العالمين، اللهم أسبغ عليه نعمتك، وأيده بنور حكمتك، وسدده بتوفيقك، واحفظه بعين رعايتك.

اللهم أنزل علينا من بركات السماء وأخرج لنا من خيرات الأرض، وبارك لنا في ثمارنا وزروعنا وكل أرزاقنا يا ذا الجلال والإكرام. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، المسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).