إشراقات

الانتماء للوطن ضرورة دينية

22 مارس 2018
22 مارس 2018

أكد الدكتور أحمد كريمة الأستاذ بجامعة الأزهر أن الانتماء للأوطان أمر فطري لدى الإنسان، وقد أعلت الشريعة الإسلامية من مكانة وقيمة الأوطان، وجعلت الانتماء لها واجبا دينيا؛ لأن هناك نصوصا واضحة أكدت على ذلك، كما أنه واجب وطني أيضا؛ لأن الانتماء أهم أسس المواطنة في الإسلام، وهو أمر لا يرتبط فقط بعقيدة الإنسان، لكنه إحساس يتعمق، وينمو مع الفرد، وهذه المفاهيم يدركها كل من هاجر من وطنه؛ لأنه يشعر بالحنين والرغبة في العودة إلى بلده، فالوطن له مكانة كبيرة في الإسلام؛ لأنه مسقط الرأس، والمكان الذي يستقر فيه الإنسان، ويشعر بالراحة والطمأنينة، والنفس الإنسانية بالطبيعة، لديها غريزة حب وانتماء للوطن، وقد أوجبت الشريعة الإسلامية على كل إنسان، أن ينتمي للوطن الذي يعيش فيه، وجعلت ذلك جزءًا من عقيدة المسلم، ولذلك فالمواطنة الحقيقية تتطلب هذا الانتماء، بل وتستدعي ترسيخ هذه القيم والمبادئ، في نفوس الأجيال الجديدة.

ويشير إلى أن الشريعة الإسلامية، سبقت كل النظم الحديثة، في إرساء قيم حب الأوطان والانتماء إليها، وجعلت الدفاع عنها، من أسس وقواعد المواطنة في الإسلام، وهذا الانتماء لا يرتبط بالدين أو الجنس أو اللون، لكنه يجب أن يكون لدى كل المواطنين داخل المجتمع الواحد، باختلاف عقائدهم؛ لأن الوطن هو ملك للجميع، وإذا كان هناك أمن ورخاء وسعادة، سوف ينعم بها الجميع، أما إذا كان هناك ضعف في المجتمع، فإن الجميع سوف يتأثر بهذا الضعف والتراجع، وهنا تبرز قيمة الانتماء وحب الوطن، التي هي ليست شعارات أو كلمات فقط، بل هي أفعال وعرق وإخلاص لرفعة المجتمع والدفاع عنه، ومواجهة كل صور المساس به، أو زعزعة الاستقرار والأمن المجتمعي. ويضيف: إن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- ضرب أروع الأمثلة في حب الأوطان، فعندما خرج صلى الله عليه وسلم، من مكة المكرمة، مهاجرا إلى المدينة المنورة، نظر صلى الله عليه وسلم إلى مكة المكرمة، وقال المقولة التي أصبحت أعظم ما قيل في حب الأوطان والانتماء إليها: (والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله وأحب بلاد الله إلى نفسي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت)، فرغم كل ما تعرض له الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، في مكة من أذى الكفار، إلا أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك، وهذا دليل على مكانة وقيمة الأوطان في الإسلام، وكيف أن الشريعة جعلت حب الأوطان جزءا من العقيدة، وأوجبت بذل الجهد والعرق، للدفاع عن الأوطان من أي عدوان. ويؤكد أن الانتماء إلى الأوطان والدفاع عنها، يكون بالالتزام بما حددته الشريعة الإسلامية في هذا الأمر، وهذا الانتماء للوطن، والذي هو من أسس المواطنة في الإسلام، لا يقتصر على المسلمين فقط في المجتمع، لكن هو أمر يتعلق بكل المواطنين في أي وطن، فوثيقة المدينة التي وضعها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، عندما هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، أكدت هذه الوثيقة على هذه المبادئ، وبالتالي فالدفاع عن الوطن وحمايته، يكون من كل أبنائه، وبهذا تتحقق المواطنة في أروع صورها، كما حددت الشريعة الإسلامية.

موضحا إن الانتماء للوطن له مظاهر كثيرة، أهمها مواجهة كل الأخطار والأزمات والمحن والشدائد، والوقوف بقوة ضد أي محاولات للعبث أو الفساد، ومواجهة المغرضين الذين يسعون لهدم الأوطان، فالانتماء الذي هو من أسس المواطنة، يعني التصدي لأعداء الوطن، ومواجهة كل أفعالهم، وعدم إعطاء الفرصة، لزعزعة الأمن والاستقرار المجتمعي، أو ترويع الناس أو المساس بالمرافق والمنشآت العامة، فالانتماء يعني المشاركة الإيجابية والمساهمة في القضايا العامة، والبعد عن كل الظواهر السلبية التي تهدد مستقبله، ولذلك فإن حماية المجتمعات، والمحافظة عليها والدفاع عنها، يعد واجب ديني، حثت عليه تعاليم الشريعة الإسلامية، كما هو واجب وطني يتعلق بالطبيعة والفطرة، التي فطر الله الناس عليها، فإننا نجد الطيور تعود إلى أوطانها، التي هاجرت مضطرة منها، كما أن الناس قبل الإسلام، كان كل إنسان يحن إلى مسقط رأسه، ويتذكر أحواله وأهله في هذا المكان.

وطالب بضرورة أن نرسخ هذه القيم لدى الشباب في الوقت الحالي، لأن كثير من الأزمات والمحن التي تواجه المجتمع، تكون نتيجة غياب مفهوم الانتماء، وكذلك يكون نتيجة مفاهيم خاطئة حول مكانة الأوطان في الإسلام، وينتج عن ذلك الكثير من الصور السلبية، والأفعال الغريبة التي يقوم بها البعض ضد ممتلكات الوطن، والمؤكد أننا في حاجة لغرس هذه القيم والمبادئ، من خلال وسائل الإعلام، وكذلك من خلال المؤسسات الدينية والتعليمية والشبابية والثقافية، لأن هناك تحديات كثيرة، أصبحت تؤثر على فكر الشباب، نتيجة وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وأعداء الأمة يحاولون دائما، الوصول للشباب عبر هذه الوسائل، لتجنيدهم ضد أوطانهم، من خلال نشر أفكار متطرفة، تتنافى مع القيم الدينية والوطنية، ولذلك يجب القيام بهذه التوعية، لحماية أبناء المجتمع من هذه الأفكار الهدامة، التي تضعف قيم الانتماء للأوطان.