أفكار وآراء

بينج .. والسير على طريق الحلم الصيني !

21 مارس 2018
21 مارس 2018

عبد العزيز محمود -

من المرجح أن تواصل الصين دورها الرائد في التجارة الحرة العالمية، وتطوير التعاون الآسيوي، من خلال سد فجوة البنية الأساسية والمساعدات التي يقدمها بنك الاستثمار الآسيوي .

بموافقة المؤتمر الوطني الشعبي الصيني (البرلمان) بالإجماع يوم السبت الماضي الموافق ١٧ مارس الجاري على إعادة انتخاب شي جين بينج رئيسا للصين لولاية ثانية مدتها خمس سنوات بعد أيام من إلغاء الحد الأقصى لمدة الرئاسة يبدو الرئيس الصيني، من وجهة نظر بعض المراقبين، وكأنه يسير على درب الزعيم الراحل ماوتسي تونج. ولكنه في الواقع يسير على طريق الحلم الصيني حسبما يخطط له.

فقد أمسك بينج بزمام كل السلطات باعتباره الأمين عام للحزب الشيوعي الصيني (أعلى سلطة في البلاد)، ورئيس اللجنة المركزية العسكرية (القائد الأعلى للقوات المسلحة) إلى جانب رئاسة الدولة التي أصبح بإمكانه الترشح لها مدى الحياة، مما أنهى توقعات باعتزاله فور انتهاء ولايته الثانية في عام ٢٠٢٣.

جاء ذلك في أعقاب تعديل دستوري أقره البرلمان الصيني يسمح لبينج بالاستمرار في منصب رئيس الدولة إلى أجل غير مسمى، في سابقة لم تحدث منذ ٣٦ عامًا، وذلك بناء على مبادرة دعا إليها الحزب الشيوعي الصيني، الذي يهيمن على الدولة والمجتمع، في مؤتمره الوطني الـ١٩ الذي عقد في أكتوبر الماضي، كما قرر الحزب الذي يتمتع أمينه العام بسلطات واسعة إدراج فلسفة بينج لأول مرة في ميثاق الحزب والدستور.

وفي تطور لاحق وافق البرلمان الصيني على تجديد تعيين عدد من كبار المسؤولين من بينهم نائب الرئيس، ورئيس الوزراء ورئيس المحكمة العليا، واختيار رئيس جديد للجنة مكافحة الفساد ومحافظ جديد للبنك المركزي (بنك الشعب الصيني)، وكلهم من حلفاء الرئيس.

وبدا واضحا أن الرئيس الصيني يسير على درب الرئيس الأول ماوتسي تونج، الأب المؤسس لجمهورية الصين الشعبية، ورئيس الحزب، والذي حكم الصين بقبضة حديدية بين عامي ١٩٤٩ و١٩٧٦، خاصة فيما يتعلق بتوسيع السلطات وتحديث البلاد.

فخلال مدة حكمه التي استمرت ربع قرن، أمسك ماو بزمام كل السلطات، وقاد حملة لتحديث الصين وتحويلها من بلد زراعي متخلف، إلى بلد صناعي، ودشن ثورة ثقافية استهدفت التخلص من كل المعارضين لسياساته، ودشن الانفتاح علي الغرب، باستقباله الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون في بكين عام ١٩٧٢.

وهو نفس ما فعله بينج، الذي يقود الصين بقبضة قوية، ساعيا إلى تحديثها صناعيا وتكنولوجيا، من خلال نظام اقتصادي يجمع بين التخطيط المركزي والرأسمالية، بالإضافة إلى حملة ضد الفساد استهدفت أيضا معارضيه السياسيين، وفي عام ٢٠١٣ التقى سرا بالرئيس الأمريكي باراك أوباما لتطوير العلاقات الصينية الأمريكية، كما التقى بالرئيس بوتين لدعم علاقات بلاده مع روسيا.

لكن بينج لم يتأثر فقط بماوتسي تونج، وإنما تبنى جانبا من سياسات الزعيم الصيني دينج شياو بينج، خاصه فيما يتعلق بالاشتراكية ذات الخصائص الصينية، لكنه أضاف إليها سماحه للرأسماليين الصينيين بالانضمام إلى الحزب لإعادة بناء الاقتصاد الصيني.

يذكر أن الرئيس دينج أجرى في عام 1982 تغييرات على الدستور، لتحديد مدة رئيس الدولة ونائبه لتصبح ولايتين مدة كل منهما خمس سنوات، وتقليص صلاحيات الرئيس، وعدم السماح بالجمع بين منصب رئيس الدولة وأمانة الحزب ورئاسة اللجنة المركزية العسكرية.

وهي تغييرات ألغى جانبا منها الرئيس جيانج تسه مي في عام ١٩٩٩، بالجمع مجددا بين منصب رئيس الدولة وأمين عام الحزب ورئاسة اللجنة المركزية العسكرية.

تعديلات جيانج استفاد منها بينج حين انتخب لأول مرة رئيسا للصين في مارس ٢٠١٣، حيث احتفظ بكل هذه السلطات، بعد أن أصبح الرئيس الخامس للصين بعد كل من: ماوتسي تونج ودينج شياو بينج وجيانج تسه مين، وهوه جين تاو.

وفي عام ٢٠١٨ قرر البرلمان الصيني بتوجيه من الحزب العودة إلى ما كان عليه الوضع في عهد ماوتسي تونج، بإقرار نظام الرئاسة المفتوحة، وهكذا أصبح بينج زعيما مثل ماو تسي تونج ودينج شياو بينج، بعد إدراج فلسفته في ميثاق الحزب و الدستور، وأطلقت عليه وسائل الإعلام الصينية التابعة للحزب نفس الألقاب التي كانت تطلقها على ماو تسي تونج.

وخلال ولايته الأولى ركز الرئيس الصيني على تدعيم سيطرة الحزب الشيوعي على الدولة والمجتمع والحد من أية معارضة وتطوير الاقتصاد والقوات المسلحة حتى تصبح الصين غنية وقوية، كما قام بالترويج لما وصفه بالحلم الصيني، والذي يعتمد على الفردية وتطوير الذات وإعادة بناء الأمة الصينية، ويجمع بين مبادئ الاشتراكية والكونفوشيوسية.

وهكذا أعاد بينج تشكيل المكتب السياسي للحزب، ليضم سبعة أعضاء، وقلص نظام القيادة الجماعية، واعتمد في الإدارة على مستشارين شخصيين إلى جانب مؤسسات الحزب والدولة، وتبنى حملة لمكافحة الفساد، قامت بتأديب ١.٥ مليون كادر حزبي من بين ٩٠ مليون عضو.

وواكب ذلك إصلاح اقتصادي شمل تشجيع الاستثمار المحلي والأجنبي، وخاصة في قطاعات الصناعة والعلوم والتكنولوجيا، مع إعادة هيكلة الشركات المملوكة للدولة وإصلاح القطاع الحكومي المتضخم، واتخاذ إجراءات عنيفة ضد كافة أشكال المعارضة.

ويبدو واضحا أن الزعيم الصيني يحاول الحفاظ على الأمن والاستقرار في بلاده التي تقدر مساحتها بنحو ٩.٦ مليون كيلومتر مربع، ويتجاوز عدد سكانها ١.٤ مليار نسمة، ويعتبر اقتصادها الثاني عالميا بناتج محلي إجمالي يتجاوز ١٢ تريليون دولار سنويا.

ورغم نجاحه في إنشاء علاقات جيدة مع الولايات المتحدة تحت شعار الحوار الاستراتيجي والاقتصادي لكن علاقات البلدين توترت بسبب اختلال الميزان التجاري لصالح الصين والنزاع على بحر الصين الجنوبي، واختراق قراصنة صينيين لأنظمة المعلومات الأمريكية، وتبني الإدارة الأمريكية لرسوم جمركية علي الواردات من الحديد والألمنيوم، تهدد الصين بتضخم مالي طويل الأمد.

من جهة أخرى، دعم بينج العلاقات الصينية الروسية، خاصة بعد أزمة أوكرانيا عام ٢٠١٤ لتصبح بلاده اكبر شريك تجاري لروسيا، ودعا الدول الآسيوية لإنشاء محور استراتيجي فيما بينها، كبديل للتحالف مع الولايات المتحدة.

ومع بداية ولايته الثانية يواصل بينج سياساته خاصة فيما يتعلق بمكافحة الفساد والفقر وتحديث الاقتصاد والقوات المسلحة والأمن الداخلي لكن التحدي الذي يواجهه هو زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء وتباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي وتصاعد الديون.

خارجيا، من غير الوارد حدوث تغيير في سياسة الصين مع جيرانها في جنوب شرق آسيا، والتي تلتزم بضبط النفس والحوار وخفض استخدام القوة، لكن ومع الالتزام بسياسة متشددة في القضايا الأمنية، ينتظر استمرار التوتر مع اليابان وفيتنام وكوريا الجنوبية بسبب محاولة الصين الهيمنة على بحر الصين الجنوبي من وجهة نظر طوكيو وسول على الأقل.

كما أنه من المرجح أن تواصل الصين دورها الرائد في التجارة الحرة العالمية ، وتطوير التعاون الآسيوي، من خلال سد فجوة البنية الأساسية والمساعدات التي يقدمها بنك الاستثمار الآسيوي.

ومع تبنيه لنهج ماو تسي تونج بالاحتفاظ بالرئاسة وأمانة الحزب ومنصب القائد الأعلى للقوات المسلحة دون سقف زمني محدد، أصبح بإمكان الرئيس الصيني شي جين بينج قيادة الصين لسنوات طويلة، دون أي تحديد لسلطاته، مما سيمنحه بالتأكيد فرصة تحويل رؤيته لبلاده إلى واقع ملموس، ولصالح الشعب الصيني اليوم وغدا.