المنوعات

في بيـتنا إنجلـيزي!

21 مارس 2018
21 مارس 2018

تـونس المحـروقـية -

في ردهة الألعاب الكهربائية في أحد المراكز التجارية مواطنة ثلاثينية تكلم أحد أبنائها بإنجليزية ركيكة المفردات والتراكيب وطفل لا يتجاوز عمره 7 سنوات يرد عليها بلغة إنجليزية تشعرك أنه قد ولد في إحدى الدول التي تعتبر اللغة الإنجليزية لغتها الأم.

فتيات في أعمار تتراوح بين 15 و18 في صالة الانتظار المقابلة للسينما ينتظرن قرب بدء فيلمهن المختار للدخول ويتحدثن في الأثناء باللغة الإنجليزية بطلاقة ويُضمنن كلماتهن المتدفقة بإنجليزية واثقة بعض الكلمات العربية فتشعر بغربة حقيقية وأنت تسمع مثل هذا الحوار وكأنك فجأة لم تعد في بلدك التي تعد اللغة العربية لغتها الأم.

موظفة في عمر 23 سنة في مؤسسة حكومية تكتب كل مخاطباتها باللغة الإنجليزية ثم تطلب من زميلاتها أن يترجمن تلك المخاطبات حتى تستطيع إرسالها وتعلل ذلك بأن مستوى لغتها العربية متواضع جداً رغم أنها لم تغادر البلد يوما، لكنها لا تستطيع التعبير بالعربية لأنها درست في مدارس دولية ثنائية اللغة.

مشاهد تتكرر في المراكز التجارية وفي الحدائق والشوارع والحياة العامة في محافظة مسقط، أباء وأمهات عمانيون يتحدثون مع أبنائهم بلغة إنجليزية وكأنها لغتهم الأم، وأبناء كذلك يبدأون بداية حياتهم وهم يعبّرون عن أنفسهم بلغة ليست لغتهم ويهملون اللغة العربية وكأن التحدث بها أصبح دليلا على المستوى الاجتماعي المتواضع الذي لا يليق بهم وأن التحدث باللغات الأجنبية وحده غدا شكلا من أشكال التعبير عن المستوى الاجتماعي الراقي الذي يعيشون في محيطه.

حرص أولياء الأمور حتى أولئك من أصحاب المستويات الاقتصادية المتوسطة أو البسيطة على تعليم أبنائهم في مدارس دولية ثنائية اللغة من الدرجة الأولى أصبح هوسًا لدى البعض يدفعهم للاقتراض من البنوك لدفع أقساط هذه المدارس التي ترفع أقساطها كل فترة مرة متعللة بالجودة ومرة بارتفاع قيمة الخدمات الحالية التي يحظى بها الطالب ومرات بالخدمات الإضافية التي تضيفها في كل فصل والتي قد لا يلمس وجودها أحد إلا في التقارير السنوية التي تقدم لمن يطلبها من أولياء الأمور!.

وقد يكون مبررا هذا الحرص أن أولياء الأمور من هذه الفئات لم يحظوا برفاهية المدارس الخاصة في طفولتهم، إضافة إلى شعورهم بأن التعليم الخاص قد يمنح اهتماما أكبر للطالب، ويساعده في أن يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة وهذا الذي لم يحصلوا عليه كأولياء أمور في طفولتهم، وعانى منه البعض عندما جاء ليدرس في الخارج أو يتقدم لوظائف في قطاعات معينة وهنا بيت القصيد كما يقال.

يأتي الطفل من مدرسته الدولية الثنائية اللغة كما تعرف نفسها وهو متشبع بالمصطلحات الإنجليزية وشبه فارغ من عربيته فيستقبله أهله الراغبون في الاستماع لحجم ما أستفاده من المدرسة التي دفعوا فيها الكثير فيبدأون في التحدث معه بالإنجليزية (حسب معرفتهم) ويسعدون باستجابته وتدفق كلماته فيواصلون التحدث إليه بهذه اللغة حتى يجدون أنفسهم فقدوا القدرة على التواصل معه بلغته الأم وذلك بعد أن يقول لهم الابن بصراحة بعد أول محاولة من الآباء والأمهات للحديث معه بالعربية:

Could you please explain it in English?

بمعنى أنه يرغب في أن يشرحوا ما قالوه له باللغة الإنجليزية حتى يتسنى له الفهم بالطريقة الأمثل.

بعض الأمهات بدأت تنتبه لخطر هذا الأمر عندما حان الوقت لتعليم الأبناء الصلاة، إذ واجهت صعوبات في تعليم الأبناء اللغة العربية كي يستطيعوا قراءة السور القرآنية اللازمة للصلاة، فبدأت تبحث عن مدارس خاصة محلية الطابع تهتم بتدريس اللغة العربية والتربية الإسلامية بشكل حقيقي.

أن يتقن أبناؤنا لغات أخرى غير اللغة العربية هو شيء جيد ويحسب للأسرة في اجتهادها لتأهيل أبنائها لمستقبل أفضل يتنافسون فيه بكل ما يملكون من معرفة ومهارات، لكن هذا الأمر لا ينبغي أن يطغى على اللغة العربية التي هي أساس ثقافتنا وقيمنا وديننا ومبادئنا، حتى لا نجدنا كأسر ومحيط مضطرين مستقبلا لتغيير طرق تخاطبنا مع أبنائنا وكأن في بيتنا فعليًا إنجليزي مقيم!.