أفكار وآراء

عودة الحرب الباردة .. والصراعات الإقليمية الساخنة !

20 مارس 2018
20 مارس 2018

عماد عريان -

,, كثير من القواعد التي حكمت العلاقات الأمريكية – السوفيتية في القرن الماضي عادت مجددا إلى الساحة العالمية في الوقت الراهن,وعلى رأسها تلك المرتبطة بمفاهيم الردع والحيلولة دون الصدام المباشر تجنبا للدمار الشامل ومن ثم اندلاع صراعات إقليمية ساخنة ,,

حسابات القوى السياسية والاقتصادية والعسكرية وكذلك الاستراتيجية الدولية تؤكد أن الولايات المتحدة تتفوق بكثير على دولة روسيا الاتحادية خاصة إذا ما أخذنا في الاعتبار المظلة الأطلسية التي تقودها واشنطن وتزيد بها من قوتها في الوقت ذاته إلا أن تلك الحسابات تؤكد أيضا أن موسكو استطاعت خلال السنوات القليلة الماضية تحقيق الكثير من التقدم لتعوض جانبا كبيرا من خسائرها الاستراتيجية على الصعيدين الإقليمي والعالمي في أعقاب سقوط وزوال الاتحاد السوفييتي السابق من على خريطة العالم عام 1991 بحيث أصبحت قادرة على التعامل بندية وتكافؤ مع الولايات المتحدة برغم فروق القوى الظاهرة .

هذه الحقيقة الواضحة أنهت إلى حد ما ظاهرة العالم أحادي القطبية وأصبح الحديث عن عالم متعدد الأقطاب مثل الصين والاتحاد الأوروبي وبالطبع روسيا الاتحادية إلى جانب القوة الأكبر؛الولايات المتحدة فباتت الأرضية مهيأة بذلك لانطلاق حرب باردة جديدة بين واشنطن وموسكو نعيش أجواءها بالفعل في الوقت الراهن في صور متعددة سياسيا ودبلوماسيا وعسكريا بعدما هيمنت على العلاقات الدولية في أعقاب نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى زوال الاتحاد السوفييتي (1945 – 1991) ولعل أخطر ما في هذه العودة الجديدة ظواهر أخرى تتمثل في انطلاق سباق تسلح مخيف واندلاع حروب إقليمية ساخنة وحروب أخرى بالوكالة فضلا عن وجود حالة توتر دائمة في العلاقات الدولية تعكسها باستمرار الخلافات العميقة في مجلس الأمن الدولي والتي تحول دون التوصل إلى أي حلول حاسمة لقضايا العالم الملتهبة مثل أوكرانيا وكوريا الشمالية والملف الإيراني وسباق التسلح وأزمات الشرق الأوسط والصراع العربي – الإسرائيلي ومن الطبيعي أن تمثل تلك الحالة تهديدا صريحا للسلم والأمن الدوليين.

وأغلب الظن أن منطقة الشرق الأوسط تدفع في الوقت الراهن ثمنا باهظا لهذه الخلافات والصراعات بين القطبين الكبيرين مما أجج حروب وأزمات المنطقة وأطلق بالفعل سباقا مخيفا للتسلح خاصة بعد أن أبدت عدة دول عربية رغبتها في الحصول على منظومات الدفاع الجوي الروسية إس-400 ، وبات الحديث يدور عن تصاعد النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط ، مذكرا بالعودة إلى الوجود السوفييتي في المنطقة كما باتت التطورات ذاتها تثير المخاوف الأمريكية من تراجع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط ، فموسكو – على حد تأكيد خبير استراتيجي روسي - مهتمة ببيع منظومة إس-400 التي أثبتت في سوريا أنها منظومة دفاعية فاعلة بحيث قامت بإغلاق المجال الجوي فيها وتعتبر منظومة تكنولوجية فائقة التقدم ، وبرغم أنها لا تصنف كسلاح هجومي،فهي منظومة دفاعية ضد الطيران والصواريخ وكونها أداة تكنولوجية متطورة فإنها تحتاج إلى الصيانة والذخيرة ، وهذا بدوره سيربط المستورد بالمصنع أو المصدر، وتجدر الإشارة إلى أن الجزائر هي إحدى الدول العربية القادرة على الشراء والدفع ، وإذا ما أقدمت على شراء المنظومة،ففي الغالب فإن روسيا لن ترفض الطلب مع ملاحظة أن كل الاقتراحات حول منظومة إس-400 أتت من المشترين ، وروسيا لم تفرض على أحد منظومتها ولكن المبادرة أتت من الشركاء وليس من روسيا نفسها ما يوجد علاقة جديدة بين الطرفين.

وعلى الرغم من أن هذه الصفقات تكتسب طابعا تجاريا في المقام الأول،إلا أنها تنطوي كذلك على عواقب مؤثرة،كما هو الحال دائما مع توريد الأسلحة حيث يعتبر سوق السلاح تجارة استراتيجية وتبلغ المنافسة أشدها بين الولايات المتحدة وروسيا خاصة وأنهما يحتلان المركزين الأول والثاني في هذه السوق وستؤثر صفقات منظومات صواريخ إس-400 في الغالب على علاقات دول المنطقة بالولايات المتحدة خصوصا بعد الانتقادات التي وجهتها واشنطن لحلفائها الذين أعربوا عن نيتهم شراء مثل هذه المنظومات ، وستزداد المنافسة بين روسيا والولايات المتحدة في المجال العسكري التقني أكثر وأكثر وهذا بدوره سيؤثر على الوضع في المنطقة وعلى العلاقات بين البلدين، وفي السياق ذاته هناك سببان للعقوبات الأمريكية على روسيا - مثلما تؤكد تحليلات استراتيجية - وهما تصدير روسيا النفط والغاز والسلاح فصراع موسكو مع واشنطن على النفط والغاز ، والسلاح يمكن أن يتسبب في تصعيد خطير كالذي شهدته بعض المناطق السورية مؤخرا وفي الدوائر الداخلية الأمريكية،خاصة تلك الناقدة لسياسة الرئيس ترامب في المنطقة من الحزب الديموقراطي أو من الحزب الجمهوري ذاته،بدأت حالة من القلق تطفو على السطح جراء المخاوف من تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة لصالح التقدم الروسي. علاوة على ذلك،تحاول روسيا إزاحة الولايات المتحدة من المنطقة التي تعتبرها الأخيرة محل اهتمام كبير لها وخاصة في منطقة الخليج ،ومؤخرا أبدى العراق أيضا اهتمامه بالمنظومة الروسية الصاروخية لتستطيع روسيا بهذه الخطوة أن تؤثر بصورة غير مباشرة على جوانب جيو- سياسية أخرى، فعلى سبيل المثال كانت هناك اطراف معينة معارضة في السابق لموقف روسيا من الأزمة السورية،أما الآن فتعتبر الأطراف ذاتها،إضافة إلى روسيا،طرفا مشاركا في المفاوضات لحل الأزمة السورية ، وهناك تواصل مع بعض الأطراف كان مفقودا في الماضي القريب، وفي سياق تلك التحولات الاستراتيجية المرتبطة بالسباق الروسي – الأمريكي في المنطقة، تلقت تركيا موجة كبيرة من الانتقادات من الولايات المتحدة ومن الناتو على خلفية صفقة منظومة إس-400 مع روسيا في سابقة هي الثانية من نوعها بعد اليونان التي اشترت في وقت سابق منظومة إس- 300 ،ويعني هذا التطور أن الجناح الجنوبي من حلف الناتو قد يقع تحت سيطرة التعاون العسكري التقني مع روسيا ليظهر هنا سؤال مهم حول دور القواعد الأمريكية في تركيا حاليا،وهل يمكن أن يعول حلف الناتو على تركيا كشريك أساسي له؟

وسبق أن أعلنت الولايات المتحدة أنها لا تنوي البقاء في شمال شرق سوريا، ولكنها الآن غيرت رأيها حيث تريد البقاء في تلك المنطقة وهذه ورقة من أوراق الولايات المتحدة للحد من تأثير النفوذ الروسي في سوريا، ومن جهة أخرى تظهر الولايات المتحدة تعاونها مع الفصائل ، التي يمكن تصنيفها كمعارضة معتدلة أو غير ذلك من وجهة نظر مضادة وإضافة إلى ذلك ، تشارك الولايات المتحدة بجهود مضنية في محاولات تأسيس محاور في المنطقة من خلال صفقات سلاح عملاقة أو «صفقات القرن» لإعادة تشكيل المنطقة ، واستبقت ذلك أو جاءت في خضمها خطواتها المثيرة للقلق على صعيد تسوية القضية الفلسطينية وخاصة ما يتعلق بنقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس بعد اعتراف ترامب بها عاصمة لإسرائيل في حين تحاول الولايات المتحدة مراجعة صفقة إيران النووية ويرى البعض بذلك أن الإدارة الأمريكية الحالية تمارس سياسة «التجربة والخطأ» وتحاول العثور على استراتيجية معينة لاسترجاع دورها في المنطقة.

وليس خافيا أن صراع القطبين في الماضي أعطى فرصة لبعض القوى الإقليمية والصغرى لتحقيق مكاسب من خلال اللعب على التناقضات بينهما ، واللجوء لمظلة الحماية الخاصة بأحدهما في مواجهة طغيان الأخر وحققت بالفعل بعض القوى مكاسب عدة من تلك الظاهرة وفي الوقت الراهن يمكن لهذه الظاهرة أن تعود من جديد وأبرز نماذجها الحالة الكورية الشمالية التي تحظى بدعم ومساندة قوى إقليمية كبرى على رأسها الصين وروسيا ، الأمر الذي يمثل لجما لأي اندفاع أمريكي ، نحو تدمير بيونج يانج وأغلب الظن أن الحالة السورية هي نموذج آخر لهذه الظاهرة حيث استفاد نظام الرئيس السوري بشار الأسد من المساندة الروسية بشكل مطلق ، وهي أساس استمراره في السلطة حتى اليوم بعد اندلاع الحرب الأهلية قبل نحو سبع سنوات وبالقطع لولا هذا الدعم الروسي لاستباحت القوات الأمريكية/‏الأطلسية الأراضي السورية منذ زمن بعيد على غرار ما فعلت في الأراضي الليبية.

والشيء ذاته يمكن أن يقال عن الأزمة الأوكرانية حيث تمثل المساندة الأمريكية/‏ الأطلسية لكييف قيدا على الاندفاع الروسي نحو أوكرانيا بالكامل وكذلك المسألة الإيرانية حيث تستطيع طهران أن تعول كثيرا على الموقف الروسي الداعم لها في مواجهة الهجمة الشرسة لإدارة ترامب ويعني ذلك بشكل أو بأخر أن حالة السلم العالمي ستدفع ثمنا باهظا لمثل هذه الممارسات الاستقطابية ، وسيرتبط بها غياب الاستقرار على الصعيد الدولي لفترات طويلة ، حتى ولو نجحت بعض القوى الصغرى في الاستفادة مجددا من حالة التناقض بين القطبين الكبيرين.