randa2
randa2
أعمدة

عطر: حكاية العتمة والضوء

21 مارس 2018
21 مارس 2018

رندة صادق -

[email protected] -

لا يختلف اثنان على جمال الضوء، وروعة الصباح، كذلك لا يمكن ألا يتوقف الإنسان مع بداية انبثاقه، ومغادرة العتمة ببطء ليسكن الضوء تفاصيل الفجر، ويبدأ النهار. لقد ارتبط السحر بالليل وتغنى به الشعراء، وكان مسرح الحكايا وليل الدمع والتنهدات، وصف بالستار الذي يخبئ دقة التفاصيل، ليل الهجر والوجد والحنين، ليل الوحدة والصمت والخوف وملعب الجن والأنس. لليل صوت يمزق صبرنا في انتظار الضوء، لليل وجوه عدة تتقلب في رؤوسنا، وأسِرة فارغة من الحقيقة، أجمل بيوت الشعر كتبت عن الليل، وأغرب القصص حدثت في الليل، انه وقت الهروب من الذات للبحث عن بدائل للروح، ولرسم أحلام المستحيل واستحضار الحبيب.

هناك كثر ينتظرون الليل وكأن بينهم وبينه وعدا بسهر وسمر وبوح، ومع هذا شكا كثر من شعراء العرب من طول الليل وترقبهم للضوء، فهذا الصمت المرتفع الصوت، كان يحول ليل العاشقين القلقين الخائفين إلى ليل لا ينتهي، يعذبهم ويزيد في قسوته على مشاعرهم، ارتبط الليل بحالة الشاعر، فالشاعر الذي أفرحه الحب وسار معه وفق مسار مسالم وصف الليل وحبيبته ومازج بينهما، أما ذاك القلق الخائف فقد ضاق بالليل ووقته وعانى ما عانى من ثقل الثواني والدقائق.

منح الإنسان الوقت مشاعره وغربته وهواماته، ضلل العتمة وصرف الكثير من الزمن لكي يعيش في زوايا الليل الحالك، وكأنه اختار أن يعلو صخب تقلباته النفسية مع صمت الليل، الجميع يتحدث عن الليل وأسراره وجماله، دون أن ينسوا روعة نجومه واكتمال قمره وسحره، وتأثير ذلك في مشاعر أهل العشق والرومانسية.

الليل وقت للتفكير ووقت للعبادات، يخاطب المؤمنون الله سبحانه وتعالى بالصلاة والدعاء والتحبب له، هؤلاء الذين تركوا الحب بمعناه الشخصي ليرحلوا مع الحب الكلي، فنحن نجد أن أكثر المصلين يؤكدون أن صلاة قيام الليل من أصفى أنواع الصلاة وأكثرها روحانية وخشوعا. كذلك الليل وقت للتأمل عند الصوفيين والفلاسفة والروحانيين، ليس فقط بالديانات السماوية، بل كذلك في العقائد مثل (البوذية) وغيرها.

الليل مرحلة مستقطعة من عمر النهار يقضيه الناس في البحث عن ذواتهم العاشقة والقلقة والخائفة وتقلباتهم الضبابية، ولأن الحياة قائمة على رمزية المسميات، لذا أخذ الليل من عتمته مميزات مخيفة للإنسان، الذي كان جينيا يخاف العتمة وما قد يباغته فيها قبل أن يدرك تقسيمات الوقت والحياة التي تعرف بمتناقضاتها، لذا الضوء نقيض العتمة والصباح نقيض الليل والأشياء تعرف بأضدادها.

أما الصباح فهو وقت الفرج بالنسبة لمن أقلقهم الليل وأرخى بثقله على عقارب الساعة، الصباح الجميل الأنيق الذي يحمل مع الضوء بشائر انطلاقة الحياة مع بزوغ الفجر، حيث تتسلل خيوط الشمس لتطرد العتمة، وتعلن للحياة استيقاظ الأرض، لتعمل ولتصنع الجمال والحب وتتكل على الله في أمنيات عليها أن تُدعم بإرادة العمل والمثابرة، فالأماني وحدها لا تكفي لتحقيق الأهداف.

للصباح عطر التقاء الضوء بقبلة الطبيعة التي يطبعها على وجه الأرض، ونسائم باردة لطيفة تحمل آمالا بالخير ويوما للسلام الداخلي والعام، الصباح يسكن الأرواح التي تعشق الضوء وترغب في معانقة التفاصيل اليومية، ورمزية الصباح أنه بداية البداية ولحظات للاستثمار وللتعويض عن غربة الليل بابتسامة ناعمة بوجه الضوء. الأرض تنهض من ثباتها، والدورة الدموية في جسد الإنسان تبدأ حركتها، بين الصباح والليل رمزية وجود لا يفترقان فلولا تناقضهما ما عرفنا معنى الوقت وجماله.

لعشاق عتمة الليل ونور الصباح، طوبى لعشقكما، نتاجه حب للحياة وتقلباتها، فلا يلغي الليل النهار ولا تقضي العتمة على الضوء، أزلية وجودهما رمزية للخير والشر للحب والكره، لكل ما هو إنساني وفطري وحقيقي وعميق عمق الحياة.