أفكار وآراء

نظم المعلومات وتطور المعرفة

17 مارس 2018
17 مارس 2018

د. سيف بن سليمان بن سيف المعني -

[email protected] -

المعرفة كما يعرفها قاموس «أكسفورد» تتصل بالخبرات والمهارات المكتسبة من قبل شخص ما من خلال التجربة أو التعليم، هي مجموع ما هو معروف في مجال معين، هي الحقائق والمعلومات، هي الوعي أو الخبرة التي اكتسبت من الواقع أو من القراءة أو المناقشة، ومع الفيلسوف أفلاطون هي صياغة المعرفة التي تتصل بالإيمان الحقيقي المبرر.

يمكن إذًا القول إنه لا حدود للمعرفة أو سقف معين في ظل التطور الهائل لتقنية المعلومات وتوسع بنية تبادلها عبر الإنترنت، ووسائلها المتعددة لكل من أراد الوصول إليها، والمعرفة في اتساع مستمر وليست حكرا على أحد، ومتاحة بشكل واسع وسهل تمكن الباحث عنها من الوصول إليها بكل سهولة ويسر، سواء كان من خلال المكتبات العامة أو الجامعات أو الصحف المحلية والعالمية أو الكتب الإلكترونية ... الخ، لكن الفرق يبقى من يصنع المعرفة ويمكّن الباحثين من الوصول إليها، شأن ذلك الإعلام والصحافة والنشر ووكالات الأنباء.

ويبقى الفرق بين من يبحث عن المعلومة وبين من يصدرها وطرق تبادلها، فقد أصبحت المعلومة وطرق تبادلها سلاح يدار من خلالها الرأي العام العالمي، وقد شهدنا ذلك فيما سمي بالربيع العربي كيف لعب سلاح المعلومة سواء كانت صحيحة أم مفبركة دورا كبيرا في إدارة توجهات الرأي العام والسيطرة عليه، فوسائل إيصال المعرفة وعلى رأسها تطور الحواسب الآلية، والوسائل المرتبطة بها، تدخل في كل بيت، وتصل إلى كل فرد دون استئذان أو رقابة.

في عام 1965م كتب جوردون مور Gordon Moore أحد المساهمين بشركة إنتل لصناعة معالجات الحواسب الآلية قانونه الشهير «قانون مور والذي يقول» إن عدد الترانزستورات في البوصة الواحدة يجب أن يتضاعف كل سنتين.

أصبح قانون مور هدفا لشركات تطوير وتصنيع المعالجات وخططوا لمضاعفة السرعة كل سنتين ومنذ ذلك الحين انتقلت من ضعفين إلى 33 ألف ضعف خلال 30 سنة بمعدل 1100 ضعف في السنة الواحدة، إنه تطور هائل ومذهل ومع ذلك فالمزيد لا يزال قادما.

منذ عام 1930 وحتى عام 1970م تضاعفت المعرفة مرة واحدة خلال 40 سنة مضت، ومنذ عام 1970 وحتى عام 1990م تضاعفت المعرفة مرة أخرى خلال 20 سنة، ومنذ عام 1990 وحتى عام 2000م تضاعفت المعرفة مرة أخرى لكن هذه المرة تقلصت المدة إلى 10 سنوات، وفي عام 2014 أعلنت شركة أي بي ام، أن المعرفة تتضاعف كل 8 أشهر، في عام 2017م أعلنت الشركة ذاتها بأن المعرفة تتضاعف كل 18 ساعة.

من يعتقد بأن ما وصلت إليه المعرفة من توسع بفضل نظم الحواسب الآلية والإنترنت في عصرنا الحاضر هو إنجاز كبير، وهو فعلا كذلك، لكن علينا أن ننتظر ما هو قادم لنرى أن ما نحن به اليوم ما زال نقطة البداية لما هو قادم في هذا المجال.

التوجهات العالمية في تطور علوم الحاسوب في عام 2018 تتركز في الجوانب التالي:

‌أ. التركيز على تعلم الآلة ومحاكاتها للإنسان بشكل معمق وبأداء أفضل وأدق من الإنسان، وهذا النوع من الذكاء الاصطناعي موجود الآن، لكن التوجه مركز على زيادة فاعليتها وشموليتها للكثير من المجالات، فمختبرات علوم الحاسوب تتنافس فيما بينها لمن سيكون السبق وما هو القادم في هذا المجال؟.

‌ب. لقد بدأ عصر العملات الرقمية منذ مدة مثل البيتكوين، أثيريوم، نيوقمر، لايفكوين، داش وربل، لكن انتشار هذه العملات الرقمية وسرعة نمو التعامل بها سوف يقوي من الثقة بها، نظرًا لسهولة وتزايد الإقبال عليها عالميا ومحليا مما سيحسن من أمن استخدامها وجوانب تنظيمها بشكل أفضل.

‌ج. بزيادة استخدامات العملات الإلكترونية في التبادل التجاري على مبدأ الندية، كان من الضروري الاعتماد على البلوك تشين في المعاملات الإلكترونية، وهو نظام تتبع لحركة تبادل هذه العملات دون الكشف عن شخصية المتداولين بها، التوسع في هذا الجانب من شأنه جذب الشركات في الاعتماد على هذه التكنولوجيا في إدارة أموالها ومعاملاتها التجارية سواء كان عالميا أم محليا.

‌د. تطبيق التعليم الآلي بشكل معمق في الصناعة عبر الإنترنت، بمعنى أن تدير الآلة الصناعات بشكل كامل من خلال الإنسان الآلي وحاليا بعض شركات صناعة السيارات تقوم بذلك بشكل شبه كلي، فقد أصبحت هنالك مخاوف من أن يصبح الإنسان الآلي أكثر ذكاء وفطنة ودقة من الإنسان ذاته، ولربما يخرج عن نطاق السيطرة، فبالقدر الذي يمكن أن يحل الإنسان الآلي مشاكل الإنسان والعمل في بيئة في الغالب لا يفضلها الإنسان، كالحرارة والرطوبة والأماكن الضيقة، فإن الإنسان الآلي سوف يقوم بذلك بكل سهولة، وفي الوقت الحاضر تجرى الكثير من التجارب على هذا النوع من التكنولوجيا، حتى تصبح أكثر دقة من أي وقت مضى، خاصة في الحروب التي تتصل بالدقة في القتل، فبإمكان المرء أن يتصور نشر روبورتات صغيرة أقل من حجم الجراد وبكميات هائلة كلها مبرمج للقتل وتدار عبر الأقمار الاصطناعية، توجه نحو العدو المفترض لقتله بدقة فائقة تميزه عن الأصدقاء، الخوف هو كيف ستكون حدود السيطرة على الآلة، عندما تدخل في هذا المجال والتي ستصبح أكثر فتكا ودقة من الحروب البيولوجية والكيماوية.

‌هـ. في مجال المساعدة في قيادة المركبات، سيشهد العالم تطورا هائلا في وسائل السلامة والمساعدة في قيادة المركبات الحديثة، ومؤشرات ذلك بدأت منذ الآن مثل المساعدة في ركن المركبات، التعرف على صاحب المركبة، التنبيه من الخروج عن خطوط مسارات الشارع، التعرف على الأجسام المفاجئة التي تظهر بالشارع، واستخدام الفرامل عندما يكون الإنسان غير منتبه لخطر داهم، في تصوري إذا كانت لك نية لشراء سيارة الآن، أجلها لمدة عام، فقد تقتني مركبة بسائق يريحك من مشاكل القيادة.

‌و. الربط بين العالم الحقيقي والافتراضي، من خلال التفاعل بين الذكاء الاصطناعي الثلاثي الأبعاد والتفاعل الحقيقي مع الإنسان، والتعرف على الأجسام المتحركة سواء كان عن قرب أم بعد.

‌ز. سيكون هنالك نمو في أخلاقيات التعامل مع هذا التطور التقني الهائل حتى لا يكون مضرًا للإنسانية من خلال التشريعات وإصدار القوانين المنظمة له، والتي من شأنها حماية المستخدمين لهذه التكنولوجيا وخصوصيتهم بما يتمشى مع هذا التطور في نظم المعلومات والذكاء الاصطناعي.

السرعة والتطور العلمي الذي تقوده تكنولوجيا نظم المعلومات الذي يشهده العالم لا يمكن تصوره، فمن السهل جدا بين ليلة وضحاها إفلاس شركات عملاقة ليس لشيء سوى أنها لا تجدد نفسها، وخير مثال على ذلك شركة كوداك العملاقة، فبعد اختراع الصور الرقمية تقلص دورها حتى اختفت من المشهد التجاري تماما، ونوكيا عملاقة الهواتف، فقد تجاوزتها هواتف سامسونج وآي فون، ومن يدري فقد يختفي أحد هذين العملاقين أيضا للسبب ذاته، قد تشتري سيارة هذا العام تعمل بالبترول ومن الممكن جدا ظهور جيل من السيارات في العام التالي رخيصة وتكاليفها التشغيلية قليلة وبمحرك يعمل إما بالنيتروجين أو الكهرباء على نطاق واسع، وإذا كنت تحتاج إلى سائق يأخذك إلى مقر عملك، فعن قريب ستكون السيارة نفسها هي من يقوم بذلك وتأخذك إلى حيث ترغب دون تذمر أو ملل، وهذه التكنولوجيا جانب منها موجود الآن وفي تطور مستمر، أما جهاز الحاسوب بيريلا المحمول الذي لن يتجاوز سعره مائة دولار سيمكن مستخدميه من التواصل حول العالم وحمل كل ما يحتاجون إليه من بيانات داخل ذلك الجهاز، وهنالك العديد من الأجهزة التي ستغير وجه العالم يجرى عليها الاختبارات والأبحاث قبل أن يتم عرضها بالأسواق.

ما أود قوله إن التطور أصبح سمة العصر ولن يتوقف عند حد معين، ومن لم يواكب التطور سوف ينتهي، وهذا القانون ينطبق على الجميع، بمعنى أن من لا يواكب التطور، سينافسه من هو أكثر مواكبة وتجديدا سواء كان لذاته أم لشركته أو عمله.