أفكار وآراء

غرس ثقافة الادخار لدى الناس

17 مارس 2018
17 مارس 2018

حيدر بن عبدالرضا اللواتي -

[email protected] -

بالرغم من الجهود المبذولة على المستوى الحكومي والقطاع الخاص والمجتمع المدني تجاه تبني ثقافة الادخار للمال في السلطنة، إلا أن التجارب العمانية الحديثة في تعزيز الجانب الادخاري والاستثماري تحتاج إلى مزيد من التوعية والحث على جميع المستويات. فثقافة التوفير والادخار معروفة عند المواطن العماني الذي يسعى إلى استقطاع جزء من راتبه أو دخله شهريا في حساب بنكي مستقل بهدف بناء بيت أو شراء عقار أو سيارة أو بهدف تدريس أبنائه في إحدى الجامعات أو الكليات الخاصة، إلا أن الأمر يحتاج إلى القيام بحملة مكثفة من المؤسسات المالية والمصرفية والمجتمع المدني لجذب المزيد من الشباب ودفعهم نحو الادخار. كما أن هذا الأمر يحتاج أيضا إلى توعية لإبعاد الناس عن أخذ الديون لأي سبب.

فجميعنا يتفق على أهمية المال الحلال وكيفية اكتسابه، الأمر الذي يتطلب وضع ميزانية للأسرة والعمل بأساسيات الحفاظ على الاستقرار المالي المنزلي، وإيجاد مخطط للاستهلاك العائلي، والتخلص من الديون وعدم الإغراق فيها من خلال عدم شراء أمتعة تجلب للفرد نفقات إضافية، وعدم شراء سلع لا يمكن بيعها لاحقا، مع ضرورة زرع الثقافة المالية لدى الأفراد وكيفية توزيع الدخل.

وهنا يأتي دور المؤسسات التي تقدم خدماتها في هذا المجال. فالمصارف العمانية، من جانبها، وبسبب بطبيعة عملها في جذب الودائع والادخارات، كانت هي المبادرة في هذا الشأن. فعلى مدى أكثر من أربعة عقود مضت، بدأت بعض البنوك تطبيق هذه السياسة من خلال تعزيز وتشجيع ثقافة الادخار محليا من خلال إطلاق برامج الادخار التي حققت نجاحات جيدة نتيجة قيامها بتوزيع الجوائز المالية النقدية والمعنوية الكبيرة على الزبائن، حيث أدت هذه البرامج إلى توجه الكثير من العمانيين لإيداع أموالهم في المصارف. فهذه المصارف تتسابق اليوم على توفير برامج مختصة للادخار من خلال تقديم جوائز قيمة للمدخرين إيمانا منها بأهمية التوفير والادخار، وما زالت هذه البرامج تلقى استجابة جيدة من المصارف التي تقوم بسحوبات مالية على الفائزين سواء بشكل أسبوعي أو شهري أو ربع سنوي إضافة إلى سحوبات خاصة في المناسبات الوطنية والأعياد. وفي استطلاع للرأي أجراه المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في مارس 2017، تبين أن 56% من السكان لديهم حسابات أو ودائع في أحد المصارف العاملة في السلطنة عام 2016 منهم 68% من العمانيين مقابل 46% من الوافدين. كما تبين أن 85% من الأفراد يعتقدون أن الفوز بالجوائز البنكية يمكن أن يحدث تغييرا كبيرا في حياة الفرد، فيما يعتقد 83% منهم أن الجوائز البنكية تشجع على الادخار، وتعزز ولاء الزبائن لبنوكهم، ويرى 81% منهم أنها مجال جيد للاستثمار.

كما نجد أن الأسرة العمانية من جانبها بدأت تهتم بغرس تلك الثقافة في أطفالها من نشأتهم وذلك من خلال شراء (الحصالات) وهي وسيلة تساعد الأطفال على إدراك ومعرفة الاحتفاظ بالأموال وعدم التبذير. وهذه الأساليب تضيف المزيد من النجاح في مجال تعزيز مفهوم الادخار بين أفراد المجتمع وتشجيع الناس على التوفير. ومع الاستمرار في هذا الاتجاه، فإن مفهوم فكرة الادخار تصبح قريبة للناس ويصبح أكثرهم على علم بأهمية المدخرات في تنمية الاقتصاد المحلي والمساهمة في تمويل مشروعات عملاقة تعود بالنفع على الجميع وعلى مدى أجيال قادمة. كما أن المؤسسات المصرفية، ومن منطلق عملها، تؤكد في رسائلها اليومية للزبائن بأهمية الادخار في حياتهم، حيث يُساهم هذا الأمر في التخطيط المالي الناجح لحياة الأسر والأبناء في المستقبل، بالإضافة إلى ذلك فهذه البرامج ترفع أيضا من قدرة الأطفال وإحساسهم بأهمية مفهوم الادخار لينمو معهم. ولكن ما زال هناك الكثير مطلوب العمل به من أجل التطوير والتحديث لهذه البرامج لزيادة عدد المدخرين في البلاد.

وفي هذا الشأن، فمن المنطقي أن يَتفق الكثير من الناس بأن البرامج الادخارية في عمان تحتاج إلى مزيد من الاهتمام والحرص وتسليط الضوء عليها، مع قلة الدراسات العلمية التي عُملت في هذا المجال لمعرفة النسب التي يدخرها المواطن العماني شهريا أو سنويا. ونتيجة لغياب تلك الدراسات فقد يشكّل هذا الأمر صعوبة لدى الباحثين في معرفة القضايا التفصيلية للادخار في السلطنة. ومما لا شك فيه، فإن الأمر يتطلب من المنظومة الثلاثية (المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني) تكثيف مزيد من البرامج التي تُعنى وتحثّ الناس على الادخار سواء على مستوى المؤسسات الحكومية أو على مستوى الأفراد في المجتمع، بحيث يتم ذلك من خلال كافة القنوات المتاحة للمؤسسات التعليمية والدينية والمجتمعية وغيرها. ومن هنا تأتي الدعوات من المجتمع المدني وبعض الاقتصاديين في البلاد بالتأكيد على أهمية الادخار في المرحلة الحالية والمستقبلية. فالكل بحاجة إلى الادخار وفي كل وقت، بحيث لا يقتصر الادخار على الأفراد وإنما يشمل المؤسسات التجارية والمؤسسات الحكومية. فالادخار مهم للأفراد لتغطية النفقات في المستقبل، وخاصة الكبيرة منها لتجنيب الاعتماد على الآخرين أو على الحكومة. وبالنسبة للمؤسسات التجارية فإن ادخار رأس المال يُمكنهّا من التمويل والاستثمار في التوسع والنمو، فضلاً عن ذلك، ويزيد من قدرتها على توظيف المزيد من الباحثين عن عمل. وكذلك الحال بالنسبة للحكومات، فان الادخار يُمكنهّا من الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الاجتماعية مثل المدارس والمستشفيات والمساكن الشعبية وغيرهما مشاريع البنية الأساسية.

وبعض البيانات تشير إلى تراجع جملة الادخار المحلي بالبلاد (ويشمل ادخار الأفراد والمؤسسات وادخار الدولة) كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات الماضية، حيث انخفض من 50% في العام 2010م إلى 39% في العام 2015م. وهذا الانخفاض الكبير في الادخار مرتبط بتطورات سعر النفط العالمي الذي تراجع من 120 دولارا قبل منتصف عام 2014 إلى أقل من 40 دولارا خلال عام عامي 2015 و2016 ليرتفع لاحقا ببعض الشيء ويتراوح ما بين 55 إلى أكثر أو أقل من 60 دولارا للبرميل حاليا، الأمر الذي ما زال يؤثر على إيرادات الدولة ومشاريع التنمية والبنية الأساسية . فالناتج المحلي الإجمالي للسلطنة خلال السنوات الثلاث الماضية (2104 و2015 و2016) في تراجع مستمر، حيث بلغ في عام 2014 نحو 31.173 مليار ريال عماني ثم تراجع في عام 2015 إلى 26.494 مليار ريال عماني واستمر في التراجع عام 2016 ليصل إلى 25.694 مليار ريال عماني وفق المؤشرات السنوية الرئيسية للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات. وهذا التراجع في الناتج المحلي الإجمالي أثر بشكل مباشر على نصيب الفرد من إجمالي الدخل القومي ليبلغ في عام 2016 نحو 5660 ريالا عمانيا (14690 دولارا أمريكيا) مقارنة مع 6161 ريالا (16017 دولارا) في عام 2015، و7394 ريالا (19224 دولارا) في عام 2014، الأمر الذي يؤثر أيضا على ادخارات الأفراد والمؤسسات الحكومية والخاصة.

إن برامج الادخار في السلطنة تحتاج إلى متابعة وتوثيق لجميع البيانات التفصيلية لكي يمكن الاعتماد عليها في التمويل الداخلي للمشاريع. فالبيانات المتعلقة بذلك توضح إلى أن تفاصيل ادخار الأفراد وكذلك المؤسسات وادخار الدولة غير واضحة للعيان، باعتبار أن نشر ثقافة الادخار تحتاج إلى تلك البيانات المفصلة التي توضح نسبة ادخار الأفراد والمؤسسات والحكومة نظرا لأهميتها في الشؤون الاقتصادية والمالية. وهذا ما يدعو الخبراء الاقتصاديين العمانيين إليه بضرورة فهم أهمية الادخار في الفترة الحالية، في ظل معاناة الحكومة من عجز في الموازنة العامة للدولة، وتأثير بعض القرارات المباشرة على أوضاع المواطنين منها رفع الدعم عن المحروقات. ولعل هذه المخاوف لا تزال باقية في ظل الأوضاع الراهنة، والتي إلى الآن لم تتعاف فيها أسعار النفط التي تتراوح في حدود 60 دولارا، وهي فترة يتخوف فيها كثيرا أصحاب الأموال المغامرة من الدخول في مشاريع جديدة، مما يدفعهم إلى ترقب الوضع قبل المجازفة بكل ما هو جديد.