1277892
1277892
الاقتصادية

التسـوية السـياسـية قد تؤدي إلى تراجع النمو الاقتصـادي فـي ألمانيا

16 مارس 2018
16 مارس 2018

مع بداية ولاية ميركل الجديدة -

لا يمكن للاقتصاد الألماني أن يكون في وضع أفضل مما هو عليه مع بدء أنجيلا ميركل رسميًا فترة ولايتها الرابعة كمستشارة. لا توجد بطالة تقريبًا، أسعار الأسهم في مستويات قياسية عالية، وليس هناك تقريبًا أي تضخم.

لكن التسوية السياسية التي سمحت لميركل أن تظل في السلطة قد تضع حدًا لهذا النمو الاقتصادي. كانت قد اضطرت إلى الانصياع لمطالب الشريك الأصغر في حزبها الائتلافي، ووافقت على التراجع عن إلغاء الضوابط التي أطلقت منذ عام 2005 العنان لاقتصاد الدولة.

والآن، ومع اكتساب اقتصاد أوروبا انتعاشًا بعد فترة ركود طويلة، فإن مخاطر ألمانيا - القوة الاقتصادية والقائد الفعلي للقارة الأوربية - تميل نحو الاتجاه المعاكس.

تواجه ميركل، بعد تأديتها اليمين الدستورية مع حكومتها، المأزق السياسي نفسه الذي تعانيه العديد من الدول الصناعية، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية. فمن المفترض أن تشعر أغلبية الدول أن الحياة رائعة، لكنها بالنسبة للعديد من الناس ليست كذلك . لم تتم زيادة أجورهم، ويبدو أن وظائفهم أصبحت أقل أمانًا، كما أنهم يعتقدون أن الأوقات الجيدة قد مرت عليهم وانتهت. في ألمانيا، حيث تبلغ نسبة البطالة 3.6 بالمائة فقط، تخلى العديد من الناخبين الغاضبين في انتخابات العام الماضي عن أهم حزبين، وهما: حزب ميركل الديمقراطي المسيحي وحزب الديمقراطيين الاشتراكيين اليساريين، وذلك لصالح أحزاب الأقليات، وخاصة تلك التي تعد البديل اليميني المتطرف لألمانيا.

قال ستيفان ساكس، مدير فرع محلي من نقابة الاتحاد الصناعي لعمال المعادن في ولاية هيسن: «الناس أصبحوا أقل ثقة. فقد صار متوقعًا بين يوم وليلة أن يتم طردك». ولجذب الديمقراطيين الاجتماعيين المترددين من أجل التوقيع على الحكومة الائتلافية، قدمت ميركل بعض التنازلات التي قال النقاد عنها إنها ستعيد ألمانيا إلى زمن تبدو فيه أشبه بفرنسا، بقواعدها التي تحمي العمال من الفصل، شريطة أمان واسعة، وزيادة ريادة الأعمال والنمو.

وتمنح اتفاقية اقتسام السلطة الديمقراطيين الاشتراكيين مزيدًا من النفوذ على السياسة أكثر من ائتلافهم السابق الذي حكم حتى الانتخابات في العام الماضي . على وجه الخصوص، تنازلت ميركل عن وزارة المالية والسيطرة على السندات المحفوظة إلى حزب اليسار الأساسي، والذي من المرجح أن يهدئ الانضباط المالي الصارم الذي كان سائدًا في عهد فولفجانج شويبل. كان شويبل، وزير المالية منذ عام 2009 وحتى استقالته العام الماضي، شخصية مهيمنة ليس فقط في ألمانيا بل في جميع أنحاء أوروبا، حيث فرض التقشف على دول الأزمات مثل اليونان والبرتغال مقابل مساعدات منطقة اليورو. وشملت إجراءات التقشف في أعقاب الأزمة المالية تقلصًا كبيرًا في إنفاق الحكومة، من خلال تقليص المعاشات التقاعدية وتخفيض ميزانيات البرامج الاجتماعية، وذلك كطريقة لكبح عجز الميزانية.

كما دفع تلك الدول إلى محاكاة الإصلاحات الألمانية، ولا سيما تخفيف القيود المفروضة على التوظيف والطرد. وساعدت هذه المحاكاة العديد من الدول، على الأقل إلى حد ما، في انخفاض معدل البطالة في منطقة اليورو إلى 8.6 في المائة في فبراير الماضي، مقارنة بأكثر من 12 في المائة في عام 2013.

ومع ذلك، يعتقد بعض النقاد الآن أن برلين على وشك رفض الدواء الخاص بها. فمن دون أن تكون ألمانيا مثالًا يحتذى به، فإن القادة في بلدان أخرى في منطقة اليورو سيواجهون المزيد من المتاعب في التفاوض حول منطقة الإصلاح ذات الخطورة السياسية.

وقال هولجر شميدينج كبير الاقتصاديين في بنك بيرنبرج الألماني: «إن الائتلاف يلغي كل الإصلاحات التي حولت ألمانيا من رجل أوروبا المريض إلى الدينامو».

وتوقع شميدينج أن يؤدي الانهيار النسبي في ألمانيا إلى تمهيد الطريق أمام فرنسا لتولي دور القوة المحركة في منطقة اليورو. كانت فرنسا في مكانة ألمانيا نفسها في بداية الألفينات، ومن ثم بدأ إيمانويل ماكرون، الرئيس الفرنسي، حملة الإصلاح الخاصة به، وإن كانت متواضعة.

وعلى الرغم من أن الدولتين لديهما روايات متباينة، فإن ألمانيا تظل حتى الآن أكبر اقتصاد في منطقة اليورو، وسيحتاج ماكرون إلى ميركل لتحقيق أولوياته الإقليمية، مثل إصلاح آلية الاتحاد الأوروبي المريرة.

ويرى لهانز شتارك، الأستاذ بجامعة السوربون والذي درس العلاقات الفرنسية الألمانية، أن القوة المتزايدة للديمقراطيين الاجتماعيين ــ الذين دعوا إلى المزيد من الإنفاق الاستثماري والمؤيدون لأوروبا بحزم ــ يمكنها أن تبذل جهودها لدعم ماكرون، حتى إذا تراجعت ألمانيا عن الإصلاحات الاقتصادية.

وقال شتارك: «من مصلحة ألمانيا أن ينجح ماكرون في خططه الإصلاحية».

وعلى الصعيد الداخلي، فإن الوعود التي يفرضها الديمقراطيون الاشتراكيون خلال المفاوضات الصعبة مع ميركل من شأنها أن تسهل وتنظم العاملين في الشركات الصغيرة، والسماح بزيادة أكبر في المعاشات التقاعدية، ووضع قيود على استعانة الشركات بالعمال المؤقتين. ويمثل هذا البند الأخير مصدر قلق خاص لشركات صناعة السيارات والشركات التي اعتمدت على العمال بعقود قصيرة الأجل للتعامل مع تقلبات الظروف بحسب الطلب. وعلى عكس الموظفين الدائمين، يمكن تسريح العمال المؤقتين دون دفع مبالغ كبيرة للمفاوضات والدخول في مفاوضات مطولة مع ممثلي العمال.

على سبيل المثال، استطاعت بي إم دبليو التعامل بسرعة مع تراجع مبيعات السيارات في عامي 2008 و2009 عن طريق خفض العمال المؤقتين. وفي الآونة الأخيرة، عينت شركات تصنيع السيارات العمال على عقود قصيرة الأجل لتلبية قفزة بحسب الأوامر في مبيعات موديل السيارات الرياضية متعددة الأغراض التي تنتج في مصنع في ريجنسبورج بألمانيا.

إنها وسيلة استعانت بها الشركات بشكل متحرِّر - فالعمال المؤقتون يمثلون 9 بالمائة من قوة العمل الألمانية ويمثلون 19 بالمائة من العمال الذين تبلغ أعمارهم 35 سنة أو أقل.

ويقول المؤيدون إن النظام سيساعد العمال الأصغر سنًا أو الأقل تأهيلًا على الحصول على مكان في سوق العمل، وكذلك على الحصول على وظائف بدوام كامل.

لكن ممثلي العمال يتهمون أصحاب العمل بإساءة استخدام النظام، مما يوجد مجموعة من العمال من الدرجة الثانية يعيشون على عقد لمدة ستة أشهر إلى آخر. ويتعرض العمال المؤقتون أكثر لخطر الفقر وتقل إمكانيتهم بأن يكونوا متزوجين أو لديهم أطفال، وذلك وفقًا لدراسة أجرتها مؤسسة هانز بوكلر، التي تمولها النقابات العمالية الألمانية.

وعلى سبيل المثال، فإن أوجور أوزالب، البالغ من العمر 32 عامًا، من مدينة شفالمشتات، التي تبعد حوالي 70 ميلًا عن شمال فرانكفورت. عمل بعقود مؤقتة لمدة ست سنوات في أحد موردي صناعة السيارات، حيث قام بتفتيش قطع المكابح. ولكن وفقا لنقابة الاتحاد الصناعي لعمال المعادن، تم فصل أوزالب بحجة ما قبل أن يُطلب من الشركة توظيفه بدوام كامل.

في إطار برنامج التحالف، لم يستطع عمال مثل أوزالب أن يشكلوا أكثر من 2.5 في المائة من قوة العمل في الشركة، مع بعض الاستثناءات. وتوفر الشركات وظائف دائمة للعمال بعقود قصيرة الأجل بعد 18 شهرًا، بدلًا من 24 شهرًا بموجب القواعد الحالية. ويمكن تجديد العقود مرة واحدة فقط بدلًا من ثلاث مرات.

ويبقى أن نرى كم من اتفاقية الائتلاف سيتم سريانه قانونيًا، وقد تكون الآثار الاقتصادية أكثر اعتدالًا مما يتنبأ به الاقتصاديون. فقد حذر العديد من الخبراء من أن الحكومة ستقضي على إمكانية إيجاد فرص عمل عندما وضعت الحد الأدنى للأجور في عام 2015. ومع ذلك استمر معدل البطالة في الانخفاض.

ولكن هناك بالفعل دلائل على أن رجال الأعمال قلقون بشأن ما يعتبرونه انجرافًا نحو ألمانيا المتصلبة القديمة، بقيادة حكومة لا تحظى بشعبية من الأفكار الجديدة.

وتراجعت استطلاعات الرأي حول التفاؤل في الأعمال التجارية في الأشهر الأخيرة بعد أربع سنوات من المكاسب التي لم تنقطع. مثل هذا التشاؤم يمكن أن يصبح شعورًا سائدًا، والذي لا يشجع الشركات على التوسع والتوظيف.

في الوقت الراهن، يعد اقتصاد ألمانيا قويًا للغاية بحيث لا يوجد سوى عدد قليل من الناس مَن هم عاطلون عن العمل لفترة طويلة. ومع ذلك، بعض الناس مثل أوزالب يشعرون في كثير من الأحيان بسلسلة لا نهائية من الوظائف غير الآمنة.

وسرعان ما وجد أوزالب عملًا لدى صانع قطع آخر، حيث تبلغ نسبة البطالة في المنطقة التي يعيش فيها 4% فقط. لكن العمل الجديد يدفع أقل، ولديه عقد لمدة ستة أشهر فقط، والذي قد يتم أو لا يتم تجديده حسبما قال. وكان لكل ذلك تأثير عميق على حياته الشخصية. فقد قال أوزالب الذي يعيش مع خطيبته: «أردنا أن نتزوج، ونشتري منزلًا ونبني مستقبلًا. لكن الآن أصبح كل شيء هباءً».

نيويورك تايمز