1275010
1275010
إشراقات

الخوالدي: القوة في الدين بالصبر ومغالبة الكسل ومجانبة الهوى

15 مارس 2018
15 مارس 2018

تكون في «التلقي والتطبيق والثبات» -

متابعة: سيف بن سالم الفضيلي -

نبّه فضيلة الشيخ خالد بن سالم الخوالدي عضو الهيئة التدريسية بكلية العلوم الشرعية إلى ضرورة أن تكون القوة في التعامل مع الدين في ثلاثة مجالات في «مجال التلقي وفي مجال التطبيق وفي مجال الثبات على ما هو بصدده من الالتزام بأحكام دينه». فالدين يحتاج منا إلى قوة في تلقيه من حيث الصبر من حيث مغالبة الكسل ومغالبة الهوى.

وأوضح فضيلته أنه كلما قويت نفس المسلم في التلقي فإنها بحاجة إلى أن تتقوى في التطبيق والالتزام والى الثبات لأخذ هذا الدين وترجمته في واقع الحياة وبدون وجود هذه القوة في التطبيق لن يفعل الإنسان شيئًا.... والى ما جاء في الجزء الثاني من محاضرته حول الآية (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآَتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا).

يشير فضيلته في محاضرته إلى أن هذه القوة التي يجب أن يكون الإنسان عليها فيما يتعلق بأمر الدين في ماذا ينبغي أن تكون ؟ فيوضح: في حقيقة الأمر أن هنالك ثلاثة مجالات واسعة لا بد أن يحرص الإنسان على أن يكون قويا فيها فيما يتعلق بالتعامل مع دينه؛ أولها أن يكون قويا في تلقيه وثانيها أن يكون قويًا في تطبيقه، وثالثها أن يكون قويًا في الثبات عليه.

فأن يكون قويًا في تلقي الدين، هذا الجانب جانب لا بد أن تكون للإنسان فيه قوة. تلقي الدين، أي التعامل مع أوامر هذا الدين تعاملا مع معرفة أحكامه التعامل مع تعلم تعاليمه هذا الجانب لا بد أن يكون الإنسان فيه قويا لأنه محتاج فيه إلى مغالبة عجزه فالنفوس عادة لا تحب إلزاما أو تكليفا، بل تحب أن تكون خالية من الإلزام والتكليف وكل أمر فيه جهد فيه تعب.

ويضيف: ولذلك قد تجد بأن الشخص يحتاج إلى قوة نفسية لأجل أن يتخلص من عجزه لحضور درس علم وقد تبدو له من الأعذار الشيء الكثير مما قد يسوّغ له أن يترك حضور ذلك الدرس، هذا على مستوى درس من دروس العلم.

فكيف إذا كان الأمر يتعلق بقراءة كتاب أو يتعلق بتعلم فن من فنون العلم الشرعي (فقها أو عقيدة أو غير ذلك من الأمور) قد يلتزم في ذلك دروسًا أو يراجع شيخًا أو يدرس في حلقة من الحلقات أو قد يستنزف في ذلك وقتًا كثيرًا لأنه يطالع بنفسه ويراجع أهل العلم فيما طالعه، هذا أمر بلا شك انه يحتاج إلى قوة فإذا لم تكن للإنسان قوة في تلقّي الدين في هذه المجالات التي ذكرتها فبلا شك أنه لن يستطيع أن يأخذ دينه.

مغالبة النفس

ويبيّن فضيلته: التوجيه للإنسان والنصح له والتعليم له ان جهل، هذه في حد ذاتها مسألة تحتاج إلى أن يتلقاها بقوة لأن الإنسان هاهنا بحاجة إلى مغالبة الهوى فالنفس بلا شك أنها لا تحب الضّعة لذاتها ولا تحب أن تكون في الدون، تحب أن تكون رفيعة شريفة كريمة لا يتطرق إليها انتقاد أو امتهان أو دونيّة أمام أحد.

لكن إذا ما جئنا إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة في الله هذه في حد ذاتها أمور شرعية شرعها الشرع فلا بد أن يكون هنالك آمر ومأمور لا بد أن يكون هنالك ناصح ومنصوح وبلا شك أن مرتبة الآمر ومرتبة الناصح هي العليا ومرتبة المنصوح ومرتبة المأمور هي الدنيا هي المحتاجة إلى هذه النصيحة فيثقل على نفس المأمور بالأمر أو المنهي عن المنكر أو المنصوح بالنصيحة يثقل عليه تلقي هذا الأمر من غيره خاصة إذا كان ممن هو دونه أو كان من قرين له في السن أو في المرتبة، فلو أن أحدا كبيرا في السن أو عالما وجه اصغر منه أو جاهل سيتقبلها ذلك الشاب برحابة صدر لأنها صدرت من هو فوقه، لكن إذا كان أخ مع أخيه أو كان ابن مع أبيه ربما يعسر ذلك القبول في نفسه لا أقول انه لا يقبل لكن يجد في نفسه هوى، كيف هو مثلي وينصحني كيف هو أصغر مني ويعلمني هكذا يزين له الهوى هذا الهوى بحاجة إلى قوّة حتى يضبطه ويخضعه ويبين بأن الحق هو أكبر من كل هذه الأهواء، إذا هذا أيضا جزء من القوة في التلقي والتعلم. والدين يحتاج منا إلى قوة في تلقيه من حيث الصبر من حيث مغالبة الكسل من حيث مغالبة الهوى.

أهمية التطبيق

وهكذا أيضا نحتاج إلى قوة في تضبيطه، تلقيت العلم وتعلمت الأحكام هذا التعلم إنما حصل لأجل أن تطبق، يأتي الآن تطبيق وهو يحتاج أيضا إلى قوة، كم من الأشخاص يعرف كثيرًا من الأحكام ولكن لا يطبقها. لماذا؟

قد يعرف أحكاما يترتب عليه الإثم والعقوبة عليها في الدنيا وفي الآخرة فلماذا لا يطبقها ما دام يعرفها؟ هذا الشخص فرّط في أمر القوة في التطبيق، فالدين يحتاج إلى قوة في التطبيق، كما أنك قويت نفسك في التلقي انت بحاجة إلى أن تقوي أيضا نفسك في التطبيق في الالتزام لأخذ هذا الدين وترجمته في واقع حياتك وبدون وجود هذه القوة في التطبيق لن يفعل الإنسان شيئًا أبدا فهو بحاجة إلى أن يغالب أيضا هواه، لان هوى النفس صاد عن التطبيق.

تعلق الإنسان بمعصية من المعاصي يجد فيها لذته، هذه من صواد النفس عن التطبيق، ما دام لم يأخذ بأسباب القوة التي تبعده عن تلك المعصية لن يستطيع أن يتركها ما دام مستلذا لمعصيته، لا بد أن تكون لديه قوة ذاتية يستطيع بها أن يتغلب على هوى النفس فيما يتعلق بفعل الأوامر واجتناب النواهي.

ويضيف: الدعة والراحة من الإلزام؛ هذه حال نفسية أيضا يحتاج الإنسان إلى أن يتغلب عليها فيما يتعلق بالتطبيق، يعني أن يلتزم الإنسان بخمس صلوات في اليوم والليلة هذه حال إيمانية جليلة تحتاج إلى قوة لتطبيقها في برد الشتاء القارس يخرج ويتدثر لصلاة الفجر بما استطاع من ثياب لا تقيه كل البرد لكنه يخرج في وقت قصر الليل يهب من نومه مسرعا لم تمض عليه إلا سويعات قليلة لم يستطع معها أن يأخذ قسطه من الراحة ليؤدي صلاة الفجر لكنه يخرج مع ذلك ويترك نومه وفراشه الوثير وهواءه العليل؛ لأن لديه القوة في ذلك.

يقوم بنفسه في شهر رمضان وعنده الماء والأكل وكل مشتهياته ولا يطلع عليه أحد من البشر ولكنه مع ذلك يلتزم أمر ربه ويكف نفسه عن الفطر؛ لأنه ملتزم بعبادة الصوم لولا القوة الموجودة في نفسه لركن إلى هذه الدعة.

يحج وينفلت عن رفاقه وأصحابه ويبقى بنفسه ويرى أن الأعمال شاقة ونفسه تدعوه إلى الدعة وكان بإمكانه أن يجلس في مكان ويظهر بأنه قد أدى هذا النسك وحلق وأنهى، ولكنه يتعنى غاية العناء ويصبر غاية الصبر لأنه لديه القوة في دفع النفس لإتمام هذه العبادة على الوجه المرضي ولم يرض بالدعة. وإنما وجد راحته في العناء لولا وجود القوة في تطبيق الدين لما قام بذلك.

يخلو بنفسه، وقد تيسرت له أسباب الحرام أو يخلو بامرأة أو بنساء، وقد تيسرت له أسباب الحرام، ولكنه لا يجد راحته في فعل الشر بل يجد راحته في كف نفسه عن الشر؛ لأن قوته الإيمانية ردعته عن فعل الشر، هذا كله من القوة في التطبيق، بحيث إن الإنسان يجانب الهوى ولا يركن إلى الدعة.

تأثير

التأثير -كما يذكر فضيلة الشيخ- جانب أيضا يؤثر في التطبيق، فالإنسان قد يعلم أشياء كثيرة ولا يطلع أحد على ذلك، يتعلم أحكاما ويقرأ كتبا ويجلس مع مشايخ ويحضر دروس علم وتتجمع عنده أفكار جيدة ويعرف أحكاما كثيرة، ولا يعارضه أحد في ذلك ولكن حينما يريد أن يطبق قد يجد من المؤثرات ما يحول بينه وبين التطبيق قد يجد الأب الذي يعارض فعله لتلك الأوامر أو يجد الزوجة التي تعارض فعله لتلك الأوامر أو تجد المرأة الزوج الذي يعارض التزامها بتلك الأوامر الشرعية أو يجد البيئة أو الرفقة التي تملي له في الشر وتشجعه على الفساد وتشنع عليه أن يلتزم بهذه الأحكام التي تعلمها، إذا هنالك تأثيرات كثيرة ربما تعرض الإنسان، تأثيرات من حيث المنع أو من حيث التسفيه والتحقير والإهانة أو تأثيرات من حيث التخويف والتشويش أو من حيث الاستهزاء والسخرية وغيرها، فالتطبيق إذا يحتاج إلى قوة حتى يستطيع أن يتجنب كل هذه التأثيرات وبدون وجود القوة لن يستطيع أحد أن يصمد أمام هذه التأثيرات، هذا الجانب الثاني.

علاقة بين الإنسان وخالقه

ثم يعرج فضيلته إلى الجانب الثالث وهو جانب الثبات على الدين، فيقول: أيضا هذا الجانب يحتاج ألى القوة، كما كان قويا في التلقي ثم كان قويا في التطبيق لا بد أن يكون قويا في الثبات على التطبيق، كثيرون هم أولئك الذين قد يتلقون وكثيرون هم أولئك الذين قد يطبقون ولكن ليس كل مطبق موفقًا للثبات على تطبيقه لأحكام الدين بل قد تعتريه الكثير من الأحوال التي ربما تثبطه عن الثبات.

قد يطبق ليوم أو يمين أو شهر أو شهرين أو سنة أو سنتين وبعد ذلك يضعف أمام هوى النفس لإهماله في العناية بالترقي بنفسه أو يضعف أمام تقلبات الزمان وتغيرات الأحوال ولا تكون لديه من الأمور المعينة والمثبتة ما يحفظه أمام هذه التقلبات، قد يتقلب الإنسان في أحوال كثيرة في حياته، يتقلب من ضعف إلى قوة أو من غنى إلى فقر أو من صحة إلى مرض أو من بساطة إلى علو ورفعة أو غير ذلك من الأحوال العوارض التي قد تعرض للإنسان هذه الأحوال يحتاج الإنسان إلى قوة كما قلت في إعانة نفسه على الثبات على الخير وذلك حينما يعلم بأن أمر الدين هذا يتعلق بذاته لا دخل لأحد فيه، عبادته تتعلق بعبادته بربه، والدنيا للناس ما شاؤوا منها لكن أمر ديني شيء يخصني، امتلك أمر يدي بأجرة أو عقد كانت بيني وبينه لكنه لا يمتلك قلبي وروحي وعبادتي وديني هذا أمر يخصني لكن متى يشعر الإنسان بهذا الشعور حينما يكون قويا في الثبات.