إشراقات

الكلام الطيب

15 مارس 2018
15 مارس 2018

القاهرة: أماني أحمد -

إن المؤمن التقي القوي الأمين لا ينطق إلا بما يرضي الله، فيزن كلامه بالقسطاس المستقيم، لأن الإسلام يلاحظ مشاعر الناس وأحاسيس الآخرين فمن أراد أن يتكلم فليقل خيرا أو ليصمت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» متفق عليه.

يقول حامد أحمد الطاهر في كتابه «من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم للأطفال»: الجزء الأول من الحديث يحثنا على الكلمة الطيبة وأفضل الناس قولا من قال خيرا فغنم أو سكت فسلم، لأن الصمت في مواضعه من شيم الرجال، والنطق في مواضعه من كريم الخصال، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه.

فقد كان لقمان الحكيم خادما لأحد الناس، فأمره بذبح شاة، فذبحها، فقال له سيده: هات لي أفضل ما في هذه الشاة. فجاءه باللسان. ثم قال له: هات لي أسوأ ما في هذه الشاة . فجاء باللسان . فسأله عن ذلك فقال لقمان: إن اللسان إذا نطق بالخير أحبه الناس وكان أفضل ما في الجسد. وإذا نطق بالسيئ من الكلمات فإنه يصبح شر ما في الجسد.

فيجب على الإنسان أن ينطق بالكلام الطيب، وإلا فليسكت عن الكلام حتى لا يغضب الله عز وجل. وقد حكى لنا النبي- صلى الله عليه وسلم- أن ابن آدم إذا أصبح فإن كل أعضائه تقول للسان: «اتق الله فينا، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا».

ومن مظاهر استقامة اللسان وقول الحق: ذكر الله عز وجل مثل التكبير والتسبيح والتحميد والتهليل، وهو قولنا الله أكبر، سبحان الله، الحمد لله، ولا إله إلا الله. وقراءة القرآن الكريم والأحاديث النبوية، وقراءة العلم النافع المفيد، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

أما مظاهر اعوجاج اللسان فهي: اغتياب الناس أي أن تذكر المسلم بما يكره فتقول: هو بخيل، أو فقير، أو ضعيف، وكذلك السب، واللعن، والشتيمة ومجالس النميمة بين الفتيات خاصة وعلو الصوت ورفعه بالغناء، أو بالكلام غير النافع، أو في الضحك والمزاح وأيضا الكذب، والسخرية من الأصدقاء فيقال: هذا قصير، أو نحيف، أو بدين.

من وصايا النبي صلى الله عليه وسلم لحفظ اللسان قوله: «لا تقل بلسانك إلا معروفا»، «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده»، «كف لسانك إلا من خير». فالمسلم إما أن ينطق بالحق والخير، وإلا فليصمت حتى لا يؤذى الناس بلسانه.

وجزاء الذين لا يكفون لسانهم عن أذى الناس يبينه لنا النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: «إن الرجل ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب». فالكلمة قد تتسبب أن يتعذب بها الإنسان كما بين المشرق والمغرب في النار.

وقد مر صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء والمعراج على قوم لهم أظافر من حديد يخمشون بها وجوههم فقال: «من هؤلاء؟». فقال جبريل عليه السلام: هؤلاء الذين كانوا يأكلون لحوم الناس في الدنيا. فالذي يغتاب هو الذي قال الله تعالى فيه: (أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه) سورة الحجرات الآية12. فقد شبهه الله عز وجل بأنه قد أكل من لحم أخيه لأنه ذكره بالسوء، وبما يكرهه وهو غائب. وكان جزاؤه النار يوم القيامة، يضرب وجهه بأظافر من نحاس، فيسيل الدم منها، ومن وجهه. وأخبرنا صلى الله عليه وسلم أن: «شر الناس يوم القيامة ذو الوجهين النمام، الذي يأتي يوم القيامة له لسانان من نار». وذو الوجهين هو الذي يقوم بدور الفتنة فيذهب إلى صديق له ويقول: فلان يقول فيك كذا وكذا، ثم يذهب للآخر فيتحدث إليه بنفس الحديث فيوقع العداء بينهما وتسمى هذه بالنميمة، ولذلك فإن جزاءه يوم القيامة أن يكون له لسانان من نار. ولا شك أن الكاذب يكرهه الله عز وجل، ولا يحبه الناس، وكذلك سيئ الأخلاق الذي يغتاب الناس أو يقوم بالنميمة، فلا يصاحبه أحد، بل يبتعدون عنه لشره وسوء خلقه.

ويأتي صاحب اللسان النظيف الطاهر يوم القيامة يحبه الله ويدخله الجنة. وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأنه: «الكلمة الطيبة صدقة». وقال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة». وإن المسلم ليتكلم بالكلمة الطيبة فيرضى عنه الله عز وجل إلى أن يلقاه يوم القيامة فيدخله الجنة. وكذلك يحب الناس صاحب الكلمة الطيبة ويقدمونه على غيره ويكرمونه. ومن جهة أخرى يقول الدكتور رمضان المحلاوى في كتابه (من أخلاق الإسلام): إن النفس البريئة من أدران الرذائل والوساوس والهواجس لا تضغن ولا تحقد ولا تهتف بما لا تعرف تمقت الثرثرة وتأبى الإسفاف ولغو القول ولكنها تسمو وترتفع ولا تقابل السيئة بالسيئة والله يقول: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا) سورة الإسراء الآية53. لقد أمر الله عباده أن يقولوا الكلمة التي هي أحسن على وجه الإطلاق وفي كل مجال فيختاروا أحسن ما يقال ليقولوه، بذلك يتقون أن يفسد الشيطان ما بينهم من مودة..فالشيطان ينزغ بين الإخوة بالكلمة الخبيثة تفلت وبالرد السيئ يتلوها فإذا جو المودة والمحبة والوفاق مشوب بالخلاف ثم بالجفوة ثم بالعداء..والكلمة الطيبة تأسو جراح القلوب تندى جفافها وتجمعها على الود الكريم، والشيطان يتلمس سقطات الفم وعثرات اللسان فيغرى بها العداوة والبغضاء بين المرء وأخيه، والكلمة الطيبة تسد عليه الثغرات، وتقطع عليه الطريق وتحفظ حرم الأخوة أمنا من نزغاته ونفثاته. ونجد أن الصوم في معنى الصمت وهذه حقيقة لا تجوز فيها، قال سبحانه على لسان مريم عليها السلام: (إِنِّي نَذَرْتُ للرَّحمنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَومَ إِنْسِيّا) سورة مريم الآية26، فالصوم شطران: صمت عن المحارم، وكف عن المشارب والمطاعم، والأول أجدى شطريه على الإنسانية، فالصوم الحق مجاهدة ومجالدة. ولقد نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصائمين الذين لا يحفظون لسانهم عن الكذب والغيبة والنميمة، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الصوم جنة فإذا كان أحدكم صائما فلا يرفث ولا يجهل، وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم، إني صائم».