أفكار وآراء

«صفقة القرن» .. والحسابات الخاسرة !!

13 مارس 2018
13 مارس 2018

عوض بن سعيد باقوير -

لا يزال مصطلح صفقة القرن الخاص بتصفية القضية الفلسطينية غير معلن حتى من قبل الولايات المتحدة وإدارة الرئيس ترامب وحتى من قبل الكيان الإسرائيلي وعدد من الدول العربية التي عرض عليها أمر هذه الصفقة التي رفضتها القيادة الفلسطينية بكل شجاعة عندما تم التباحث بشأنها في اجتماعات الغرف المغلقة.

ولعل الإشارة الواضحة لصفقة القرن والتي تحدثت عنها عدد من الصحف الأمريكية والغربية والإسرائيلية هو القرار الذي اتخذه الرئيس ترامب والذي اعلن فيه أن مدينة القدس المحتلة سوف تكون عاصمة للكيان الإسرائيلي وسوف تنقل الولايات المتحدة سفارتها إلى المدينة المقدسة، بغض النظر عن أية جوانب أخرى، ومن هنا كانت هذه الإشارة الصادمة مدخلا لتهيئة الرأي العربي، والفلسطيني خصوصا، بأن صفقة القرن هي صفقة لها خطوطها العريضة على الأقل، وان قرار ترامب هو أولى الخطوات العملية، نحو تحقيق أهداف الصفقة.

ولا شك أن القيادة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس، كانت على مستوى الحدث رغم الضغوط الأمريكية، وايضا من بعض الدول العربية ، حسبما تردد في بعض وسائل الإعلام، ولعل أولى تلك الخطوات الشجاعة، كانت المظاهرات الشعبية الثائرة من الشعب الفلسطيني ضد قرار ترامب بشأن القدس ونقل السفارة الأمريكية اليها، وثانيا قرار القيادة الفلسطينية بعدم استقبال نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس عند زيارته للكيان الإسرائيلي، وهي الزيارة التي تمت مؤخرا لإسرائيل، ومن هنا كان هذا الرد الطبيعي لرفض زيارة الرجل الثاني في البيت الابيض وهي خطوة لا تجرؤ على القيام بها الكثير من الدول حاليا في الشرق والغرب على حد سواء.

ما هي الخطوة التالية؟

يبدو ان هناك ترددا كبيرا من الإدارة الأمريكية في الإعلان الرسمي عن صفقة القرن، خاصة وان الأجواء السياسية في المنطقة، لا تساعد علي ذلك. ثم جاء الموقف الثالث من جانب القيادة الفلسطينية، وهو رفض المشاركة في مؤتمر المانحين لقطاع غزة، والذي سوف يعقد في العاصمة الامريكية واشنطن . ومن هنا فإن تلك المواقف الفلسطينية ينبغي ان تكون حافزا أولا للدول العربية للوقوف مع الشعب الفلسطيني وقيادته، لإحباط أي تحرك لا يحقق مطالب الشعب الفلسطيني وفي مقدمتها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وثانيا أن يسجل العرب من خلال القمة العربية القادمة والتي لم يتحدد موعدها في السعودية الخطوة التالية للرد على ما يتردد بشأن صفقة القرن التي لم تعلن بعد، وان يكون قرارا عربيا واضحا وصريحا يقوم على التمسك بالمبادرة العربية والتي أقرتها القمة العربية في بيروت عام 2002 ، وهي المبادرة التي لا تزال مطروحة على الطاولة، ويتلخص محتواها في إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، إلى جانب الدولة الإسرائيلية وإقامة علاقات طبيعية بين دول الشرق الأوسط . ومن هنا فإن مثل هذه هي الخطوة من شأنها أن تقطع الطريق أمام تلك الصفقة، غير العادلة والتي قد يترتب عليها مزيدا من تشريد الشعب الفلسطيني من ارضه، وكان تجسيد النكبة عام 1948 يظهر مجددا، بإخراج غريب وغير قابل للحياة.

الخطوة المهمة الأخرى من جانب الدول العربية على المستوى الجماعي، يمكن أن تتمثل في الإعلان عن رفض أي صفقات او مقترحات يمكن أن تضر بالقضية المركزية للعرب، ويكون ذلك بمثابة رسالة للكيان الإسرائيلي والولايات المتحدة والعالم ، بأن العرب لن يفرطوا في حقوقهم وحقوق الشعب الفلسطيني العادلة التي تضمنها قرارات الشرعية الدولية والمواثيق الدولية، ومنظمات حقوق الانسان. ولا شك أن تلك الخطوات تحتاج إلى إرادة سياسية عربية، تضاءلت للأسف خلال السنوات الأخيرة، بسبب التشتت العربي والخلافات والحروب الأهلية التي تشتعل في عدد من الدول العربية منذ عام 2011.

القضية الفلسطينية لا يمكن تصفيتها بمشاريع من جانب طرف واحد، حيث إن هذه القضية تظل حية في ضمير الشعوب المحبة للعدل والحرية والسلام، وهي بذلك تتجاوز الأنظمة السياسية، والخطط في الغرف المظلمة، فليس هناك شعب في التاريخ لم يناضل لنيل حقوقه المشروعة وتكسرت أحلام المستعمر، في الشرق بشكل خاص، أمام تمسكه بحقوقه الوطنية. ونحن نشهد الآن ابشع و آخر احتلال في التاريخ الإنساني الذي يجثم علي ارض فلسطين الصابرة وشعبها العظيم، منذ التخطيط الاستعماري والصهيوني قبل اكثر من مائة عام.

الحقوق لا تموت

ان القرار الأمريكي بشأن القدس كان بالفعل صدمة، حتى في أوساط الأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي والرأي العام العالمي، وحتى اليهود المعتدلون ذوو النزعة السلمية، والذين يؤمنون بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. ومن هنا فإن صمود الشعب الفلسطيني على ارضه والتمسك بحقوقه هو أمر ثابت وينبغي مساندته ، وان القدس الشريف هي حق أصيل وتاريخي للشعب الفلسطيني سواء المسلمون أو المسيحيون في إطار الوحدة المجتمعية والتلاحم الوطني لهذا الشعب المناضل.

الحقوق لا تموت ومن هنا فإن التحركات السياسية واجتماعات كامب ديفيد القادمة لن تغير من تلك الحقائق الثابتة، فالشعوب هي التي تقرر مصيرها في نهاية المطاف وليس الخطط والصفقات التي ترسم في المؤتمرات السرية وغيرها ، ومن هنا فإن مستقبل العالم العربي وأمنه القومي في خطر في ظل المؤمرات التي تحاك ضده.

فالأزمة الخليجية وجدتها أطراف دولية عديدة، فرصة ثمينة لابتزاز الدول الشقيقة في الخليج ، لصالح تنشيط مصانع السلاح الأمريكية والغربية والروسية وحتى الصينية وغيرها، رغم ان معظم تلك الأسلحة لن تستخدم، بل هي للردع وبعد سنوات تتحول إلى أسلحة قديمة حيث تغيرت الترسانات إلى أسلحة حديثة تتفوق بمراحل على تلك السابقة وتتكرر دورة شراء السلاح من جديد بأثمانه الباهظة.

إن الأوضاع المالية لعدد من الدول العربية الغنية قد تتأثر خلال السنوات القادمة بسبب الأوضاع العربية الراهنة، و بسبب التدخلات في الحروب الأهلية الطاحنة والمستمرة منذ سبع سنوات لدعم هذا الطرف او ذلك. ومن هنا فإن العرب أمام مفترق طرق وعليهم مراجعة أوضاعهم المعقدة ومستقبل أجيالهم وقبل كل ذلك بحث وضع قضيتهم المركزية والتي تحتاج إلى توحيد الصف العربي وحشد الدعم من الأسرة الدولية في الأمم المتحدة وخارجها.

ولقد كان تصويت الأمم المتحدة من خلال الجمعية العامة ضد قرار الرئيس ترامب حول القدس حدث نادر شهده العالم، رغم ما صاحبه من ضغوط أمريكية معلنة، ومن هنا فإن القمة العربية ستكون قراراتها مهمة جدا بالنسبة للقضية الفلسطينية والتحركات الخاصة بها، بما فيها ما يتردد بشأن صفقة القرن، وكذلك بالنسبة للمشكلات العربية الراهنة وسبل دفعها نحو الحل السلمي.

دور الإعلام العربي

أمام هذه التطورات لا بد أن يكون للإعلام العربي دوره الوطني والقومي من خلال كشف أي خطط تضر بالقضية الفلسطينية العادلة، ولا شك أن إيصال الرسائل الإعلامية والمقالات والتحليلات باللغات الأوروبية خاصة الانجليزية والفرنسية والألمانية والروسية وحتى الصينية هو أمر حيوي ومهم ونطالب بإيجاد مركز إعلامي عربي متكامل يكون مقره في إحدى العواصم العربية، وتكون له اهداف إعلامية وسياسية بحيث يتصدى للمغالطات الإسرائيلية وحتي المغالطات من الاعلام الغربي المتعاطف مع إسرائيل، وهذا امر مهم ندعو وزراء الإعلام ووزراء الخارجية العرب الى تبني مثل هذا المركز وتزويده بالكوادر العربية المدربة وبشكل مهني واحترافي ، وهذا يعد احد الاسلحة الناعمة التي تحتاجها القضية الفلسطينية بشكل خاص والقضايا العربية بشكل عام.

كما ان الاعلام العربي لابد ان يركز على العدو المشترك وان تكون هناك مساحات اكبر لمناقشة وتحليل الاحداث التي تدور في الأراضي الفلسطينية المحتلة وايضا فضح أي خطط تهدف الى تصفية القضية الفلسطينية ، كما هو الحال مع ما يتردد حول صفقة القرن الخطيرة . وعلي ضوء تلك المحددات فإن الثوابت الفلسطينية لن تتغير ومبادئ القيادة الفلسطينية ثابتة وشجاعة وسوف يظل الشعب الفلسطيني مقاوما ومناضلا حتى يسترد حقوقه المشروعة، ولن تستطيع إسرائيل ولا أية قوة دولية، ان تغير من واقع التاريخ ولا من حركة نضال الشعوب ، فالشعوب في النهاية تنتصر، ولنا في التاريخ البعيد والقريب دروس، وعلي العالم العربي انظمة وشعوب ان يلتفوا حول قضية فلسطين العادلة وان يلتفوا حول المواقف المشرفة للقيادة الفلسطينية والتي سوف تسجل تاريخيا رغم اية ضغوط والتي وصلت الى قطع المعونات الانسانية عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للامم المتحدة (الاونروا) في موقف غير انساني للتأثير على القرار الفلسطيني . وهو امر خلط بين ما هو انساني وبين ما هو سياسي .

وفي المحصلة النهائية فإن كل ما يحاك سوف يفشل بفعل ايمان الشعب الفلسطيني بقضيته العادلة وايضا بسبب شعور اصحاب المخططات المشبوهة بأنهم على باطل ، وفي الأخير فإن الحق ينتصر على الباطل .