1272861
1272861
مرايا

مجلس قضاة وضيافة - بيوت أثرية تحكي عراقة التاريخ بجعلان بني بو حسن

14 مارس 2018
14 مارس 2018

جعلان بني بو حسن : خلفان بن حمد الحسني -

للتاريخ العماني جذور عريقة وأصيلة تمتد إلى آلاف السنين، ويشهد على ذلك كل قاصٍ ودانٍ، والعمانيون منذ القدم صنّاع حضارة ولهم موروثهم وتاريخهم وعاداتهم التي تميّزهم، ومتأصلة فيهم منذ العهد النبوي، فيكفي شهادةً نالوها من خير الخلق محمد- صلى الله عليه وسلم- فالكرم وحسن الضيافة، والصلح وإقامة العدل، هو منطلق حديثنا هاهنا عن أحد البيوت الأثرية التي عرفتها ولاية جعلان بني بوحسن والولايات المجاورة والبعيدة أيضا منذ مئات السنين.

فقد كان مجلس هذا البيت فريد من نوعه في الولاية في تلك الحقبة من الزمن، فهو مجلس قضاة، مجلس كرم وضيافة.

فلو تحدثنا عن أمور القضاة فقد خَرَجَ منه أحد قضاةَ العدل وهو القاضي الشيخ عبدالله بن سعيد بن عيسى الحسني، الذي تولى القضاة في الولاية في عهد الإمام عزان بن قيس ١٢٨٥-١٢٨٧هجري، وتشير الروايات المتواترة الى أن لهذا البيت غرفة سجن لمرتكبي الجرم الذين صدر في حقهم حكم القاضي الشيخ عبدالله بن سعيد، كَمَا توجد به غرفة تخزين الأسلحة.

كان رَحمه الله شيخ عِلم عُرِفَ بين الناس بصرامته في رد الحقوق إلى أهلها، وقد خَلَفَ من بعده رحمه الله ابنه الشيخ حمد عبدالله سعيد السمّي الحسني، حيث سار على خطى والده، فقد كان أيضاً شيخ عِلم، وعُرِفَ بفض الخصومات، ويلجأ إليه الناس في الصلح لما عرف به من حِنكة ودهاء وغلظة في تطبيق حكم الشريعة السمحاء، كما أنه رجل مؤتمن، فقد كانت تودع معه أمانات الناس سواء أكان من أهل الولاية نفسها أو الولايات المُجاورة، كما يروى ذلك من سكان السواحل التابعة لولايتي جعلان وصور وخاصة أهالي نيابة رأس الحد، بأنهم كانوا يضعوا معه ودائعهم عندما كانوا يرتحلون لأداء فريضة الحج والتي كانت تستغرق الأشهر حتى عودتهم.

أما إذا نظرنا إلى هذا البيت من جانب الكرم والضيافة، وبشهادة أهل الولاية خاصة والولايات المجاورة، فنجد أن مجلس البيت يكاد لا يخلو من الضيوف من داخل الولاية وخارجها، وهو مقصد إقامة الإمام محمد بن عبدالله الخليلي عند زيارته للولاية، وتشير بعض الروايات على ألسنة من هم عاصروا تلك الفترة بأن حتى التجّار من أهل اليمن والدول الأخرى الذين يصلوا إلى ولاية صور عن طريق البحر ووجهتم إلى ولاية جعلان بني بوحسن كانوا يرشدونهم إلى بيت الشيخ حمد بن عبدالله بن سعيد السمّي الحسني، هو مأمنهم ومأواهم من مسكن ومأكل ومشرب، فهو مجلس الكرم والضيافة كما عَرفه الناس وشهد له التاريخ.

التاريخ هو التاريخ، وما زالت آثار هذا البيت شامخة بما قدمه من خدمة للإنسانية وخدمة البلاد في تلك الفترة من الزمن، وآثاره التي اندثرت معظمها تَحكي قصة كانت يضرب بها الأمثال، وما زال يذكره كبار السن الذين عاصروا تلك الحقبة وأعينهم تكاد تدمع لما لمسوه من معاني إنسانية من أصحاب هذا البيت رحمهم الله وأحسن مثواهم. ولحكومتنا نظرة في الحفاظ على التاريخ وآثاره، ومن هنا يأتي دور وزارة التراث والثقافة ووزارة السياحة باهتمامهم في إعادة الترميم لمثل هذه المعالم التي تعيد لنا نفحات هذا التاريخ العريق.