yesra
yesra
أعمدة

ربما: ممرُ السعادة

14 مارس 2018
14 مارس 2018

د. يسرية آل جميل -

[email protected] -

مدخل:

(‏أحيانا.. يعجبني الحزن وأحيانا ما أطيقه)

• كنا صغارا، والدي.. لم يحرمنا من السفر إطلاقاً، كنا في كل إجازة نصف سنوية وسنوية، أول ما نفعله قطع تذاكر السفر وركوب الطائرة، ولركوب الطائرة متعة لا يعرفها إلا من جربها مهما تحدثت، كل ما يربطنا بالسفر.. سعادة، حتى أنهم ليطلقون على مدرج الطائرة: ممر السعادة، منه نقلع، وإليه نعود، بمنتهى الفرح والأمل والحياة والحيوية.

• كان السفر هو مكافأة النجاح التي يدخرها لنا الوالد، ننتظر دخوله- رحمه الله- علينا وفي يده تذاكر الذهاب والإياب، تذكرونها؟! تلك المستطيلة الورقية من الخارج تحمل اسم شركة الطيران، وبداخلها مجموعة أوراق ناعمة ملساء عليها اسمك ومحطات السفر.. باليوم والساعة، تلك التي كانت لها قيمة كبيرة ومتعة أكبر.

عموما كل شيء- أرى شخصياً - يمكن أن تحتفظ به في صندوق الذكريات، أجد فيه لذة لا تعادلها ملذات الحياة.

• كانت ساحة المطار بالنسبة إلينا فُسحة، نتأرجح على الأعمدة المتواجدة بممر استقبال العائدين، نركب فوق عربة حقائب السفر، نتسابق في ساحات المطار، نطلق ضحكات لا أول لها ولا آخر حتى ينادوا على رحلتنا، نصعد الطائرة، نركض بين الكراسي المتراصة جنباً إلى جنب، كلنا نريد الشبّاك، الجلوس بجواره، للاستمتاع بلحظة صعود الطائرةً وانطلاقها بسرعة فائقة، الطيران بين السحاب، كنا ننتظر لحظة دخول الطائرة بين السحب،وننادي بعضنا البعض، نحن فووووووق بين السحاااااب.

في أحيان كثيرة كنت أظن أن شباك الطائرة يمكن فتحه، لأخرج يدي لتلامس ذلك القطن المتكوّم، سبحانك ربي.

• نتناول وجبة دسمة غداء أو عشاء، اعتدنا- وكبرنا على ذلك- على أكل الدجاج، الأرز بالـ(صوص).. (شوية) سلطة، ننام بعدها قليلا لحين محطة الوصول.

آه.. نسيت أن أحدثكم عن مناديل الطيارة الورقية، تلك المبللة بالكولونيا، لها رائحة مميزة، العطر غالباً له قدرة عجيبة على ربطك بالأماكن، لتصبح مع مرور الوقت ذكرى مؤلمة.. سعيدة، لا يهم، أنا أراهنكم على ذلك وبشدة.

هناك عطور تذكرني بمرحلة المتوسط، وعطر للثانوية، وعطور بالجامعة، عطور خاصة بـ(ريحة أبوي)، عطور السفر، عطور.. وذكرى.. أشخاص.. وأماكن.

• وكبرتُ، بتُ أعمل ألف حسابٍ وحساب لرحلات السفر، لم أعد أشعر بذات المتعة، حين أعلمُ أني مُقبلةٌ على سفر يزداد القلق لدي، ترتفع هرمونات الخوف والتوتر، أخشى الارتفاعات، أخاف لحظة الإقلاع، أقرأ القرآن طوال الرحلة، أدعو وأدعو وأدعو أن نصل بسلام.

أصبحت أبتعد عن الجلوس بجوار الشباك، الطائرة إن حلّقت فوق البحر أخاف، أغلق النافذة حتى تمر بسلام، المطبات الهوائية حتى الخفيفة جداً.. تصيبني بالخوف.

فقدت مُتعة السفر، ولذة الرحلة، والانبساط بكل التفاصيل، لا أتناول أي طعام ولا شراب، ولا حتى أستخدم تلك المناديل ذات الرائحة المميزة التي حدثتكم عنها، مع أن الطيران أكثر أنواع السفر أماناً، وقبله كنت أسافر وأسافر وأسافر، دون أن أفكر في كل هذه المخاوف.

• في كل مرة أكون على سفر، أجلس مع نفسي، أجري لقلبي عملية غسيل من الخوف، أقنعني أن الأمور بخير ولا زلت، لا أدري، هل كلما كبرتُ ارتفعت حدة الخوف، أم أنها المسؤولية تجاه المتعلق مصيرهم بك تجعلك تخشى على نفسك كثيراً، لأجلهم لا لأجلك.

لا أدري حقاً، أنتم مثلي، أم أن قلبي اشتعلت عروقه شيباً؟!

- إليه حيثما كان:

‏قل للمسافات البعيدة بيننا

أرجوك بحق الله عليك.. أن تتواضعي.