الملف السياسي

واشنطن ومـوسكـو والسـلام العالمي

12 مارس 2018
12 مارس 2018

عوض بن سعيد باقوير -

صحفي ومحلل سياسي -

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 بكل كوارثها الإنسانية حيث نتج عنها ضحايا تفوق الخمسين مليون شخص من ضحايا تلك الحروب من مدنيين وعسكريين وعشرات الملايين من الجرحى والمصابين والمشردين تنفس العالم الصعداء بانتهاء تلك الحرب الكونية لإفساح المجال لإعادة تشكيل العالم على أسس أخلاقية وقانونية تجنب البشرية من الدخول في معترك تلك الحروب المدمرة فماذا حدث خلال الستة عقود الأخيرة ؟

رغم نجاح العالم في إقامة منظومة الأمم المتحدة كمرجعية لحل الخلافات والمشكلات بين الدول ووجود منظمات حقوقية دولية ومحكمة العدل الدولية في لاهاي وتشكل المجتمع المدني الحديث خاصة في أوروبا والولايات المتحدة إلا أن التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق ومن ثم روسيا الاتحادية حاليا قد جعل العالم أقل استقرارا من خلال أولا الحرب الباردة واشتعال الحروب الإقليمية المدمرة.

وعلى ضوء ذلك فإن استقرار العلاقات بين واشنطن وموسكو هو في صالح السلام العالمي ومن هنا تأتي أهمية إيجاد تناغم بين القوتين الكبيرتين في عالم اليوم حتى يمكن أن يتفرغ العالم للتنمية وحل مشكلات الفقر في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وإيجاد أجواء إيجابية تساعد على حل الخلافات والصراعات خاصة في المنطقة العربية.

حروب إقليمية

منذ انتهاء الحرب الكونية الثانية كانت الولايات المتحدة وروسيا اكثر الدول انخراطا في تلك الحروب ولعل الحرب في فيتنام هي من أشهر الحروب الإقليمية التي دخلتها واشنطن وأدت إلى مآسٍ إنسانية وعسكرية للطرفين الفيتنامي والأمريكي واعتبرت هزيمة أخلاقية ونفسية وخضوع للمفاوضات في باريس مع دولة نامية وفقيرة على طاولة حوار واحدة كما أن الحرب في أفغانستان هي من أقسى الحروب التي تورطت فيها موسكو وأدت إلى انسحابها المذل وبين هذين الحربين في جنوب وغرب القارة الآسيوية دخلت كل من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية عدة حروب منها حروب منطقة الخليج العربية في بداية عقد التسعينات من القرن الماضي والتي انتهت بالغزو الأمريكي للعراق عام 2003 تلك الحرب التي دمرت العراق الشقيق ومقدراته وقتل اكثر من مليون من العراقيين من مدنيين وعسكريين ولا يزال العراق يعاني من هذا الغزو علاوة على الحرب ضد أفغانستان بحجة الحرب على الإرهاب ولم تستطع واشنطن القضاء على حركة طالبان حيث لا تزال أفغانستان غير مستقرة، وعلى الجانب الآخر استخدمت موسكو القوة العسكرية ودخلت في حرب مع احدى جمهورياتها السابقة وهي أوكرانيا واستولت على شبه جزيرة القرم وتم ضمها إلى الاتحاد الروسي رغم الاحتجاج الأمريكي والغربي، كما كان لروسيا الدور الأكبر على صعيد الحرب الأهلية في سوريا وقد أدى دخول موسكو إلى ذلك الصراع إلى الإخلال بميزان القوى لصالح النظام السوري كما تواجدت قوات أمريكية رمزية في غرب سوريا في إطار المنافسة بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية.

وهناك مناطق أخرى مشتعلة في العالم تحظى بتدخلات واشنطن وموسكو ولو كان ذلك بطريقة غير مباشرة ومن خلال تحركات سياسية كالوضع في كوريا الشمالية والخلاف الياباني-الصيني حول الجزر في بحر الصين الجنوبي، وهناك الموضوع الإيراني وحزب الله وعلاقة ذلك بإسرائيل والصراع مع الفلسطينيين حول إقامة الدولة الفلسطينية وأيضا هناك التنافس على النفوذ في أفريقيا وأمريكا اللاتينية.

وعلى ضوء هذا المشهد السياسي البانورامي تظل العلاقات المتوازنة بين واشنطن وموسكو في غاية الأهمية ورغم بعض الاختلافات بين البلدين ووجود أزمات ديبلوماسية وقضية التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية ووجود تحقيقات أمريكية في هذا الشان إلا أن وجود حد أدنى من العلاقات الإيجابية يظل شيئا مهما لحفظ السلم والأمن في العالم من خلال إيجاد تفاهم حول جملة من المشكلات التي يعاني منها العالم شرقا وغربا.

فالمسؤولية الأخلاقية والقانونية تحتم على البلدين خفض التوتر بينهما وإيجاد حلول واقعية لتلك الحروب والنزاعات من خلال عضويتهما الدائمة في مجلس الأمن ونفوذهما السياسي والاقتصادي في العالم ومن خلال شراكتهما في أوروبا وبقية العالم حيث إن التوتر بينهما يعطي إشارات سلبية لدول العالم وتحدث حالة من الاستقطاب والتحالفات كما يحدث الآن على الأقل في الشرق الأوسط حيث يوجد استقطاب واضح ومتزايد تقف فيه موسكو في جانب ومعها أطراف محددة، وتقف واشنطن في الجانب الآخر والى جانبها أطراف أخرى.

السلام العالمي والعلاقات الواقعية

الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية لهما مصالح إقليمية ودولية وهما الدولتان الأكبر في تصنيع وبيع السلاح لكل دول العالم كما أن الأوضاع السياسية المتوترة في اكثر من إقليم تحتم على واشنطن وموسكو إيجاد آليات لحل تلك النزاعات لأن استمرارها يضر بمصالح العالم ويضر بالاستقرار وأيضا يضر بمصالحهم

فالصراع في الشرق الأوسط على سبيل المثال وهو صراع مرير بين العرب والكيان الإسرائيلي منذ عام 1948 وحتى الآن يحتاج إلى حل سياسي عادل على أساس حل الدولتين التي أقرته المبادرة العربية التي أقرتها قمة بيروت العربية عام 2002 ومن خلال قرارات الشرعية الدولية كما أن الحروب المدمرة في سوريا واليمن وليبيا تحتاج إلى تسوية سياسية كما أن الملف الكوري الشمالي يحتاج إلى معالجة على غرار نموذج الملف النووي الإيراني لإيجاد استقرار سياسي وتعاون في شبه الجزيرة الكورية بين سول وبيونج يانج وهناك تطورات إيجابية في هذا الشان مؤخرا.

إن الدور الأمريكي والروسي يعد فاصلا واستراتيجيا للحفاظ على أمن واستقرار العالم وان تواصل تلك الصراعات ليست في صالح العالم بل تقرب العالم من حرب كونية ثالثة سوف تدمر العالم حيث وجود ترسانات الأسلحة المدمرة لدى واشنطن وموسكو.

صحيح أن التخلص من الصواريخ العابرة للقارات والمخزون النووي بشكل كامل يعد أمرا غير مقبول لدى واشنطن وموسكو لأسباب استراتيجية وأمنية لكن لابد من تواصل الحوار بينهما لتخفيض ذلك المخزون من الأسلحة المدمرة إلى نسبة معقولة كما أن إيجاد علاقات طبيعية وخفض التوتر في العلاقات بين البلدين العملاقين يعد أمرا مطلوبا في هذه المرحلة التي يمر بها العالم شرقه وغربه يتطلع إلى أدوار إيجابية من الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية من خلال التفاهم والانسجام السياسي وحل المشكلات بطرق موضوعية وخلق أجواء تساعد على السلام وانتهاء الصراعات وفتح مجالات التفاؤل للأجيال الجديدة في العالم والتركيز على ما يفيد العالم من التقنية وتطوير المنظومة الصحية والمناخ والحفاظ على البيئة والأوزون وغيرها من مكونات كوكب الأرض علاوة على ردم الهوة بين الفقراء والأغنياء وتوفير الغذاء لملايين البشر واطلاق منظومة اقتصادية عادلة وإيجاد فرص واعدة للشباب العالمي.

التعاون مع الأمم المتحدة

مجلس الأمن الدولي يمثل المرجعية الأهم للأمم المتحدة ويشكل البلدان القوة الأساسية في تشكيل اتجاهات المجلس من خلال التحالفات فهناك الصين تميل إلى روسيا في معظم المواقف السياسية وهناك المملكة المتحدة وفرنسا ومواقفهما منسجمة مع واشنطن بحكم عضويتهما في حلف شمال الأطلسي والمنظومة الغربية، ومن هنا فإن الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية لابد أن تتحولا من دور المنافس والخصم داخل الأمم المتحدة إلى دور التعاون والانسجام للوصول إلى حلول توفيقية تحل مشكل العالم ونزاعاته وهذا هو الهدف النبيل للمنظمة الدولية والتي جاء في ميثاقها منذ نشأتها عام 1945 وهو الحفاظ على السلم والأمن الدوليين من خلال آليات وقرارات مجلس الأمن الملزمة وتوصيات الجمعية العامة غير الملزمة ومن هنا تأتي أهمية الدور الروسي والأمريكي في بلورة مواقف حاسمة تخدم العملية السلمية في هذا العالم المضطرب والذي يحتاج إلى إعادة نظر في مجمل العلاقات الدولية خاصة بين الدول المؤثرة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية. الخلافات والتنافس بين موسكو وواشنطن هو الذي أضعف دور الأمم المتحدة وجعلها عاجزة عن القيام بدورها السياسي والأخلاقي والقانوني وجعلها في أعين شعوب العالم منظمة سلبية وغير فعالة بحيث يقتصر دورها على أعمال الإغاثة ووضع اللاجئين فيما تخفق دوما في قضايا الحروب والنزاعات الإقليمية والتي ينتج عنها المجاعة والفقر والأمراض كما حدث في اليمن الشقيق.

إن التوازن في العلاقات الأمريكية-الروسية والتفاهم على مجمل الصراعات والنزاعات في أقاليم العالم المختلفة سوف تكون له انعكاسات إيجابية على السلام والتعاون الدولية ويحول الأمم المتحدة إلى منظمة فعالة لها هيبتها ودورها المحوري ويجعل الدول لا تتجرأ على الدخول في حروب أو صراعات لأن الحساب ضدها سيكون عسيرا، وهذا يعطي للعالم وجها أخلاقيا وإنسانيا افضل لتتفرغ الإنسانية من دول وحكومات ومنظمات مجتمع مدني إلى خدمة القضايا المحورية في العالم وأهمها الثالوث الخطير المرض والفقر والجهل الذي لا يزال يسيطر علي مناطق عديدة خاصة أفريقيا والتي تحتاج إلى جهود تنموية كبيرة لانتشالها من أوضاعها الصعبة وكذلك الحال من أجزاء من آسيا وأمريكا الجنوبية.