أفكار وآراء

البحث العلمي والتطبيق

10 مارس 2018
10 مارس 2018

سالم بن سيف العبدلي / كاتب ومحلل اقتصادي -

يعتبر البحث العلمي المحرك الأساسي للاقتصاد والتنمية وتخصص بعض الدول المتقدمة أكثر من 20% من ناتجها المحلي للبحث العلمي على اعتبار أن هذا العمل في النهاية سوف يعود على الاقتصاد الوطني بالفائدة فمن خلاله يتم ابتكار منتجات وسلع جديدة وتطوير صناعات قائمة وكل المنتجات التي نستخدمها الآن لم تأت من فراغ أو بمحض الصدفة وإنما جاءت بعد دراسات وبحوث مضنية بعضها استمر لعشرات السنين.

يلعب القطاع الخاص دورا مهما في البحث العلمي فهناك العديد من الشركات العالمية تقوم حاليا بإجراء بحوث لتطوير منتجاتها وابتكار أنواع جديدة منها والشركات العالمية تتنافس اليوم للوصول إلى أجود المنتجات، ففي مجال الاتصالات على سبيل المثال نلحظ التنافس المحموم بين شركتي أبل الأمريكية وسامسونج الكورية على إنتاج الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية المحمولة وكل منتج من منتجات هاتين الشركتين يمر بمراحل متعددة من البحث والتجربة قبل أن يصل إلى المستهلك وتحاول كلا الشركتين كسب مستهلكين جدد من خلال تصنيع أنواع جديدة من تلك الأجهزة تكون بها مزايا أفضل وتتوافق مع أذواقهم .

يقوم مجلس البحث العلمي ومنذ إنشائه في عام 2005 بموجب المرسوم السلطاني رقم 54/‏‏‏‏ 2005 بجهود عديدة لدعم البحث العلمي في السلطنة فهناك برامج لدعم البحوث وبرامج أخرى لدعم الابتكار ويقدم المجلس منحا للطلبة والمختصين والخبراء لأجراء العديد من البحوث في مختلف المجالات كالزراعة والأسماك والطاقة والتعدين وفي الطب والهندسة وتقنية المعلومات وغيرها من المجالات العلمية.

لدى المجلس برنامج لتحويل مشاريع التخرج التقنية إلى شركات ناشئة والذي ينفذه للعام الثاني بالتعاون مع عدد من الشركاء لتوفير الدعم المادي والاحتضان والتدريب للمشاريع الطلابية لتحويلها إلى شركات قائمة على المعرفة حيث يتم حاليا احتضان ثلاث شركات طلابية كمخرجات النسخة الأولى للبرنامج هذا البرنامج ينبغي أن يتم تطويره وزيادة عدد المشاريع التطبيقية التي ينفذها بالشراكة مع القطاع الخاص والمؤسسات الأخرى ذات العلاقة.

جامعة السلطان قابوس من جانبها أيضا تقوم بإجراء بحوث متعددة وفي مختلف المجالات فقد اعتمدت الجامعة مؤخرا 70 بحثا داخليا تمثلت في عدة قطاعات حيوية ومهمة كالمشاريع الاجتماعية والاقتصادية والتربوية والصناعية والأسماك وقطاعات الاستخراج وتوليد الطاقة والصحة والخدمات وغيرها من المجالات المهمة.

وأشارت نشرة (تواصل) التي تصدرها جامعة السلطان قابوس بشكل دوري إلى أن التكلفة السنوية لهذه البحوث تصل إلى نصف مليون ريال عماني توزع على كليات الجامعة حسب نشاطها البحثي وهناك منح تأتي من منظمات عالمية وإقليمية إضافة إلى منح المكرمة السامية للبحوث الاستراتيجية والتي يصل عددها إلى 120 مشروعا بحثيا يتنافس عليها عدد من الخبراء والأكاديميين داخل الجامعة وتتجاوز اعتماداتها السنوية 4 ملايين ، ونحن هنا لسنا في صدد تقييم هذه البحوث ونتائجها وإنما ما يهمنا في الأمر مصير هذه البحوث والتي ينبغي أن يتم تطبيقها على أرض الواقع فأغلب نتائج تلك البحوث مصيرها الأرفف رغم أنها كلفت الكثير من الجهد والمال.

هناك مبادرات وابتكارات فردية يقوم بها بعض شباب الوطن الذين يمتلكون الفكر والعزيمة إلا أنه ينقصهم التشجيع والدعم الفني والمالي فهم لم يجدوا من يأخذ بأيديهم وبالتالي وقفت تجاربهم ومشاريعهم وابتكاراتهم عند أبواب بيوتهم فهم لم يستطيعوا تطويرها ولا تسويقها بشكل تجاري نظرا لعدم وجود التمويل المناسب فمثل هؤلاء الشباب يجب مساندتهم ودعمهم بشتى الطرق والوسائل.

تم تدشين أول ذراع استثماري للابتكارات برأسمال 50 مليون ريال قبل أكثر من سنة ونعتقد إنشاء هذه الشركة خطوة على الطريق الصحيح وتعتبر هذه أول شركة استثمارية لتمويل المشروعات المبتكرة وهي الشركة العُمانية لتطوير الابتكار القابضة (ابتكار عمان) برأسمال مبدئي 50 مليون ريال قابل للزيادة حسب المتطلبات في المستقبل، وهي ثمرة شراكة بين صندوق الاحتياطي العام للدولة بنسبة 60% وشركة النفط العُمانية بنسبة 35% والشركة العُمانية للاتصالات (عُمانتل) بنسبة 5% من مجلس البحث العلمي إلا أننا حتى الآن لم نر شيئا من أعمال هذه الشركة .

وحسب الخبر فإن الشركة تهدف إلى الاستثمار في المشروعات المبدعة التي يتم ابتكارها في السلطنة، بالإضافة إلى المشروعات المبتكرة عالميا التي تخدم اقتصاد السلطنة من خلال نقل وتوطين المعرفة بما يعود بالنفع على الاقتصاد الوطني بشكل عام، وإلى جانب الدور الذي ستلعبه ابتكار عمان في نقل التكنولوجيا وتوطينها، وتطبيق أفضل الممارسات للمساهمة في تعزيز القطاعات الرئيسية في السلطنة. ستقوم الشركة كذلك بتوفير الاستثمارات اللازمة للشركات الناشئة والتسويق التجاري ومساعدتها على توسيع قاعدة أنشطتها محليا وخارجيا حيث إن استثمارات رأس المال المخاطر هي عنصر مهم لمساعدة الشركات الناشئة على النمو والتطور، وستركز الشركة على الاستثمار بشكل رئيس في قطاعات الطاقة والرعاية الصحية والصناعات والأغذية والمجالات المرتبطة بها.

الأهداف الموضوعة لهذه الشركة كما رأينا طموحة جدا ويبقى السؤال هل ستتمكن من تحقيق تلك الأهداف؟ ومتى يمكن ذلك؟ طبعا الإجابة بـ(نعم) خاصة وان جميع مقومات النجاح متوفرة إلا أن الأمر يتطلب وجود إدارة فعالة تؤمن بأهمية البحث العلمي وتتبناه وفي ظل وجود رؤية وخطة عمل واضحة المعالم وقابلة للتطبيق مع أهمية الابتعاد عن الروتين والبيروقراطية التي دائما ما تقف عقبة في تنفيذ المشاريع يمكن لهذه الشركة أن تنجح، لذا نأمل أن نرى مشاريع هذه الشركة قريبا بإذن الله تعالى.