أفكار وآراء

تطور النظم الرأسمالية - نهج الحمائية الأمريكي هل يقود لحرب تجارية عالمية؟

10 مارس 2018
10 مارس 2018

د. محمد رياض حمزة -

[email protected] -

تتساقط النظريات الاقتصادية تباعا مع تطور أنشطة الإنسان الإنتاجية. إذ لم تعد نظريات وأفكار الاقتصاديين الكلاسيكيين أمثال “ آدم سمِث “ و”ديفيد ريكاردو و” كارل ماركس” و”جون مينارد كينز” تنسجم مع واقع الاقتصاد العالمي. فالنظريات الاقتصادية بشقيها الجزئي والكلي لم تعد صالحة لتفسير المتغيرات المتسارعة في تطور وسائل الإنتاج المادية في الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات. إذ لم يعد الاقتصاد الرأسمالي الذي يعتمد على تفاعلات حرية السوق والقطاع الخاص والمنافسة كما كان عليه في القرنين التاسع عشر والعشرين. كما أثبتت التطورات خطأ النظرية الماركسية في فرض النظام الاشتراكي بقوة الطبقة العاملة والحتمية التاريخية لتطور الاقتصاد وذلك بانهيار الاتحاد السوفييتي والنظم الاشتراكية في شرق ووسط أوروبا بعد فشلها باللحاق بالنظم الرأسمالية اقتصاديا وتقنيا.

واليوم تتهاوى أحلام منظمة التجارة العالمية التي تأسست عام 1995 والمنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس” الذي أسسه “كلاوس شواب” عام 1971. هذان التجمعان الاقتصاديان كان للولايات المتحدة الأمريكية الريادة في صياغة مبادئهما في تحرير التجارة العالمية وإرساء قوانين العولمة الاقتصادية. فالأزمة المالية العالمية عام 2008 أجبرت حكومات دول العالم الرأسمالية الصناعية الكبرى بالتدخل بقوة لإنقاذ مؤسسات القطاع الخاص بضخ بضعة تريليونات من الدولارات بشراء أصول وقروض. وكانت سابقة لم يعرفها النظام الرأسمالي من قبل.

واليوم تقود الولايات المتحدة الأمريكية حملة لتقويض العولمة الاقتصادية وحرية التجارة بتطبيق مبدأ الحمائية التجارية. التي قد تؤدي إلى حرب تجارية عالمية. تتمثل بنهج الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” وتنفيذ وعوده الانتخابية بشأن علاقات الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية مع العالم. متصورا أن بلاده مغبونة في علاقاتها التجارية مع الصين والاتحاد الأوروبي. وأنها تفيد أكثر مما تستفيد. لذلك رفع شعار “أمريكا أولا”. وهو بذلك يخالف نهج سابقيه من الرؤساء. سواء أكانوا من حزبه الجمهوري أم من الحزب الديمقراطي. فالولايات المتحدة كانت القوة الفاعلة الأكبر منذ منتصف القرن الماضي في مؤتمرات منظمة التجارة العالمية والمنتدى الاقتصادي العالمي “دافوس” وساهمت بفاعلية في صياغة العولمة الاقتصادية وتحرير التجارة العامية.

جدير بالذكر أن إجراءات الرئيس ترامب بشأن التجارة جاءت في ضوء ما وعد في خطبته الانتخابية. فسحبَ الولايات المتحدة من اتفاق التجارة في منطقة المحيط الهادئ. ويعتزم إعادة التفاوض مع كل من كندا والمكسيك في اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية “نافتا”.

ومنذ أن أعلن الرئيس “ترامب” عن عزمه بفرض رسوم جمركية على منتجات الصلب والألمنيوم المستوردة بنسبة 10% إلى 25% تصاعدت ردود الفعل على توجه الإدارة الأمريكية. وقال وزير التجارة الأمريكي ويلبور روس: «إن إعلان الرئيس عن تعريفات جمركية مزمعة على واردات الصلب والألمنيوم يبدو أنه ينطبق على جميع الدول». وحذرت أصوات عدة داخل الولايات المتحدة من تصديق الرئيس على هذه الحماية لأنه سيفتح الباب للمعاملة بالمثل من قبل الأسواق الكبرى المستوردة من أمريكا.

وجاءت ردود الفعل من داخل الولايات المتحدة ومن خارجها. فقال صندوق النقد الدولي “إن قيودا أمريكية على استيراد الصلب والألمنيوم ستتسبب بأضرار اقتصادية واسعة النطاق ستشمل الاقتصاد الأمريكي. وحث واشنطن وشركاءها على التفاوض لدرء خطر نشوب حرب تجارية. موضحا أن قيود الاستيراد التي أعلنها الرئيس ترامب من المرجح أن تتسبب في أضرار ليس فقط خارج الولايات المتحدة؛ بل أيضا للاقتصاد الأمريكي نفسه، بما في ذلك قطاعا الصناعات التحويلية والتشييد، وهما مستخدمان رئيسيان للألمنيوم والصلب”

أما رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر فقال “إن الاتحاد الأوروبي لن يكون لديه أي خيار سوى الرد بالمثل إذا نفذت الولايات المتحدة خططا لفرض رسوم جمركية على واردات الصلب والألمنيوم من أوروبا. وإذا فرض الأمريكيون تعريفات جمركية على الصلب والألمنيوم، عندئذ فإننا يجب علينا أن نعامل المنتجات الأمريكية بنفس الطريقة ويجب علينا أن نظهر أننا أيضا يمكننا أن نتخذ إجراءات وإننا نعرب عن أسفنا الشديد لهذه الخطوة، التي تمثل تدخلا سافرا لحماية الصناعة المحلية الأمريكية.. لن نجلس بلا حراك بينما صناعتنا تتعرض لإجراءات غير عادلة تعرض آلاف الوظائف الأوروبية للتراجع سندافع في الاتحاد الأوروبي بحزم عن مصالحنا”.

أما الصين فقد أصدرت تحذيرا للقرار الأمريكي المزمع بفرض رسوم جمركية على واردات الألمنيوم والصلب، مشيرة إلى أنها سوف ترد على أيّ قرار مماثل. وقال “وانج هيجن” رئيس قسم الإصلاح والاستثمار في وزارة التجارة الصينية إن المقترحات الأمريكية لا تتسق مع الحقيقة، مشيرا إلى أن بلاده لها حق الرد في حالة تنفيذ ذلك. وأنه في حالة تأثير القرار النهائي الأمريكي على الصين، فإن بلاده ستتخذ في الحال الوسائل الضرورية لحماية حقوقها، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة بالفعل لديها وسائل حماية مرتفعة على منتجات المحلية من الحديد والصلب. وفي 2017 حققت الصين فائضا تجاريا قياسيا مع الولايات المتحدة بلغ 275.8 مليار دولار. ومع ذلك فقد أعلنت وزارة الخارجية الصينية أن بلادها “لا تريد حربا تجارية” مع أحد بما فيها الولايات المتحدة، لكن بكين لن تقف مكتوفة الأيدي أمام التهديدات الأمريكية لصادراتها. وتفاعلت بكين مع تصريحات ترامب ووجهت له انتقادات شديدة اللهجة، مشيرة على لسان المتحدث باسم الجمعية الوطنية الشعبية (البرلمان) تشانغ يسوي، إلى أن بكين “ستتخذ ما يلزم من إجراءات، ولن تسمح لواشنطن بالأضرار بالمصالح الوطنية الصينية”.

وشددت بكين على ضرورة أن تقوم واشنطن بتوضيح الإجراءات التي تعتزم الإقدام عليها بموضوعية لكي تفهم الأطراف الأخرى النوايا الاستراتيجية للولايات المتحدة، وأن “السياسات التي تؤسس على الأحكام غير السليمة والتصورات الخاطئة ستسيء إلى العلاقات وقد تكون لها عواقب لا يرغب فيها أي طرف”.

وفي هذا السياق نشر ترامب تغريدة على تويتر، ذكر فيها أن لدى الولايات المتحدة عجزا تجاريا سنويا بقيمة 800 مليار دولار. عازيا هذا الأمر إلى السياسات التجارية الحمقاء التي انتهجتها بلاده مع العديد من بلدان العالم مما أفضى إلى توفير وظائف إضافية في بلدانهم على مدار سنوات، مستغلين، بحسب ترامب، حماقة الرؤساء الأمريكيين أسلافه.

وقال المدير العام لمنظمة التجارة العالمية روبرتو أزيفيدو إن الرسوم الجمركية العقابية التي تعتزم فرضها الولايات المتحدة مؤخرا والرد الغاضب من جانب دول مثل الصين والاتحاد الأوروبي تزيد من خطر نشوب حرب تجارية إن الحروب التجارية يمكن أن تحدث في أي وقت وبطرق لا نتوقعها وأن كل ما يتطلبه الأمر هو أن يتخذ عضو تدابير يعتبرها عضو آخر أحادية الجانب ولا مبرر لها ويرد عليها... في اللحظة التي سيحدث فيها الرد سيبدأ هذا التصعيد”.

وسيكون أمام ترامب حتى 11 أبريل 2018 كي يعلن قراره بشأن القيود على واردات الصلب، وحتى 20 من الشهر نفسه لاتخاذ قرار بشأن القيود على الألمنيوم..

في الاقتصاد، (الحمائية) (Protectionism) هي السياسة الاقتصادية لتقييد الواردات من الدول الأخرى من خلال طرق مثل التعريفات الجمركية على السلع المستوردة، وحصص الاستيراد، ومجموعة متنوعة من اللوائح الحكومية الأخرى التي هدفها حماية المنتجات الوطنية.

يجب عدم تناسي تبعات الأزمة المالية 2008 على اقتصادات دول الخليج العربية التي خسرت مؤسسات مالية وحكومات وأفراد مليارات الدولارات. فإن تفاعلت فروض “الحمائية التجارية الأمريكية” وردت عليها أوروبا وآسيا برسوم وضرائب متبادلة، فإن تلك الحرب لابد أن تلحق الضرر بالدول النامية. سيما وقد شهد شهر فبراير تصدعا في معظم أسواق الأسهم المحلية والعالمية نتيجة للتهديدات المتبادلة بين الولايات المتحدة الأمريكية من جهة والعالم من جهة أخرى.