أفكار وآراء

هل تنفرج العلاقات بين الكوريتين بعد نهاية الأولمبياد؟

09 مارس 2018
09 مارس 2018

سمير عواد -

أعد رئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون استقبالا حافلا لشقيقته عند وصوله إلى مطار «بيونج يانج» بعد اختتامها زيارة قامت بها إلى كوريا الجنوبية حيث ترأست بعثة بلادها إلى دورة الألعاب الأولمبية الشتوية الأخيرة. ويؤكد المراقبون أنها توجهت إلى هناك للقيام بمهمة دبلوماسية. فقد نقل التلفزيون الرسمي في كوريا الشمالية مشاهد وصول الشقيقة الصغرى لرئيس البلاد، وقامت ثلة من حرس الشرف بعزف السلام الوطني. وبعد وصولها إلى المقر الرسمي للرئيس أون، قامت بتسليمه تقريرا حول المهمة التي قامت بها. وأعرب الأخير عن سعادته للمهمة التي قامت بها شقيقته المسؤولة عن الدعاية والإعلام، والتي تُعتبر بنظر المراقبين أهم شخص يثق به رئيس كوريا الشمالية الذي يحسب الغرب له ألف حساب. فقد استطاعت عملية توزيع الأدوار في استغلال الألعاب الأولمبية «بيونجشانج» بالشطر الجنوبي بشهادة المراقبين أن تساعد رئيس كوريا الشمالية بخطف الأنظار رغم عدم مشاركته في الحضور. ومن خلال تكليفه شقيقته الصغرى بالمهمة أجمع المراقبون على أنه كان يدير الأمور من على بعد. فحضور شقيقته افتتاح البطولة وابتسامتها لعدسات المصورين، كانت كفيلة بلفت انتباه وسائل الإعلام العالمية التي بدأت تتحدث عن احتمال انفراج العلاقات بين الكوريتين.

كما استغل رئيس كوريا الشمالية مشاركة فريق كبير من بلاده في الألعاب الأولمبية ليقول لمواطنيه البالغ عددهم 25 مليون نسمة، أنه حقق انتصارا سياسيا على الغرب، الذي لم ينجح في عزله بسبب النزاع النووي الدائر منذ وقت بين بيونج يانج وواشنطن ، ووصلت إلى حد الحرب الكلامية وتهديد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتدمير كوريا الشمالية بأسرها. لكن هذه المشاركة وحدها أوقفت الحرب الكلامية ، ولم يعد أحد يهدد الآخر، وتوقفت واشنطن عن اتهامها أون بإجراء اختبارات نووية وتطوير الصواريخ. كما توقف الحديث عن ما حصل بتاريخ الثالث عشر من فبراير 2017، عندما أوعز الرئيس الكوري الشمالي لاغتيال شقيقه كيم جونج نام، الذي كان يعيش في المنفى، عند وصوله إلى مطار كوالالمبور بواسطة المادة السامة VX على أيدي امرأتين تم اعتقالهما من قبل سلطات المطار. ويتهم الغرب أون بتدبير عملية الاغتيال.

واندهش المراقبون لدى رؤيتهم الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن، وهو يستقبل وفدا رفيع المستوى من كوريا الشمالية ومعاملة أعضائه كشخصيات رفيعة المستوى رغم التوتر القائم بين أون والغرب. ورغم نزول بعض مواطني كوريا الجنوبية إلى الشارع والاحتجاج على مشاركة وفد من كوريا الشمالية في الأولمبياد الشتوي، فإن ذلك لم يجعل الرئيس الكوري الجنوبي يتراجع عن دبلوماسية الأولمبياد، ولأول مرة منذ مدة طويلة عاد الحديث عن انفراج في العلاقات بين الكوريتين، وقال مراقبون يبدو إن الأولمبياد وفرت للطرفين فرصة واقعية لوضع تسوية سلام في شبه الجزيرة الكورية. أما البديل للانفراج والسلام فقد دل أسلوب ترامب في التعامل أخيرا مع أون، أنه قد يلجأ في أي وقت للتصعيد.

وبحسب مجلة «دير شبيجل» الألمانية، فإن دبلوماسية الأولمبياد، هي الفرصة الوحيدة في الوقت الراهن لتفادي حدوث مغامرة عسكرية التي حذر من عواقبها أخيرا فيكتور تشا، الخبير الأمريكي في شؤون كوريا الشمالية وقال في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» (إن محاولة تهديد أون قد يدفعه إلى التعجيل في إكمال برنامجه النووي مما قد يؤدي إلى مقتل عشرات ربما مئات الآلاف من الأمريكيين). ويعرف «تشا» حقيقة ما يعنيه، فهو من أبرز المرشحين لمنصب سفير واشنطن في كوريا الجنوبية.

وبحسب المجلة الألمانية، قامت شقيقة أون خلال وجودها في «سول» بتسليم رئيس كوريا الجنوبية رسالة من شقيقها تتضمن دعوة لزيارة كوريا الشمالية في المستقبل القريب. وإذا تمت الزيارة التاريخية فإنها تكون الثانية من نوعها منذ عام 2007. ورد الرئيس مون بدبلوماسية على دعوة رئيس كوريا الشمالية وقال (يتعين على رئيسي البلدين أن يلتقيا لأن ذلك يمهد الطريق لوضع أرضية لعلاقات جيدة بينهما). كما دعا كوريا الشمالية إلى الحوار مع واشنطن. ذلك أن مون يدرك أنه يحتاج إلى دعم الولايات المتحدة الأمريكية القوة الحامية للشطر الكوري الجنوبي والسماح له بزيارة بيونج يانج. وخلافا للرؤساء الكوريين الجنوبيين السابقين، ليس بوسع مون تحويل ملايين الدولارات لكوريا الشمالية، بسبب العقوبات الدولية المفروضة على نظام بيونج يانج.

لكن يتعين على مون إقناع أون بتقديم تنازلات، وعلى الأقل قبول عقد اجتماعات دورية بين كبار العسكريين من البلدين لتجنب حدوث صدامات عسكرية تشعل الحرب بينهما. بالإضافة إلى الاتفاق على الزيارات العائلية التي فرقها النزاع منذ أن نشبت الحرب الكورية قبل أكثر من ستين عاماً، وهذه أهم أمنية يتمناها المواطنون من البلدين. ويخشى المسؤولون في سول أن يطلب أون تنازلات كبيرة من مون مقابل الموافقة على طلباته.

ويحتاج مون إلى انتصار سياسي لزيادة شعبيته في كوريا الجنوبية كي يفوز مرة أخرى بمنصبه في الانتخابات القادمة، ولذا يحتاج إلى النجاح في إقناع بيونج يانج وواشنطن في الحوار لأن استمرار الخلاف بينهما يعرقل زيارته التاريخية إلى بيونج يانج. ولا يستطيع أون رفض هذه الفرصة لأنه يريد إنهاء عزلة بلاده دوليا ويفتقد لأي تأييد، كما سيرتاح ترامب الذي هدد بيونج يانج بعظائم الأمور لأنه لن يحتاج إلى تقديم البرهان على ذلك وسيجنب بلاده الدخول في مغامرة لا أحد يتصور نتائجها. وقد نجح مون بإقناع ترامب بتأجيل المناورات العسكرية المشتركة خلال انعقاد الأولمبياد كخطوة للتعبير عن حسن النوايا. في نهاية المطاف هل يتخلى أون عن أسلحته النووية؟ لا أحد يعتقد ذلك. فبرنامجه النووي هو الذي يضمن له النفوذ وأمر بأن يتضمن دستور البلاد الدعوة لامتلاك بلاده أسلحة نووية. ويتعين عليه الخيار بين ما إذا الأولمبياد وفرت فرصة تاريخية للسلام بين الكوريتين ونهاية التوتر بين بيونج يانج وسول وواشنطن، أم أن الأمر لا يتعدى كون شقيقته الصغرى نجحت بخطف الأضواء من كبار ضيوف الدولة الذين حضروا الأولمبياد.