أفكار وآراء

صفقة القرن... بين الواقع والخيال !!

09 مارس 2018
09 مارس 2018

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

يكثر الحديث في منطقة الشرق الأوسط في الفترة الأخيرة، عما اصطلح على تسميته «صفقة القرن» ، فعن أي صفقة يتحدثون ؟

بالطبع إنها إشكالية الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي والذي يبلغ في مايو القادم سبعة عقود من ضياع الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، وبداية زمن الشتات لشعب عاش آلاف السنين على أرضه، قبل أن يتعرض لأكبر مكيدة في القرن العشرين، وها هي تمتد إلى القرن الحادي العشرين، في ظل انسداد أفق تاريخي وغير مسبوق، جراء التعنت الإسرائيلي التقليدي.

على أنه يعن لنا قبل الدخول في عمق الحديث عن صفقة القرن التساؤل من يقوم على الصفقة وهل هو مرشح لإتمامها كما ينبغي كضامن عادل أن يفعل أم أننا أمام المزيد من تسويف الوقت، ومعه تضيع الجذور التراثية للقضية الفلسطينية؟

خلال الحملة الانتخابية الرئاسية للمرشح الجمهوري دونالد ترامب استمعنا واستمع العالم معنا لمرشح كاد أن يقسم بأغلظ الإيمان أنه الرجل الذي سينهي النزاع الذي طال، وان رؤيته لحل القضية حاضرة على الطاولة بمجرد دخوله البيت الأبيض.

لماذا خيل للكثيرين في عالمنا العربي والإسلامي أن الرجل صادق إلى أبعد حد ومد فيما يخص المسألة الشرق أوسطية؟

في واقع الأمر هناك ما ميز «ترامب» المرشح عن منافسته هيلاري كلينتون والتي وقفت داعمة طويلا جدا للحركات الراديكالية في العالم العربي، وعلى نحو خاص خلال سنوات ما عرف بـ «الربيع العربي»، والذي كان مكذوب ولاشك.

جاء «ترامب» من خارج الوسط السياسي الأمريكي ، ومعني ذلك أن الرجل كان متحللا من ضغوطات جماعات الصالح «اللوبيات» وفي المقدمة منها المجمع الصناعي العسكري، أو هكذا خيل للناظرين، غير أن الحقيقة التي كانت خافية على الجميع، هي أن «ترامب» كان ولايزال مرتكزا على دعم جماعتين: الأولى التي أشرنا إليها سلفا حيث مثلث أصحاب المصانع العسكرية، وجنرالات البنتاجون، عطفا على نواب وشيوخ الكونجرس من أصحاب المصالح، والذين تهمهم بالدرجة الأولى تبرعات كبريات الشركات، عطفا على أصوات الناخبين.

أما الجماعة الثانية والتي لعبت ولاتزال أيضاً الدور الأكبر في رسم سياسات ترامب، فهي جماعة اليمين الأصولي الأمريكي المتشدد، وكنا نظن أنها توارت بعيدا بعد إدارة بوش الابن لكن تبين أنها لا تزال عاملة وفاعلة بقوة في المجتمع الأمريكي، ومعروف أن اليمين الأصولي الأمريكي من أشد أنصار دولة إسرائيل من منطلقات عقائدية بأكثر من كونه داعما لها لأسباب سياسية.

استطاع ترامب ومن خلال كبار جنرالات حملته من جهة، وقادة الدين في اليمين الأصولي الوصول إلى البيت الأبيض، وكان عليه أن يقطع بكثير من الوعود التي ألزم بها نفسه أمام ناخبيه وفي المقدمة منها الاعتراف الأمريكي بان القدس عاصمة لدولة إسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية إليها، الأمر الذي لم يجرؤ عليه أي رئيس أمريكي منذ منتصف تسعينات القرن المنصرم.

لم تكن إذن وعود ترامب عن إنهاء النزاع إلا سرابا ، وهذا ما تبين بعد أكثر من عام له في البيت الأبيض، وقد جاء قراره الخاص بالقدس لينهي آي آمال لدور أمريكي حقيقي في إقرار السلام في الشرق الأوسط، ذلك أن القدس مدينة غير اعتيادية في حياة العالمين العربي والإسلامي، بل هي قدس أقداس، أي جوهر ومبدأ غاية وفضل، ارتباط روحي إيماني ووجداني مسيحي وإسلامي أي أنها تتجاوز فكرة المدينة الجغرافية الاعتيادية بحسب التوصيفات المختلفة.

في هذا السياق كان ترامب يهدم الأسس الحقيقية التي يمكن أن تقود إلى حل النزاع وفي المقدمة منها القدس واللاجئين والمياه والحدود والأمن وفي هذا الإطار أيضاً كانت التسريبات عن الخطة الأمريكية التي يسميها البعض «صفقة القرن»، وفي الأيام القليلة الماضية كانت المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة «نيكي هايلي» والمعروف عنها موقفها تجاه الملف الفلسطيني تصرح بان الصفقة الجديدة لسلام الشرق الأوسط قاربت على الانتهاء... ماذا عن ما يروج عن تلك الصفقة؟

عبر أكثر من مصدر وأكثر من قراءة تتجلى الفكرة الجديدة في إقامة دولة فلسطينية على نصف مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة، أي أن حلم تنفيذ إسرائيل للقرار الأممي 242 أي الانسحاب إلى حدود الخامس من يونيو 1967 قد بات أثرا بعد عين، وبالتالي فإن أي حديث عن القدس الشرقية بوصفها عاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة قد تم إنهاؤه قبل أن يبدأ، ومعنى ذلك أنه على الفلسطينيين أن ينسوا أمر القدس شرقا وغربا مرة وإلى الأبد.... أين يقيم الفلسطينيون إذن دولتهم المتوقعة أو عاصمتها المنتظرة؟

بحسب الخطوط العريضة للصفقة المزعومة، فإن على الفلسطينيين إقامة عاصمة لهم من خلال بناء وتطوير مجموعة من القرى والأحياء المقدسية، وغالبا ما يدور الحديث عن «قرية أبو ديس»، على أن يتحمل المجتمع الدولي تكاليف البناء الخاصة بتلك العاصمة الوهمية.

يتبقى إذن أمر مهم كيف يمكن للمسلمين والمسيحيين من المقدسيين، أصحاب الأرض الأصليين، عبر خمسة آلاف عام الوصول إلى الأقصى الشريف أو كنيسة القيامة؟

تقدم الخطة فكرة ممر يمكن من خلاله الوصول، مع ما في ذلك من مدعاة للحسرة في نفوس أصحاب الأرض الأصليين عبر زمان وزمانين.

ماذا أيضاً عن بقية النقاط الخمس التي تشكل جوهر النزاع بين الجانبين؟

خذ إليك ما يلي؛ بداية لن يكون هناك ما يسمي حق العودة، وأغلب الظن أن التفكير البراجماتي الأمريكي الذي لا يفهم الأمور إلا من خلال مقياس البيع والشراء، والربح والخسارة، سيعمد إلى تقديم فتات مالي بوصفه تعويضات لأصحاب الأرض والدور، أصحاب مزارع الكروم والزيتون منذ أجيال الأجيال.

ملامح «صفقة القرن» المثيرة للرفض تقودنا إلى أن إسرائيل تظل لها السيطرة على الحدود والمستوطنات وباقي مناطق الضفة، ويجرى التفاوض لاحقا على الحدود النهائية بين دولتي فلسطين وإسرائيل، والتساؤل المؤلم هو أين هي تلك الدولة الفلسطينية؟

بحسب ما هو متاح لدينا فنحن أمام كيان لا يرضي طموحات الشعب الفلسطيني، ولا الشعوب العربية والإسلامية معا ، ومرد الأمر أننا أمام دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ومحدودة السيادة، ولا علاقة لها بحدود الرابع من يونيو 1967، إذ ستبقى منطقة غور الأردن تحت السيطرة الإسرائيلية، كما أن المستوطنات الكبرى ستبقى مكانها مقابل تفكيك بعض المستوطنات الصغيرة، والمشكلة التي لم تنص الخطة على تصور لحلها، تتمثل في المستوطنات البعيدة عن حدود الضفة الغربية الفاصلة وحول كيفية توفير الحماية الأمنية لها.

ضمن الحديث الذي ظهر وتوارى ثم اختفى، ذلك المتعلق باستقطاع أراض من سيناء لتوسيع قطاع غزة، وتالياً تعويض مصر عنها بأراض في منطقة صحراء النقب.

الحديث تم ترديده من قبل الإسرائيليين والأمريكيين كنوع من بالون الاختبار، وهناك إثباتات وبراهين عديدة تؤكد على أن الأمريكيين تراجعوا بشكل كبير عن التعاطي مع هذه الفكرة البلهاء، قبل أن ينهي المصريون آمال الأطراف المتآمرة من خلال ثورة 30 يونيو.

ولعل الإرهاب الذي تم تصديره إلى شبه جزيرة سيناء كان يسعى لتحقيق سيناريوهات عدائية سوداء، تجعل من سيناء أرض الفيروز، تجمعاً لأكبر حضور إرهابي في العالم، ولاحقا التذرع بان مصر غير قادرة على صون الأمن والسلامة هناك ، ولاحقا تدويل أزمة سيناء لتخرج من نطاقي السيادة المصرية كلها أو بعض منها لتتحقق الفكرة الأصلية، ما يؤكد عمق العلاقات بين واشنطن وتل أبيب وبقية تلك المجموعات المتطرفة من زمن القاعدة إلى أوان الدواعش، وهذه قصة أخرى.

وفي كل الأحوال فإن العملية العسكرية «سيناء 2018» قد بعثت برسالة لكل القوى الإقليمية والدولية، تحمل الرد المصري على من يود الاقتراب سنتيمترا واحدا من الحدود المصرية، أو يتجاوز شبرا من أرض الفيروز.

كيف تمضي ملامح «صفقة القرن»؟

لعل أفضل من وصف المشهد هو الدكتور «صائب عريقات» أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية والذي أشار إلى أن الرئيس الأمريكي ترامب بدأ بالفعل بعرض المرحلة الأمريكية من خلال الإعلان عن القدس عاصمة لإسرائيل، وسوف تشمل مرحلة عرض الحل على الفلسطينيين والعرب وبشكل تدريجي، فرض إملاءات الحكومة الإسرائيلية حول كافة قضايا الوضع النهائي، ويبررون ذلك بالقول إن كل جهود الإدارات الأمريكية السابقة قد تم رفضها فلسطينياً، ولن تقوم أي قيادة فلسطينية مستقبلية بقبول ما توافق عليه إسرائيل، لذلك فإن إدارة الرئيس ترامب تقول إنها لن تكرر أخطاء ما قامت به الإدارات الأمريكية السابقة، وأنها سوف تفرض صفقة تاريخية بدأتها بان أعلنت القدس عاصمة لإسرائيل، وأنها سوف تحمل الجانب الذي يرفض المسؤولية وتفرض عليه دفع الثمن».

عن أي تسوية ظالمة يتحدثون؟

كارثية المشهد الآني ومن خلال صفقة ترامب، تتمثل في إمكانية أن تمضى إدارة ترامب في ذات الطريق الذي سلكته بشأن القدس أي تغيير الوضع القائم للمدينة المقدسة منذ خمسين عاما لتقرر وضعاً قادماً جديداً عبر القوة والسطوة، بمعني انه يخشى من أن تقوم إدارة ترامب بإعلان خطوط الصفقة ، لتعتبرها إسرائيل في اليوم التالي واقع حال تفرضه بالقوة سيما ، وان الصفقة مطبقة بالفعل من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي التي تسيطر عسكريا على كل مفاصل الضفة الغربية، وتعتبر ان مناطق (ج) هي مناطق إسرائيلية، كما تفصل حدود سيطرة السلطة الفلسطينية على مقاس الاحتلال.

هل ينبغي الجلوس عاقدين الأذرع على الصدور في انتظار قرارات وصفقات ترامب – نتانياهو؟

يستدعي الأمر تحركا عقلانيا فلسطينيا – عربيا، إسلاميا مسيحيا، فالمهدد الآن هو فلسطين بأكملها بعدما ضاع منها، والعالم لم يعد أمريكياً بامتياز، وربما يتطلب الأمر العودة من جديد إلى الجمعية العمومية والتمسك بالحقوق التاريخية، إذ لا يضيع حق وراءه مطالب اليوم وغدا وإلى الأبد، وإلى أن يقضى الله أمرا كان مفعولا.