1269078
1269078
إشراقات

المـرأة.. دور مشــرّف فــي التاريخ الإسلامي

08 مارس 2018
08 مارس 2018

مكانتها في الإسلام -

محمد الزيني -

أستاذ الفلسفة الإسلامية ـ كلية العلوم الشرعية ـ مسقط -

«إن قيم الإسلام تحافظ على عفة الفتاة وصون شرفها واحترام كرامتها لأنها إنسان قبل أن تكون أنثى وهو لا يصادر حريتها في الزواج ولكن يضع قواعد تقيم أسرة نظيفة قائمة على التقدير والاحترام والمودة والمحبة. كما أن الأخطار التي تهب علينا من الغرب والشرق تدفعنا إلى التمسك بالقيم الإسلامية ونعض عليها بالنواجذ، ونحذر شبابنا من الانسياق وراء ذلك. ولعلّ ما نقرأه وما نسمعه عن تدهور الوضعية الأخلاقية للمرأة وفشل تجربة الغرب في الحرية المطلقة، وتفكك مؤسسة الزواج وانتشار الأمراض وتدهور القيم يدفعنا أن نولي مفاهيم الغرب ظهورنا، وننصاع لتعاليم الإسلام فهي الحصن الحصين، والطريق الأمين إلى التقدم والازدهار، والفوز في الدنيا والآخرة».

لعلنا لن نطرح فكرا جديدا حينما نتحدث عن مكانة المرأة في الإسلام، ونشير إلى أن الإسلام كرمها تكريما واسعا، وخاطبها كما خاطب الرجل في نسق واحد (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ووضعها في المكانة التي تليق بها كصنو للرجل وشريكة له في رحلة الحياة وأنيسه الخالد الذي لا غنى عنه في هذا الوجود، بل هي نسيم الصباح الندي الذي يرف على وجه الكادح في الحياة، والشجرة الوارفة التي تضم الجميع تحت حنايا ظلالها الوارفة، والأم التي تعطي للبشرية بلا حدود.

ولكننا نود قبل أن نتكلم عن تكريم الإسلام للمرأة والارتفاع بها إلى ذرى الكرامة وصدارة المجد وقمة الحضارة، نوضح مواقف الحضارات السابقة عن الإسلام، ونرسم فرشة علمية للقضية كما يقول الجاحظ (ت 255 هـ) أمير البيان، أو فذلكة تاريخية كما كان يقدم جورجي زيدان (1914) لقصصه التاريخية التي شغفنا بها في مطلع شبابنا.

ولو رجعنا القهقرى وقلبنا صفحات التاريخ وأردنا أن نتلمس مكانتها في الحضارة اليونانية التي حققت انتصارات في مجال الفلسفة والمنطق والعلوم ومع هذا لم تحظ المرأة بأي دور في الحياة العملية أو في مجال الفلسفة فهي (مسلوبة الحرية والمكانة في كل ما يرجع إلى الحقوق الشرعية) إذ كانت تعيش على الهامش وتابعة للرجل إذا استثنينا المرأة في إسبرطة التي انخرطت في الجيش، وهذا ما أثار غضب أرسطو الذي انتقد وضعية المرأة الإسبرطية.

وعند الرومان نالت حظا كبيرا من الاهتمام لدواعي الترف والمتعة والوجاهة وليس من منطلق الحقوق لأن القوانين كانت تكبلها وتضعها في وضعية الرقيق. وفي الهند انطمست شخصيتها وذابت في سلطان أبيها وابنها دون أن يكون لها اعتبار أو استقلالية وفي حالة وفاة الزوج عليها أن تموت معه وتحرق على الموقد نفسه الذي تحرق جثته.

وقد تميزت الحضارة المصرية بإكرام المرأة ومنحها حقوقا قريبة إلى حد ما من حقوق الرجل فكان لها أن تملك وترث وتتولى أمر أسرتها في غياب زوجها. (العقاد: المرأة في القرآن، نهضة مصر، ص 43)، ومن المعلوم أنها أصبحت ملكة كما رأينا الملكة حتشبسوت (حكمت من 1503 إلى 1482 ق .م) التي امتد ملكها إلى السودان والحبشة وأقامت علاقات تجارية مع بلاد عمان وكانت تستورد منها اللبان والبخور. وكذلك اعتلت كليوبترا سدة الحكم وهي تنحدر من أسرة البطالمة التي حكمت مصر (322 : 30 ق ./‏‏ ).

أما المسيحية فقد أعلت من شأن المرأة نظرا لوضعية السيدة مريم، والتي امتدحها القرآن وتعد صورة نموذجية للمرأة العفيفة المصونة (وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) إلا أن الرهبان وبعض رجال المسيحية قلبوا هذه الصورة الوضيئة ونظروا إليها نظرة تشاؤمية للغاية واعتقدوا أنها صنو الشيطان وادعوا أنها هي التي أغرت سيدنا آدم وزينت له الأكل من الشجرة بإيحاء من وسوسة الشيطان. ومن ثم عدوها مصدر كل رذيلة ورمز لكل شر، وقرر القديس بولس أن عليها أن تهب جسدها للرب دون العبد، أي تسلك طريق التبتل والرهبنة وتكبت دوافعها الفطرية. ونعتقد أن هذا الأمر ضد الفطرة الإنسانية ومناف لمنطق العقل، إذ يقرر علماء النفس والطب أن دافع الجنس يعد دافعا فطريا يولّد الإنسان مزودا به، وبهذا المنطق ندير حربا غير مقدسة بين قوة الدافع الجنسي، والإرادة الخيرة الكامنة في باطنها، بين رغبات الجسد ونداء الجنس وقيم العفة والشرف والفضيلة التي تشربتها منذ نعومة أظفارها، وتصير في عذاب دائم مثل «سيزيف» البائس ـ في الأساطير اليونانية ــ الذي يحمل الصخرة إلى أعلى الجبل وبعد أن يصل إلى قمته تنحط منه إلى الوادي، فيحملها ثانية إلى أعلى وهكذا دون هوادة أو توقف.

وأيد القديس أوغسطين (ت 4 30م) النظرة الدونية للمرأة، فيجب أن تخضع للرجل لأنها ضعيفة النفس والعقل، ورأى توما الأكويني (ت 1273) أن المرأة حيوان غبي معتوه يجب أن يوضع تحت الوصاية دائما. ومن المؤسف أن هؤلاء القديسين كانت لهم علاقات نسائية واسعة وانحرفوا عن طريق العفة وكان على رأسهم أوغسطين الذي سجل ذلك في كتابه «الاعترافات» بل إن بعض البابوات كان لهم أطفال غير شرعيين واعترف بهم المجتمع الأوروبي آنذاك وهذا قمة التناقض والإسفاف والانحلال.

واستمرت هذه النظرية العنصرية للمرأة في أوروبا؛ محرومة من المساواة في الأجر أو حق التملك أو التصويت في البرلمان ليس هذه فحسب بل كانت تباع وتشترى، ومع بزوغ الثورة الصناعية سخرت ووظفت داخل المصانع لاسيما مصانع الغزل والنسيج، مما أدى إلى أصابتها بكثير من أمراض الجهاز التنفسي، ومع التوسع في ميدان الصناعة، أسند إليها أعمالا متنوعة لا تتناسب مع تكوينها البيولوجي، أو قدراتها النفسية والجسمانية، مثل العمل في مجال الحراسة والشرطة، والتجنيد في الجيش، ومنسقة لمكاتب المديرين والانفراد بها أوقاتا طويلة، والاشتغال في أعمال تتطلب أن تسهر ليلا وتمضي الليل كله خارج بيتها، «وحشرت في أعمال مختلفة لتٌيسر السطو عليها، واعتبرت المخادنة تصرفا عاديا، والمراقصة فعلا مشروعا، وارتماء المرأة في أحضان أجنبي عنها شيئا لا غبار عليه، بل إنها تلام إن نقصت عنه» (محمد الغزالي: من هنا نبدأ، نهضة مصر، القاهرة ،2005، ص 160).

غني عن البيان أن نشير إلى مكانة المرأة ما قبل الإسلام فقد هضم حقها وحرمت من الميراث ونظر إليها أنها من سقط المتاع، واتسمت نظرة العرب بقدر غير قليل من عدم الارتياح وقد صور القرآن حال من بُشر بالأنثى.. (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ) نظرا للعادات والتقاليد السائدة التي تضعها في درجة أدنى لأنها مصدر لجلب العار على قبيلتها فضلا عن أنها لا تحارب معهم.

في مواجهة هذه الصورة الكئيبة لوضعية المرأة عبر الحضارات جاءت تعاليم الإسلام تضع قواعد جديدة وترسم صورة مشرقة لوضعيتها السامقة وتحررها من أسر العادات وتهدم التقاليد الذي سجنت داخلها وتخاطبها على سواء وتؤكد حقها في استقلال الشخصية وحق التملك والعمل والتجارة كما رأينا عند السيدة خديجة، وتشارك في الأعمال التي تتفق مع تكوينها البيولوجي وتنسجم مع فطرتها العاطفية واستعدادها النفسي وتشارك في الأعمال التي تنهض بالمجتمع مثل العمل في مجال الدعوة كما رأينا عند الصحابيات وقد رأينا بعضهن يشاركن في الحروب يدافعن عن الأوطان ويداوين الجرحى وكذلك تصديهن للفتوى وفي مجال التدريس والتعليم والطب والتمريض، وفي تاريخ الإسلام أمثلة لا تعد ولا تحصى عن هذه المشاركات الإيجابية، وكان الرسول يستشير زوجاته في أمور الحياة اليومية.

يقول سيد قطب: «لقد كانت وثبة الإسلام بالمرأة وثبة ثورية بالقياس إلى العصر، وما تزال إلى اليوم خطوة إنسانية كريمة لم تزد عليها الحضارة الغربية إلا حرية الاستهتار.. الذي نعلمه ونؤكده أن المرأة الفاضلة ليس لها أن تخشى من الإسلام وحكمه شيئا فقد منحها الإسلام الحرية الواسعة المسؤولة، منحها حق التملك والكسب بالطرق المشروعة ومنحها حرية تزويج نفسها ممن تشاء بلا ضغط أو إرغام، ومنحها حق الخروج والدخول في ثياب محتشمة، لا تثير الشهوات ولا تجعلها نهبا للنزوات».. «معركة الإسلام والرأسمالية».

إن الناظر إلى فلسفة الغرب ودعواته المشبوهة وجهوده الحثيثة لتغريب المجتمع الإسلامي وتصدير مفاهيمه المغلوطة تدعونا أن نحذّر الفتاة المسلمة من الاستماع لهذه الدعوات، أو الانصياع لهذه المفاهيم المغلفة بالكلمات الجذابة، مثل حرية المرأة، لأن هذا المفهوم له مضمون يختلف عن الطرح الإسلامي، ولعلنا جميعا سمعنا عن مؤتمر السكان في بكين (1994) والقاهرة (1995) وكانت قراراته مدمرة ومخجلة، لأنها تبيح العلاقات الجنسية قبل الزواج وتفرّق بين مفهوم الزواج والإنجاب وحرية المرأة في الإجهاض، وكلها دعوات تناقض القيم الإسلامية وأخلاق الفطرة النقية التي جبل عليها الإنسان السوي. فهي تهدف إلى هدم بنيان الأسرة المسلمة وتفكيك مؤسسة الزواج وتحطيم أخلاقيات المسلم التي تربى عليها، وإشاعة الفوضى الجنسية في مجتمعاتنا وهذا كله يفضي إلى تقويض أركان مجتمعاتنا.

إن قيم الإسلام تحافظ على عفة الفتاة وصون شرفها واحترام كرامتها لأنها إنسان قبل أن تكون أنثى والإسلام لا يصادر حريتها في الزواج ولكن يضع قواعد تقيم أسرة نظيفة قائمة على التقدير والاحترام والمودة والمحبة.. (وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

إن الأخطار التي تهب علينا من الغرب والشرق تدفعنا إلى التمسك بالقيم الإسلامية ونعض عليها بالنواجذ، ونحذر شبابنا من الانسياق وراء ذلك وقد صدق محمد أسد في قوله: «إن تقليد المسلمين لطريقة الحياة الغربية لهو بلا ريب أعظم الأخطار التي تستهدف الحضارة الإسلامية».. «الإسلام على مفترق الطرق».

ولعلّ ما نقرأه وما نسمعه عن تدهور الوضعية الأخلاقية للمرأة وفشل تجربة الغرب في الحرية المطلقة، وتفكك مؤسسة الزواج وانتشار الأمراض وتدهور القيم كل هذا يدفعنا أن نولي مفاهيم الغرب ظهورنا، وننصاع لتعاليم الإسلام فهي الحصن الحصين، والطريق الأمين إلى التقدم والازدهار، والفوز في الدنيا والآخرة.