إشراقات

الحماية والرعاية تجسد معاني المواطنة

08 مارس 2018
08 مارس 2018

إعداد - نادر أبو الفتوح -

يقول الدكتور عبد المقصود باشا الأستاذ بجامعة الأزهر في لقائه معنا: إن الإسلام أوجب رعاية وحماية غير المسلمين، الذين يعيشون مع المسلمين في مجتمع واحد، لأن هذا الحق واجب، والمواطنة في الإسلام تعني، أن كل من يعيشون في المجتمع المسلم، هم جزء من هذا المجتمع، لهم كافة الحقوق، وعليهم كافة الواجبات، انطلاقا من مبدأ لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وكل ذلك يأتي في الإطار العام لمبادئ الشريعة الإسلامية، التي تقوم على حفظ النفس، سواء نفس المسلم أو غير المسلم، وكذلك تقوم على حفظ المال، للمسلم أيضا ولغير المسلم، وكذلك حفظ الأعراض، فهذه هي مبادئ الشريعة الإسلامية، التي سبقت كل الدساتير والقوانين المعاصرة، في حماية هذه الحقوق، بل إن الإسلام يحذر من المساس بغير المسلمين، وجعل حرمة أموالهم وأعراضهم، كحرمة مال وأعراض المسلمين.

ويشير إلى أن رعاية وحماية غير المسلمين، الذين يعيشون مع المسلمين، في مجتمع واحد، قد تجسدت هذه الحقوق عبر التاريخ الإسلامي، لأن الشريعة الإسلامية أوجبت حماية غير المسلمين، الذين يعيشون مع المسلمين، من أي عدوان أو أذى سواء من الداخل أو الخارج، لأن حق الرعاية والحماية يعد أحد أسس المواطنة في الإسلام، والنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف (من آذى ذمياً فقد آذاني)، كما قال صلى الله عليه وسلم أيضا في الحديث (أَلَا مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِدًا أَوْ انْتَقَصَهُ أَوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ أَوْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ فَأَنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)، وهذا الحديث الشريف يؤكد أن رعاية غير المسلمين، وحمايتهم من أي أذى، واجب أساسي على المجتمع، ويجب أن يتعاون الجميع، في تحقيق هذا الحق للمسلم وغير المسلم داخل المجتمع، لأن واجب الحماية والرعاية، لا بد أن يتحقق لجميع المواطنين، لأن ذلك يعد تجسدًا لقيم المواطنة في الإسلام.

ويوضح أن الإسلام أوجب هذه الحقوق لكل للمواطنين في المجتمع، وأكد على ضرورة المساواة بين الناس جميعا في هذه الحقوق، لأنه كما أن للوطن حقوق على الإنسان، فإن للفرد حقوق أيضا على المجتمع الذي يعيش فيه، ومن حقه أن يحصل على هذه الحقوق، طالما كان ملتزما بالقوانين والضوابط والأعراف، والحصول على هذه الحقوق، لا يرتبط بكون هذا المواطن مسلم أو غير مسلم، لأن حقوق المواطنة في الإسلام، منحت هذه الحقوق لجميع أبناء المجتمع، وأوجبت على الجميع التعاون في تحقيقها، وذلك حتى تسود العلاقات القوية بين الناس، ويعيش الجميع في ود وسلام، كما أن حق الرعاية، يتمثل في المساواة في جميع الفرص، سواء كانت فرص عمل أو إسكان أو غيرها من الأمور التي تسهل حياة الناس في المجتمع، فالجميع يجب أن يكونوا سواء عند التقدم للحصول على هذه الفرص، لأن ترسيخ هذه القواعد يجسد قيم المواطنة لدى الجميع، لأنه عندما تكون هناك مساواة بين أفراد المجتمع، يتحقق الأمن والأمان، ويشعر كل فرد في المجتمع، أنه له حقوق مساوية للآخر، بغض النظر عن كون الشخص مسلم أو غير مسلم، فهذه الحقوق هي من أسس المواطنة، ويتساوى فيها الجميع، بغض النظر عن الدين أو الجنس.

ويؤكد أن هناك خدمات عامة تقدم لجميع المواطنين، والمواطنة في الإسلام، تستوجب أن يكون هناك مساواة بين الجميع في هذه الحقوق، لأن هذه الخدمات لا يمكن أن ترتبط بعقيدة أو انتماء الشخص، ولكنها ترتبط بالكرامة الإنسانية التي حققتها الشريعة الإسلامية للإنسان، وذلك في قول الله تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)، وكذلك في قوله سبحانه وتعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)، فعندما يحصل كل مواطن على هذه الحقوق الأساسية، عندها يشعر بمعنى المواطنة الحقيقية، وسوف يقوم بأداء دوره على أكمل وجه.

ويضيف أن الإسلام يأمر، بضرورة التعاون بين جميع أبناء الوطن، لتحقيق حق الرعاية والحماية لكل المواطنين، وأن يؤدي كل مواطن دوره في حماية ورعاية من يعول، لأن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الشريف (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئول عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا)، وهذا الحديث يوضح أن كل شخص يتحمل مسئولية في مكانه، فالموظف المسلم أو غير المسلم، مطالب بأن يرعى كل من يعملون معه، وأن يمنحهم حقوقهم، ويدافع عنهم ويقدم لهم كل الوسائل التي تساعدهم في العمل، وهذه الرعاية والحماية، لابد أن تقدم لجميع الموظفين، الذين يعملون مع هذا الشخص، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، لأن تمييز أحدهم بناء على الدين أو الجنس، أو غير ذلك، يتنافى مع مبادئ المواطنة، كما يتنافى مع تعاليم الشريعة الإسلامية، التي أمرت بالعدل والمساواة بين الجميع، فحق الرعاية والحماية، يعني قيام المجتمع بدوره في مساعدة الفقراء والمحتاجين، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين، وهذا تجسيد لمعني المواطنة في الإسلام.