أعمدة

توعويات: رواندا من الجحيم إلى النعيم

07 مارس 2018
07 مارس 2018

حميد بن فاضل الشبلي -

[email protected] -

‏‫من منا لا يتذكر حرب الإبادة الجماعية في رواندا عام 1994م، التي تعرض لها قرابة مليون شخص من أبناء قبيلة التوتسي ومن تعاطف معهم من قبيلة الهوتو، تلك الإبادة الوحشية التي قادتها مليشات الهوتو المتطرفة، حيث سجلت الأرقام أن ‎%‎75 من التوتسيين قد قتلوا، وأن مئات الآلاف من النساء قد تعرضن للاغتصاب في ذلك العام، لقد نقلت لنا شاشات التلفزة مناظر الجثث المتكدسة في الطرقات، والسواطير والفؤوس التي استخدمتها المليشيات في ذبح وقتل رجال ونساء وأطفال التوتسي، في ذلك العام رائحة الموت منتشرة في كل مكان، المدارس والمستشفيات ودور العبادة لم تسلم من بطش أولئك الوحوش البشرية، كذلك تم دفن عشرات الآلاف من البشر وهم أحياء، وأحرقت مئات القرى والبلدات بمن فيها من الإنسان والحيوان، لقد عاشت رواندا الجحيم خلال 100 يوم من عام 1994، حيث تحولت جماعة من المجتمع الراوندي إلى وحوش وشياطين نزعت الرحمة من قلبها، لتقوم بممارسة أبشع وأشنع الجرائم التي عرفتها البشرية في تاريخها.

في الحقيقة الذي جعلني أستذكر الواقعة المرة والبشعة التي حدثت عام 1994م في رواندا، هو ذلك التحول الذي طرأ على هذه الدولة في السنوات الثلاث الأخيرة، ومن ثم بسط الأمن والأمان والتنمية الشاملة في قلب إفريقيا الاستوائية، ونسيان الماضي الأليم والمحزن لحياة الشعب الراوندي، وبعد عملية بحث وتقصٍ وجدت أن رواندا اتبعت نظاما قضائيا تقليديا لأجل تحقيق المصالحة عرف باسم (جاكاكا)، وهو قانون عرفي يمكن من خلاله التعامل مع مئات الآلاف من الأشخاص المتهمين بجرائم حرب الإبادة الجماعية، وبموجب هذا القانون يتم تجميع سكان القرى بأكملها، لكي يشهدوا على عمليات الاعتراف للمخطئين وتشجيع الضحية على العفو والغفران، مع إمكانية وضع تعويضات للضحايا متمثلة في تكليف المتهمين بحرث أراضي الضحايا أو في أعمال مشابهة لذلك.

وبهذا لم ينتظروا من الأمم المتحدة لحل مشاكلهم، بل استخدموا أسلوب المصالحة الوطنية ونسيان الآم الماضي، وبذلك هم نجحوا في تحقيق الوئام والاستقرار، لذلك قامت رواندا بتسريح جميع المقاتلين ودمجهم في المجتمع، وكذلك عملت على عودة اللاجئين والمهاجرين، حيث نجحت في عودة ما يزيد عن ثلاثة ملايين لاجئ، ولذلك مجتمع رواندا اليوم يتمتع باحترام متبادل لأفراد شعبه، وأصبحت المؤسسات تقدم خدماتها للجميع بدون تمييز، ولم يعد هناك تفرقة بين الهوتو والتوتسي، وحيال ذلك فإن الشعب الرواندي يقول (اننا كلنا روانديون ورواندا هي بلدنا)، ونتيجة تحكيم العقل تحولت رواندا الى مركز اقتصادي وتكنولوجي مهم في المنطقة، كذلك اشتهر فيها الأمن والأمان والسلام، وثمرة تلك الجهود نجحت هذه الدولة في جلب اكثر من مليون سائح عام 2014م، كذلك اختيرت كيجالي عاصمة رواندا عام 2015م كأجمل مدينة أفريقية، هذه التجربة الفريدة من نوعها في تحكيم العقل والنظر للمصلحة العامة على المصلحة الخاصة، أين هي اليوم في كثير من بلدانا العربية والإسلامية، التي مزقتها الحروب والفتن والاغتيالات.

متى سيتم تقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، مؤسف ما نشاهده من غل وحقد في أمتنا بين دولة وأخرى وكذلك بين الطوائف والأحزاب في الدولة الواحدة، فهل حكمنا العقل ومستقبل الأجيال القادمة على القتال والصراع لأجل المال والكرسي.