الملف السياسي

مؤتمر الأمن في ميونيخ ينعى النظام العالمي

05 مارس 2018
05 مارس 2018

سمير عواد -

لا حل في الأفق للازمة الأوكرانية رغم انعقاد لقاء على هامش المؤتمر ضم أطراف مجموعة النورماندي ولم يتم التوصل إلى موقف يستحق الذكر، ولاسيما بشأن الاقتراح المتعلق بنشر قوة من القبعات الزرقاء لمراقبة التزام أطراف الأزمة بالاتفاقية المبرمة منذ أربعة أعوام والتي يستعصي حلها.

نادرا ما نشأ شعور لدى المشاركين من قادة دول ووزراء الخارجية والدفاع وخبراء السياسة الخارجية من مختلف أنحاء العالم في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي ينعقد تقليديا في مدينة ميونيخ منذ أن أسسه إيفالد فون كلايزت في عام 1963 وأصبح منذ عقود ثاني أهم ملتقى عالمي لمناقشة القضايا والأزمات بعد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، أن العالم أمام انعطافة خطيرة، وأن النظام العالمي قد باء بالفشل.

ورغم أن السفير الألماني فولفجانج إيشينجر، الذي يملك شبكة واسعة من الاتصالات حول العالم، قد نجح هذا العام في إقناع عشرين زعيم دولة بالمشاركة في المؤتمر، إلا أن السياسيين المتنافسين قد أتوا إلى العاصمة البافارية من أجل صب الزيت على النار وليس من أجل طرح تصوراتهم حول حل النزاعات التي هم طرف فيها، وخاصة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي جاء ليستفز العرب وإيران.

هذا هو استنتاج إيشينجر بعد ختام مؤتمر ميونيخ للأمن (16-18 فبراير)، علما أن المؤتمر يوفر كل عام في مثل هذا الوقت، فرصة للسياسيين من أنحاء العالم للحوار في غرف فندق «بايريشر هوف» وطرح أفكارهم وتصوراتهم حول حل النزاعات التي زاد عددها بصورة كبيرة في العامين الأخيرين. ومن وجهة نظر المعلقين الألمان فإن العالم يقف على حافة انعطافة خطيرة في ظل التوتر الذي تمر به العلاقات بين واشنطن وموسكو. فالسياسة الخارجية الأمريكية تغيرت رأساً على عقب بعد استلام دونالد ترامب منصبه قبل عام، ومن جهة أخرى، يواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في استغلال مناطق النزاعات التي ليس للولايات المتحدة الأمريكية نفوذ فيها أو تضاءل فيها النفوذ الأمريكي،مثل سوريا.

ولم يكن بين الذين اعتلوا المنبر أكثر تشاؤما ووضوحا مثل زيجمار جابرييل، وزير الخارجية الألماني، الذي قال أن العالم على شفير الهاوية. ورغم اعتقاد العديد من المراقبين أن جابرييل الذي ينتمي إلى الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، استغل المؤتمر لا ليحذر المجتمع الدولي من خطر النزاعات الدائرة، بل ليعزز فرصته في أن يحتفظ بمنصبه إذا تم تشكيل ائتلاف بين الاتحاد المسيحي والحزب الاشتراكي.

وفيما يلي مختصر حول القضايا الرئيسية التي أثيرت خلال المؤتمر:

• غابت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن المؤتمر ومثل ألمانيا كل من الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، ووزير الخارجية الألماني زيجمار جابرييل ووزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دير لاين. تم انتقاد الرئيس الأمريكي ترامب بشدة. وأكد المسؤولون الأوروبيون في كلماتهم أن علاقات بلادهم مع الولايات المتحدة الأمريكية تعاني من توتر خطير.

وعلى الرغم من مجيء وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس إلى ميونيخ إلا أنه خيب آمال الجميع لامتناعه عن إلقاء كلمة يحدد فيها معالم السياسة الأمريكية في العهد الجديد. وبحسب المراقبين فإن التزام المسؤول الأمريكي الكبير، الصمت المطبق رغم الأزمات وأهمية المؤتمر والحاجة الماسة لمعرفة الموقف الأمريكي منها، علامة على أن الولايات المتحدة قررت فعلا الانسحاب من مكانها كقوة لحفظ النظام العالمي، والعمل بمقولة (أمريكا أولا)، وهو الشعار الذي رفعه ترامب خلال الحملة الانتخابية، وأنها تعمل فقط إذا ضمنت تحقيق أرباح.

• عبر وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن موقف متشدد حيال أوروبا التي قال إنها عادت إلى العصر النازي، ولم يبد استعداد بلاده للتنازل في الأزمة الأوكرانية ولاسيما تنفيذ موسكو اتفاقية «مينسك» التي يشترطها الأوروبيون مقابل إلغاء العقوبات التي فرضوها ضد روسيا.

• لا حل في الأفق للازمة الأوكرانية رغم انعقاد لقاء على هامش المؤتمر ضم أطراف مجموعة النورماندي ولم يتم التوصل إلى موقف يستحق الذكر، ولاسيما بشأن الاقتراح المتعلق بنشر قوة من القبعات الزرقاء لمراقبة التزام أطراف الأزمة بالاتفاقية المبرمة منذ أربعة أعوام والتي يستعصي حلها.

• الوضع في منطقة الشرق الأوسط لا يُبشر بالخير وكل الدلالات تشير إلى احتمال التصعيد. فقد جاء رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليهدد إيران ولم يحمل في جعبته أي خطة للسلام مع الفلسطينيين الذين لم يتوقعوا ذلك منه. وتردد وراء الكواليس أن الولايات المتحدة الأمريكية سوف تواصل تأييد ودعم السياسة الإسرائيلية المتشددة، الأمر الذي يؤدي إلى فوضى في المنطقة. ولم يتكلف محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني عناء الرد على نتنياهو ووصف ظهور رئيس الوزراء الإسرائيلي على منبر المؤتمر بالسيرك الهزلي وقال أن ذلك لا يستحق الأخذ على محمل الجد.

• تردد وراء الكواليس أن الاتفاقية بشأن البرنامج النووي الإيراني مهددة بالإلغاء أكثر من أي وقت مضى. إلى جانب إسرائيل أكد دبلوماسيون أمريكان عزمهم فرض عقوبات جديدة ضد إيران بحجة دعما ميليشيات في سوريا ولبنان .

وقال مراقبون إن الضغط يشتد على الأوروبيين للموافقة على فرض عقوبات جديدة وسيتم خلال الأسابيع القليلة القادمة تصعيد هذه الضغوط ليتم التقليل من أهمية الاتفاقية النووية.

• كشف تقرير استحقاقي نشرته صحيفة «زود دويتشه» الألمانية قبل أيام، أنه كان على وشك وقوع عارض يؤثر سلبا على العلاقات الألمانية الإيرانية، عندما رفضت سلطات مطار ميونيخ في البداية تزويد طائرة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بالوقود للعودة إلى بلاده. وقيل أن السبب هو استمرار العقوبات الدولية ضد إيران. وطبقا للصحيفة تم حل المسألة بعد تدخل وزارة الخارجية الألمانية وبذلك تم تفادي حصول أزمة دبلوماسية بين ألمانيا وإيران.

وفي ضوء كل هذه المواقف أعرب السفير الألماني إيشينجر، رئيس مؤتمر ميونيخ للأمن عن خيبة أمله لعدم حصول تقدم لحل أي من النزاعات والأزمات الدائرة،وقال لقد سمعنا ما هي الأخطار التي تهدد العالم ولكن لم يتطرق أحد إلى خطوات محددة لمواجهتها وهذا مؤسف جداً.