أفكار وآراء

مسار خطر وعلى إسرائيل تجنبه

28 فبراير 2018
28 فبراير 2018

داني ياتوم وآمنون ريشيف – نيويورك تايمز -

ترجمة قاسم مكي -

حين خاطب نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس الكنيست في يوم 22 يناير الماضي أرسل النواب المعارضون لحل الدولتين إشارة واضحة بأنهم يرون في اعتراف الرئيس ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل ضوءا أخضرا للمضي قدما بمبادراتهم التي تستهدف ضم أجزاء من الضفة الغربية. جاءت الإشارة من جزأين. ففي أثناء تأكيد بينس التزام أمريكا بالسلام الفلسطيني الإسرائيلي لاذ كل عضو في التحالف اليميني الحاكم بالصمت فيما نهض نواب المعارضة للتعبير عن استحسانهم لقوله. وما هو أكثر مدعاة للذهول، إعلان رئيس الكنيست يولي إيدلشتاين أن إسرائيل ستتولى تطوير البلاد بأجمعها بما في ذلك يهوذا والسامرة مستخدما الاسمين التوراتيين للضفة الغربية كلها. لكن لم تعالج أي من المبادرات التشريعية الساعية لذلك الهدف العواقب التي يمكن أن تترتب عنها على أمن إسرائيل. وهذه هفوة مميتة، احتمالا لأن ما يبدو الآن خاضعا للدراسة الجادة قد تنشأ عنه آثار خطيرة، على أمن إسرائيل، ويمكن أن يقوض المصالح الأمريكية في أرجاء الشرق الأوسط. ليس مصادفة أنه لا يوجد من بين الاقتراحات ما يشير إلى ضم كامل الضفة الغربية. فحتى أشد النواب حماسا يدرك أن استيعاب فلسطينيي الضفة الغربية (نحو 2,7 مليون نسمة) يهدد وجود إسرائيل كدولة يهودية وديموقراطية. ترتيبا على ذلك فإن أولئك الذين يسعون إلى سد الطريق أمام احتمال الانفصال عن الفلسطينيين من خلال نظام الدولتين يبحثون عن «ضم مترف» بإلحاق أكبر قدر من الأراضي مع أقل قدر ممكن من السكان. وشملت المقترحات المتنافسة التي طرحت بحلول نهاية يناير الماضي ضم كل المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، دون مَسِّ المناطق المأهولة بالفلسطينيين. هنالك مقترح آخر بضم الكتلتين الاستيطانيتين غوش عتصيون وآرييل بالإضافة لوادي الأردن. بل يوجد مقترح آخر يإيجاد منطقة تسمى «القدس الكبري» وربما أن المقترح الأكثر شعبية وسط دعاة الضم كان الأكثر تطرفا وهو مقترح وزير التعليم نافتالي بينيت الداعي إلى الاقتصار على ضم 60% من أراضي الضفة الغربية المسماة المنطقة ج (تحتل الكتل الاستيطانية الكبرى لإسرائيل الآن حوالى 7% من المنطقة ج.) وتحيط هذه المنطقة بحوالي 169«جزيرة» من البلدات الفلسطينية (المنطقة أ) والقري الفلسطينية (المنطقة ب.) ولن يتم ضم هذه التجمعات السكانية الـ 169 المنتشرة في أرجاء المنطقة ج والمعزولة عن بعضها البعض والتي تشكل نسبة الـ40% المتبقية من مساحة الضفة الغربية. تلك هي الخطة. لكن كيف يمكن تطبيقها عمليا؟ ماذا سيكون مصير 300 ألف فلسطيني المقيمين الآن في المنطقة ج؟ يملي المنطق على إسرائيل منحهم حق المواطنة أو حق الإقامة الدائمة المساوية لوضعية الفلسطينيين المقيمين في القدس الشرقية. وسيترتب عن كلا الوضعيتين حرية التنقل في أرجاء إسرائيل. وعلى الرغم من أن الانتقال من الضفة مقيد بالجدار الأمني إلا أن قلة من «المسلحين» تتمكن من الآن من دخول إسرائيل في الوقت الحاضر. ومع ضم المنطقة ج سيكون تمييز المسلحين القليلين الذين يسعون لقتل الإسرائيليين من بين 300 ألف فلسطيني «إسرائيلي» من المنطقة ج (الذين لا تقف أمامهم أية عقبة للدخول إلى إسرائيل) شاقا ومكلفا. وستشكل إقامة الحواجز المادية المطلوبة لمنع المقيمين في المنطقتين أ و ب من الدخول إلى المنطقة ج في طريقهم إلى إسرائيل همّا أمنيا مرعبا. ويلزم معاملة أسوار كل الجزر الفلسطينية الـ 169 كحدود دولية. ومن أجل فصل الأرض التي يتم ضمها من الجزر المحيطة بها سيلزم بناء حواجز جديدة بطول 1200 ميل إلى جانب مئات البوابات الأمنية التي تمكن من ضبط تنقل الفلسطينيين من جيب إلى آخر أو من جيوبهم إلى أرضهم في المنطقة ج (التي يملك الفلسطينيون 75% منها).

وستكون تكلفة بناء مثل هذا الجدار حوالى 10 بليون دولار. أما تكلفة بناء بوابات على طوله إلى جانب الترتيبات الأمنية المرتبطة بها فستزيد كثيرا عن ذلك. وسيعتبر الفلسطينيون الضم الإسرائيلي إجراء مغيرا لقواعد اللعبة (تحولا جذريا) يمنع تطبيق خيار قيام دولة فلسطينية قابلة للبقاء. وستنهار السلطة الفلسطينية وسيكون على إسرائيل فرض القانون العرفي وتقديم الخدمات الأساسية لكل الفلسطينيين في الضفة الغربية. لقد قدَّر وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان التكلفة السنوية للأمن الاجتماعي فقط للفلسطينيين بحوالي 6 بلايين دولار. ويمكن أن تكلف خدمات الصحة والتعليم سنويا 5 بلايين دولار أخرى. ومع انهيار السلطة الفلسطينية سيختفي التنسيق الأمني الفلسطيني الإسرائيلي. وستوجه قوات فلسطينية عديدة أسلحتها ضد الإسرائيليين. ومن المرجح جدا أن ينفجر الشارع الفلسطيني. وسيدفع ذلك جيش إسرائيل وجهاز أمنها الداخلي (شين بيت) إلى تولي المسؤولية الأمنية الكاملة ليس فقط في المنطقة ج ولكن أيضا لملايين الفلسطينيين في المنطقتين أ و ب اللتين تعمل فيها الآن أجهزة الأمن الفلسطينية في تنسيق وثيق مع قوات الدفاع الإسرائيلية. وهذا بدوره سيتطلب ضرورة زيادة حجم وجود هذه القوات حول الضفة الغربية. ولا يمكن للجيش القائم القيام بهذه بالمهمة لوحدة، الأمر الذي سيتطلب استدعاء الاحتياطي.

وهذا أيضا سيشكل عبئا على الاقتصاد الإسرائيلي، ويضعف بشدة من مستوى الاستعداد العسكري تجاه المهددات الأمنية الأخرى الأكثر مباشرة، من سوريا، حيث تسعى إيران إلى تأسيس وجود لها هناك، ومن لبنان، حيث صار حزب الله أكثر خبرة في القتال. وقد لا تكون الحكومات العربية قادرة على تجاهل التعبيرات الداخلية العنيفة للغضب من تصرفات إسرائيل. لذلك قد لا تستمر علاقات إسرائيل الدبلوماسية والأمنية الحالية في المنطقة. وستختفي فرص إقامة علاقات إضافية.

كما ستتعرض للخطر أيضا علاقة إسرائيل مع الجالية اليهودية الأمريكية حيث ستزيد محاولات الضم من نفور أعداد كبيرة من اليهود الأمريكيين وتسرِّع من ابتعاد شباب اليهود عن إسرائيل. وهذا اتجاه مزعج يقوض ركيزة أساسية لأمن إسرائيل في الأجل الطويل. ولن تعاني إسرائيل لوحدها فقط. فكل هذا سيشكل مصدر قلق لإدارة ترامب بتقويضه جهودها لتشكيل تحالف إقليمي بقيادة الولايات المتحدة يستثمر موارد إسرائيل وبلدان المنطقة المعتدلة لوضع حد لطموحات إيران الإقليمية. وهذا هدف يخدم المصالح الإستراتيجية لكل الأطراف. نحن الاثنان جنرالان إسرائيليان سابقان ولكننا لسنا وحدنا في الاقتناع بهذه الأفكار. فهي مؤسسة على نتائج توصل لها فريق عمل من شبكة تتشكل من أكثر من 275 جنرالا متقاعدا من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، يرون أن حل الدولتين هو في النهاية ضروري لأمن إسرائيل، وأيضا لطبيعتها اليهودية والديموقراطية. قد لا يكون حل الدولتين مطروحا عما قريب. لكن يجب أن يظل الحفاظ على شروط الانفصال النهائي عن الفلسطينيين هدفا إستراتيجيا أساسيا لإسرائيل. ولا يمكن السماح لأحلام جامحة بتقويضه. إن اقتراح المسؤولين الإسرائيليين بضم الأراضي الفلسطينية وتحريض الأمريكيين لهم على ذلك، إذا كانوا يهتمون على الإطلاق بإسرائيل يشكلان ذروة انعدام المسؤولية.

* الكاتبان، ياتوم لواء متقاعد عمل مديرا لجهاز الموساد وعضو لجنة تسيير شبكة «قادة من أجل أمن إسرائيل» ريشيف لواء متقاعد سبق له تولى قيادة سلاح المدرعات الإسرائيلي ورئيس الشبكة.