أفكار وآراء

أجندة عمل هيئة التحكيم

28 فبراير 2018
28 فبراير 2018

د. عبد القادر ورسمه غالب -

[email protected] -

مع العمل في بداية القرن الماضي في محكمة التحكيم في غرفة التجارة الدولية، ظلت محكمة التحكيم تحرص عند بداية كل تحكيم، علي وضع «أجندة عمل هيئة التحكيم» في إطار عام يتم عرضه على الأطراف المحتكمة للاتفاق عليه واعتماده أو إضافة أو حذف فقرات منه وفي النهاية يتم التوقيع على الصيغة النهائية لبرنامج أجندة العمل أو شروط عمل هيئة التحكيم المتفق عليها.

وهذا الوضع يشبه ما يعرف بوضع نقاط النزاع أمام المحكمة المدنية قبل السير في إجراءات الدعوى. وتناول وتحديد أجندة العمل «تيرمز أوف رفرنس» يعتبر من أهم المميزات التي يتميز بها عمل محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية، ويلعب دورا في تسهيل العملية لهيئة التحكيم وللأطراف وكذلك لبقية الجهات خاصة عندما يتم الطعن بالنقض لعدم تغطية جميع النقاط المتنازع عليها أو لعدم قيام الهيئة بمهمتها.

كان يتوجب على «هيئة التحكيم» وضع شروط وأجندة العمل في البداية وكحد أقصى قبل البدء في إجراءات السماع. وكان على هيئة التحكيم رفع شروط العمل لمحكمة التحكيم للحصول على موافقتها، ولكن حرصا على كسب الوقت تم صرف النظر عن الحصول المسبق على موافقة محكمة التحكيم بل يكتفى بما قامت به «هيئة التحكيم» بنفسها، وفي حالات كثيرة يتم أو تم أخذ «شروط أجندة العمل» التي وقعها الأطراف كأنها الوثيقة الأساسية لاتفاقهم على التحكيم.

وبالرغم من أن البعض يعتبرون أن إعداد «شروط أجندة العمل» قد يستغرق وقتا محسوبا على التحكيم إلا أن وضعها في بداية إجراءات التحكيم تبين له فوائد عديدة من أهمها اتفاق الأطراف المحتكمة وهيئة التحكيم على هيكل النزاع والتفاصيل الأساسية المرتبطة به، وهذا كذلك يمحنهم الفرصة لوضع بعض الأمور الإجرائية مثل اختيار القانون الواجب التطبيق وكيفية تعيين أو إعادة تعيين هيئة التحكيم ومكان التحكيم .... وغيره.

من الفوائد أيضا، أن كل طرف يضع طلباته ويعرف حدودها وكذلك الطلبات المقابلة وحدودها، والوصول لهذه المرحلة لا يتم إلا بعد النقاش واستعراض التفاصيل وفلترة الطلبات لتحديد ما هو مطلوب فعلا وما هو معترض عليه فعلا. وتحديد كل هذه التفاصيل يسهل الأمر أمام هيئة التحكيم التي عليها تناول هذه التفاصيل ووضع رأيها حيال كل نقطة في قرارها النهائي.

وفق نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية، على «هيئة التحكيم» وبمجرد استلامها لملف التحكيم من سكرتارية الغرفة القيام بالاطلاع على التفاصيل الضرورية والمستندات المرفقة بغرض وضع الـ «تيرمز أوف رفرنس» شروط أجندة العمل في وثيقة واحدة لعرضها على أطراف النزاع. وهذه الوثيقة تتضمن العديد من النقاط منها مثلا، أسماء وصفات الأطراف المحتكمة، عناوين الأطراف التي يتم مخاطبتهم عبرها لأغراض التحكيم، موجز لطلبات الدعوى وما يطلبه المحتكم من الهيئة والمبالغ المطلوبة وكذلك موجز للطلبات المقابلة والدفاع وإذا هناك طلبات مقابلة وقيمتها، تفصيل نقاط النزاع بين الأطراف المحتكمة، أسماء وعناوين أعضاء هيئة التحكيم، مكان التحكيم، تفاصيل عن القانون الواجب التطبيق على النزاع والإجراءات اللازم اتباعها، وربما بعض التفاصيل المتعلقة بسلطات هيئة التحكيم وهل يجوز لها مثلا اتخاذ إجراءات للصلح من عدمه أو أي تفاصيل أخرى متعلقة باختصاص هيئة التحكيم أو المحكم.

كانت «شروط أجندة العمل» لا تتناول تفاصيل كثيرة بل تعطي وصفا عاما عن الأطراف وهيئة التحكيم ولكن بموجب التعديلات الأخيرة لنظام تحكيم غرفة التجارة الدولية أصبح إلزاميا الإشارة لبعض النقاط في هذه المرحلة ومن أهمها وضع موجز لطلبات أطراف النزاع «الادعاء والدفاع»، وضع قائمة تتضمن نقاط النزاع بين الأطراف (هذه نقطة مهمة جدا لدى محاكم القانون العام الانجليزي ولا بد من اتباعها في القضايا المدنية والاتفاق عليها بين الأطراف والمحكمة قبل بدء السماع، ودائما في هذه المرحلة تظهر مقدرات وملكات القاضي في تمكنه من صياغة نقاط النزاع بصورة واضحة وكاملة)، تفاصيل القانون أو القوانين الواجبة الاتباع علي النزاع والإجراءات القانونية المرتبطة بها وربما يتم إضافة الفقرات الخاصة بشروط التحكيم .... هذه النقاط الآن يجب أن يتم وضعها في الـ«تيرمز أوف رفرنس» وإلا أصبحت خاوية ومخالفة للنظام.

وكلما كانت «الشروط الأجندة» واضحة ومحددة المعالم فإنها تعتبر «خارطة طريق» و«منارة» لهيئة التحكيم وكذلك لكل أطراف النزاع لأنها تبين المسالك والطرق التي سيتم سلكها وارتيادها وكيفية تحقيق ذلك، وإذا عرفنا الطريق فإن الوصول لنهايته قد تكون من الأمور السهلة. ولذا فإن هذه المرحلة مهمة جدا لنجاح التحكيم والوصول به لنهاياته في وقت سريع وبطريقة مقبولة.

أن استيعاب الـ«تيرمز أوف رفرنس» يعتبر أهم نقطة لاستيعاب قضية التحكيم وكل ما يرتبط بها وما لكل طرف في التحكيم وما عليه ؟ ودور المحكم أو هيئة التحكيم كبير وأساسي في وضع هذه الشروط وشرحها للأطراف بصورة كافية ونافية للجهالة، وكذلك على أطراف الدعوى اقتناص هذه المرحلة لوضع وعكس قضيتهم بصورة واضحة وكاملة من دون نقص أو زيادة مع عرض وجهة النظر بصورة تمكن الأطراف الأخرى من استيعاب القضية وما يترتب عليها من طلبات وحقوق خاصة وأنهم قد يعترفون لك ببعض الطلبات ويقرون بها.

أذكر في إحدى القضايا، وأثناء نقاش هذه التفاصيل لوضع «شروط أجندة العمل» لتوضيح قضية كل طرف، أن المحتكم ضده «رئيس الشركة في ...» وقف أمام الهيئة وقال إنه لا يعلم بهذه التفاصيل ولم يتم عرضها عليه في أي مرحلة سابقة. وقال إنه بدأ في اكتشاف بعض التفاصيل الآن وأن الكثير كان غائبا عنه وطلب منحه فرصة ليوم واحد لمراجعة المختصين التنفيذيين بالشركة في بلده لمعرفة كل التفاصيل ودراستها. المفاجأة أنه أتى في اليوم التالي وأقر بأحقية مطالبات الطرف في دعواه وقال إنه كان لا يعلم الحقيقة إلا بعد طرحها أمام هيئة التحكيم حيث علم بحقيقة الأمور .... وهكذا، لهذه المرحلة أهمية خاصة لأن كل طرف سيعرف الحقيقة التي سيسر التحكيم نحو البحث عن تفاصيلها. ومن كل هذه الإجراءات يتطور التحكيم لإرساء قواعد العدالة الناجزة.