الملف السياسي

الدولة الفلسطينية وضرورات المرحلة .. !!

26 فبراير 2018
26 فبراير 2018

عوض بن سعيد باقوير - صحفي ومحلل سياسي -

منذ أوائل القرن العشرين مرورا بنكبة فلسطين عام 1948 وقيام الكيان الغاصب الإسرائيلي كان العالم خاصة الغرب يرتكب إحدى المظالم الكبيرة في حق الشعب الفلسطيني بداية من وعد بلفور المشؤوم عام 1917 مرورا بالعم الأمريكي والغربي بالاعتراف بدولة الكيان الإسرائيلي فور إعلانها عام 1948 وانتهاء بتهميش قرارات الشرعية الدولية التي تتحدث عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

الإرادة الفلسطينية تنتصر

رغم مرور عقود من المعاناة والظلم الذي مر على الشعب الفلسطيني المناضل وتكالب القوى الكبرى خاصة الولايات المتحدة ضد الإرادة الحرة للشعب الفلسطيني، إلا أن ذلك الشعب الحر بقي صامدا في وجه الظلم وغياب العدالة الدولية، والضعف العربي مواصلا، نهجه النضالي لنيل حقوقه المشروعة التي نصت عليها القرارات الدولية، وعلى ضوء الأحداث السياسية التي مرت على المنطقة العربية خلال العقود السبعة الأخيرة ورغم الخلافات العربية والحروب الأهلية في أكثر من بلد عربي، إلا أن القضية الفلسطينية تظل هي القضية المركزية للعرب، وهي محور اهتمام كل العرب والمسلمين وحتى المسيحيين، خاصة فيما يخص القدس، ومن هنا فإن قرار الرئيس الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس المحتلة كان قرارا مجحفا، ومرفوضا من العالم، وحتى من الدول الأوروبية، لأنه قرار لا يستند على أي خلفية يمكن أن تساعد في البحث عن حل عادل ولن يكون له قيمة كبيرة في نهاية المطاف.إن إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية هي ضرورة استراتيجية للعالم كما أشار إلى ذلك معالي يوسف بن علوي الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية عند زيارته لدولة فلسطين مؤخرا؛ حيث كانت تلك الزيارة المهمة تعبيرا سياسيا وأخلاقيا عن دعم السلطنة بقيادة جلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- للقضية الفلسطينية ووقوف السلطنة الداعم للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ورسالة سياسية عمانية واضحة للعالم بأن خيار إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية، هو خيار لابد منه وسوف يأتي يوما ما.

لقد ارتكب الغرب خاصة بريطانيا والولايات المتحدة أخطاء كبيرة في حق الشعب الفلسطيني، حيث تم طرد شعب بمعظمه تقريبا من أرضه، وسلب حقوقه وتمكين الإسرائيليين من احتلال أرض ليست حقا لهم، وتعد نكبة فلسطين عام 1948 وما حدث خلالها، جريمة إنسانية وأخلاقية، حيث سببت تلك النكبة كارثة إنسانية حيث تم تشريد ملايين اللاجئين الفلسطينيين في دول الشتات، خاصة في الأردن ولبنان وسوريا والعراق وحتى في أوروبا والولايات المتحدة، مما يجعل تلك النكبة وتداعياتها يندى لها جبين الإنسانية رغم أن الغرب يتشدق بمفاهيم حقوق الإنسان في إطار سياسة ازدواجية المعايير والنفاق السياسي.

القدس أساس الصراع

رغم الجهود السياسية والمبادرات العربية لحل الصراع العربي-الإسرائيلي إلا أن التعنت الإسرائيلي بفضل الانحياز الأمريكي ظل هو العقدة السياسية التي جعلت ذلك الصراع مزمنا وجعل المنطقة العربية منطقة صراعات وحروب أهلية، منذ اندلاع الثورات العربية عام 2011 والتحولات السياسية الكبرى في العالم العربي وفي الشرق الأوسط، حيث بروز قوتين هامتين في المشهد السياسي هما تركيا وإيران في ظل الصراع المحتدم في سوريا، وهكذا بقية الحروب في ليبيا وتصاعد موجات الإرهاب في أكثر من بلد عربي، وفي ظل هذه الصراعات والتجاذبات السياسية والعسكرية العربية كانت القضية الفلسطينية هي المتضرر الأكبر، وفقدت الكثير من بريقها، واستفادت إسرائيل من هذا الانشغال العربي بقضايا جديدة.

ومع وصول الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب إلى البيت الأبيض كان الوضع العربي في أسوأ حالاته، وهذا شجع الرئيس ترامب على اتخاذ القرار الخاص بنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس والاعتراف بالمدينة المقدسة عاصمة للكيان الإسرائيلي، وهذا القرار المجحف تجنبه الرؤساء الأمريكيون منذ قيام الكيان الإسرائيلي في الخامس عشر من مايو 1948م؛ مما سبب صدمة في الشارع العربي والفلسطيني. إن القرار الخاص بنقل السفارة الأمريكية الى القدس لا قيمة له، كما أشار إلى ذلك البيان الصادر من وزارة الخارجية العمانية، وكان ذلك هو الموقف الأكثر وضوحا ورفضا للقرار الأمريكي، وهذا يضيف حسا سياسيا عمانيا حول ضرورة الوقوف مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة فالقدس وهي أساس الصراع الرئيسي تعد حسب القانون الدولي مدينة محتلة ولا ينبغي اتخاذ أي قرار بشأنها إلا من خلال مفاوضات الحل النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولعل التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد قرار الرئيس ترامب كان صفعة في وجه الدبلوماسية الأمريكية رغم تهديد واشنطن للدول النامية في الأمم المتحدة بعقوبات اقتصادية قاسية إن هي صوتت ضد الولايات المتحدة، في سابقة خطيرة تحدث لأول مرة في أروقة الأمم المتحدة وفي خطوة تتجاوز البروتوكول الدبلوماسي وأخلاقيات العمل السياسي، ورغم ذلك أثبتت الدول الآسيوية والإفريقية أن مواقفها ومبادئها المناصرة للحق والعدل لن تتغير رغم تهديدات المندوبة الأمريكية في الأمم المتحدة أن القدس ستبقى هي محور الصراع ليس فقط بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكن أيضا العرب والمسلمين والمسيحيين وكل أحرار العالم وحتى من اليهود أصحاب النزعة الإنسانية والذين يرفضون قهر الشعوب، ومن هنا فإن الكيان الإسرائيلي لا يمكنه الاحتفاظ بالأرض والأمن معا، فهذه معادلة أثبتت فشلها خلال سنوات الصراع المريرة خلال أكثر من سبعة عقود أثبت خلالها الشعب الفلسطيني المكافح والصابر أن الحقوق سوف تستعاد رغم الجبروت والظلم من قبل الكيان الإسرائيلي.

المبادرة العربية

لقد قدم العرب المبادرة السلمية الأكثر قبولا من العالم خلال القمة العربية في بيروت عام 2002 وهي المبادرة التي لا تزال على الطاولة، وتتلخص في إقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشريف، وأن تكون هناك علاقات طبيعية بين إسرائيل وجيرانها العرب، والغريب أن ما تبقى من فلسطين التاريخية للفلسطينيين هو نسبة 22 في المائة تقريبا، حيث ابتلع الاحتلال نحو 78 من المائة من الأراضي الخصبة والمدن الفلسطينية على البحر المتوسط كمدن حيفا وتل أبيب وغيرها من المدن الفلسطينية التي تم احتلالها عام 1948م، ومن هنا فإن الكيان الغاصب يرفض حتى تسليم هذه النسبة الصغيرة من الأراضي الفلسطينية مما ينم أولا عن غطرسة إسرائيلية أولا، وعن دعم تام من قبل واشنطن ومن هنا فإن أمام العرب مسؤوليات تتمثل في التمسك بالمبادرة العربية والوقوف والتضامن مع الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة. صحيح أن الوضع العربي ليس في أفضل حالاته بسبب الخلافات العربية-العربية والتشرذم والحروب الأهلية في أكثر من بلد عربي لكن الحد الأدنى من التضامن مطلوب وإن مهمة القمة العربية القادمة في شهر مارس في السعودية لا بد أن تكون قمة حاسمة ويعلن العرب عن مواقفهم الثابتة من الدولة الفلسطينية وقضية القدس الشريف لإيصال الرسالة لإسرائيل والولايات المتحدة، خاصة بالنسبة لقرارها بشأن القدس إن ذلك القرار يرفضه الشارع العربي وأيضا النظام الرسمي العربي وهذا بلا شك سيكون موقفا عربيا مشرفا يرفع من معنويات الشعب الفلسطيني وأيضا يدعم موقف القيادة الفلسطينية التي سجلت موقفا إيجابيا لافتا برفضها استقبال نائب الرئيس الأمريكي عند زيارته لفلسطين المحتلة، ومن هنا فإن هذا الموقف الرسمي الواضح من القيادة الفلسطينية والاحتجاجات والمصادمات بين الشعب الفلسطيني والآلة العسكرية الإسرائيلية قد أظهر بوضوح أن الشعب الفلسطيني سيواصل المقاومة الشعبية حتى حصوله على حقوقه المشروعة وأن من مصلحة العالم أن تكون هناك دولة فلسطينية مقابل دولة إسرائيلية حتى يستقر الشرق الأوسط، وبدون ذلك لن تنعم إسرائيل بالسلام، وسوف يتواصل الصراع في المنطقة، وسوف تخسر إسرائيل الكثير وتزداد الكراهية لها وسط شعوب عربية ساخطة يتجاوز عددها 350 مليون عربي، وعلى ضوء تلك المحددات السياسية فإن من مصلحة المنطقة وإسرائيل والعالم أن تقوم الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية؛ لأن ذلك هو الخيار والضرورة لاستقرار الشرق الأوسط والعالم، وعلى هذا الأخير خاصة الغرب أن يواصل الضغط الرسمي والشعبي ضد سياسات الكيان الإسرائيلي، وأن تواصل الشعوب العربية نصرتها لفلسطين على كل المستويات، وأن تتواصل الزيارات الرسمية والشعبية العربية لأرض الرباط حتى يزول الاحتلال البغيض.