الملف السياسي

التدويل كبديل للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين

26 فبراير 2018
26 فبراير 2018

ماجد كيالي - كاتب فلسطيني -

في شأن ما يمكن أن تفعله القيادة الفلسطينية، في ظروفها الراهنة، فيتمثل بضرورة حسم هذه القيادة موقفها حول إعادة بناء البيت الفلسطيني، ولاسيما إعادة بناء الكيانات السياسية،

الآن، وبعدما حصل ما حصل، بخصوص انهيار خيار المفاوضة والتسوية، وانسداد ما يعرف بحلّ الدولتين، وفقاً لاتفاق أوسلو (1993)، بحكم تهرّب إسرائيل من استحقاقاتها في هذا الاتفاق، ورفضها تقديم المطلوب منها لتسيير عجلة التسوية، وإمعانها في استيطان وتهويد وتغيير معالم الأراضي المحتلة، وبواقع تملّص الولايات المتحدة من مكانتها كراع نزيه لهذه العملية، بخاصة بعدم ضغطها على إسرائيل لتنفيذ ما هو مطلوب منها، واستهتارها بالقرارات الدولية، ما تمثل أخيراً باعترافها بالقدس عاصمة موحدة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية إليها، بات من الملح البحث عن خيارات أخرى للفلسطينيين.

في هذا الإطار، فإن أي حديث عن استعادة خيار الكفاح المسلح، أو حتى خيار انتفاضة ثالثة على غرار الانتفاضة الثانية المسلحة (وليس الأولى)، يصدر عن هذه الجهة أو تلك من الفصائل السائدة، لا ينطوي على أية مسؤولية، لأن هكذا حديث ينبني على التخيّلات والتوهمات - على حد قول الكاتب - كما يصدر من روح شعاراتية وإرادوية، ليس لها أي علاقة بالإمكانات، أو بالواقع، أو بالمعطيات الدولية والإقليمية السائدة، لا سيما مع هذا الخراب الدولي والمجتمعي في المشرق العربي، لأن هكذا خيار قد يفضي إلى عكس المتوخّى منه، إي إلى خدمة إسرائيل، وتسهيل سياساتها المتعلقة بالاستيطان ومصادرة الأراضي وتغيير الوضع الديموغرافي، ولاسيما في القدس، والتضييق على الفلسطينيين.

على ذلك ثمة أمام القيادة الفلسطينية ثلاثة خيارات، على ثلاثة أصعدة، أولها، إحالة قضية فلسطين إلى الأمم المتحدة، بكل هيئاتها، لوضعها أمام مسؤولياتها بخصوص القرارات الصادرة عنها. ومعنى ذلك أن الفلسطينيين لا يحتاجون لمفاوضات مع إسرائيل، إلا في ما يخص الجوانب الجزئية أو الإجرائية، أما في شأن قضايا تقرير المصير والحق في إقامة دولة في الأراضي المحتلة (1967)، بما فيها في القدس الشرقية، وإنهاء الاستيطان والاحتلال، فهذه كلها ثمة قرارات واضحة فيها، حتى من مجلس الأمن الدولي.

طبعاً، من السذاجة الاعتقاد أن هكذا خيار يعني أن المنظمة الدولية ستحلّ هذه القضية، التي لها من العمر سبعة عقود بعصا سحرية، وإنما القصد منه، فقط، إعفاء القيادة من مغبّة الانخراط في مسرحية عبثية اسمها المفاوضات، والتسهيل عليها صدّ الضغط الخارجي بهذا الخصوص، ووضع إسرائيل في مواجهة العالم، تماماً كما حصل أخيراً في شأن القرار الأمريكي في قضية القدس.

الفكرة هنا، بصورة أكثر تحديداً، أن القيادة الفلسطينية معنية باستثمار ما حدث على الصعيد الدولي بالتعاطف مع حق الفلسطينيين في القدس، بتحميل أمر القضية الفلسطينية وأمر المفاوضة للأمم المتحدة، إذ لم يسبق أن لاقت القضية الفلسطينية تعاطفاً دولياً، مثل هذه المرة، لا سيما أن ما حصل كان في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية بالذات، وليس في مواجهة إسرائيل فقط، هذا أولاً.

وثانياً، أن ما حصل، بشأن القدس، لم يتوقف على الجمعية العامة وانما حصل قبل ذلك في مجلس الأمن الدولي، إذ كان ثمة 14 عضوا في مواجهة الولايات المتحدة، التي اضطرت لاستخدام حق النقض (الفيتو)، وهو ما بيّن مدى العزلة التي وقعت فيها.

وثالثاً، أنه في هذه المرة صوتت كل الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، تأييداً للحق الفلسطيني في القدس الشرقية، وحتى كندا والمكسيك جارتا الولايات المتحدة امتنعتا عن التصويت، أي لم تؤيدا الموقف الأميركي (ومعهما استراليا).

وبخصوص الخيار الثاني، في شأن ما يمكن أن تفعله القيادة الفلسطينية، في ظروفها الراهنة، فيتمثل بضرورة حسم هذه القيادة موقفها حول إعادة بناء البيت الفلسطيني، ولاسيما إعادة بناء الكيانات السياسية، أي المنظمة والسلطة والفصائل، على أسس جديدة، تمكّن من استعادة فاعليتها وحيويتها وصدقيتها عند الفلسطينيين في الداخل والخارج، باعتبارها حركة تحرر وطني، وذلك بعد أن دبّت فيها العطالة، وأفلت روحها النضالية، بنتيجة تحولها إلى سلطة تحت الاحتلال، إذ إن هذا هو الخيار المتاح في يد الفلسطينيين، اليوم، وبعد إخفاق خياري المفاوضة والعمل المسلح. ومعلوم أن هذا الخيار تم ركنه جانباً، بواقع تآكل شرعية الكيانات الفلسطينية وتهميش منظمة التحرير، التي لم يجتمع مجلسها الوطني منذ أكثر من عقدين، على رغم أن هذا الوضع بالذات أسهم في إضعاف الكيانات الفلسطينية، وفي توسيع الفجوة بينها وبين الفلسطينيين، في كافة أماكن تواجدهم، كما أنه أسهم في إضعاف مكانة القيادة الفلسطينية على الصعيدين العربي والدولي بشكل أو بآخر . الخيار الثالث، يبنى على استعادة الحركة الوطنية الفلسطينية لطابعها كحركة تحرر وطني، وهذا يتطلب وقف علاقات التنسيق الأمني مع الاحتلال، وإيجاد المعطيات التي تسمح بالانتهاء من علاقات التبعية الاقتصادية لإسرائيل وتقليل الاعتمادية على الخارج، وضمن ذلك تغيير وظائف السلطة، بحيث يتركز همّها على خدمة شعبها وإدارة شؤونه، وتعزيز صموده. كما يتطلب ذلك احتضان أشكال الكفاح الشعبي التي يخوضها الفلسطينيون في الأراضي المحتلة ضد الاستيطان ومصادرة الأراضي وبناء الجدار الفاصل وتهويد القدس، لأنه لا يمكن الضغط على إسرائيل، والإسرائيليين، في ظل واقع من احتلال مريح ومربح. وطبيعي أن ذلك يتطلب، أيضاً، إعادة الاعتبار للرواية الفلسطينية التي تأسست على النكبة، ومشكلة اللاجئين، نتيجة قيام إسرائيل كدولة استعمارية استيطانية وعنصرية وأيديولوجية، وصوغ رؤية سياسية تستنهض الشعب الفلسطيني وتعزز هويته، ومشاعره كشعب، باستعادة التطابق بين قضية فلسطين وشعب فلسطين وجغرافية فلسطين، سيما أن إسرائيل ذاتها تصارع على كل فلسطين. هذه فرصة القيادة الفلسطينية، والحركة الوطنية، التي استعادت، في هذه الظروف، بعضاً من روحها كحركة تحرر وطني ومن شرعيتها كممثل للفلسطينيين، إضافة إلى استعادتها مكانتها كقضية نبيلة وعادلة في العالم، لكن ذلك يحتاج من القيادة المعنية البناء عليه كي يمكن استثماره.