أفكار وآراء

الممارسة البرلمانية .. وجدلية التأثير فيها ؟

25 فبراير 2018
25 فبراير 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

في حوار سريع؛ في مدة قصيرة؛ جمعني مع أحد الأخوة؛ الذين ألتقيهم لأول مرة في إحدى المناسبات؛ دار الحوار حول الصورة العامة للحالة الشورية «البرلمانية» في السلطنة، وكان فحوى الحوار عن الاتهام الذي يواجه به عضو مجلس الشورى من قبل الناخبين، في بعض الأحيان ، والذين؛ غالبا؛ لا يهادنون في توجيه أوجه القصور تجاه عضو مجلس الشورى، وهو عدم القيام بدوره المأمول، الذي يستشرفه الناخب؛ عادة؛ ولا يتضح له موقف مباشر لكثير من القضايا المستجدة على الواقع، حيث يغالي البعض في التقييم واللوم الى حد يخرج عن المألوف ؛ إن لزم الأمر؛ في حالة عدم الاستجابة لمطالب يتقدم العضو بها، أو له موقف تجاه بعضها، والى هنا انتهى الحوار.

وما يمكن اضافته بعد هذا الحوار، أن عضو المجلس البرلماني، في كل بقاع الدنيا، وليس فقط هنا في السلطنة، يواجه دائما بمثل هذا الاتهام الجاهز ، فهو عنوان عريض يلصق عادة بأي عضو برلماني والذي عليه - حسبما يرى البعض - ان يتقبله، أو يحمله على صدره بكل رضا؛ على الرغم من مجموعة المبررات التي يتكئ عليها «دفاعا» عن الدور الذي يقوم به تحت قبة البرلمان، ليقينه أن هذا الاستشراف الذي يأمله الناخب في العضو البرلماني، لن يتم تحقيقه بالصورة التي يتمناها الناخب، لأن هناك أكثر من طرف مؤثر بصورة مباشرة على مسارات البرلمان، وأقربها السلطة التنفيذية، التي تسعى بكل جهد أن لا يتسع مجال الاشتغال أمام العضو البرلماني بالصورة المطلقة، وذلك حتى تحافظ السلطة التنفيذية على قدر كبير من مساحة الاشتغال الذي تقوم به، بعيدا عن توجهات السلطة التشريعية؛ التي إن تنطلق فإنها تنطلق من اللهفة العارمة التي يحملها الناخب لتحقيق كل شيء، وفي أقرب فرصة، دون الإصغاء الى الظروف المختلفة التي تتكئ عليها السلطة التنفيذية كـمسببات أو «مبررات» في تأخرها عن تحقيق كل المطالب التي يحملها العضو البرلماني؛ والذي - حسب رأي السلطة التنفيذية - لا يملك الحقيقة الكاملة تجاه كثير من القضايا التنموية، ومن الأرقام والدلالات التي تسرع او تؤخر الإنجاز، على الرغم من أن أعضاء السلطة التنفيذية هم من الدافعين الأساسيين لنجاح السلطة التشريعية، من خلال المشاركة الواسعة في انتخاب أعضاء هذه السلطة، ولذلك فإرادة السلطة التنفيذية هي المحرك الفاعل لدور البرلمان، وهي المقزمَة لذات الدور احيانا ، والسؤال الذي اختتم به الحوار: هل يدرك الناخب هذه الحقيقة، فيجد عذرا متسعا للعضو البرلماني، أم يغض الطرف؛ ويظل على قناعته بقصور الدور الذي يلعبه العضو البرلماني؟ والسؤال؛ أيضا؛ هل يراد لـ «البرلمان» عموما، أن يظل «مجرد مؤسسة تشريعية تمارس التشريع، أم سلطة تشريعية» - حسب تعبير - الدكتور رشيد المدور «عضو المجلس الدستوري بالمملكة المغربية» يكون لها الدور الفاعل والمؤثر في صنع مسارات التنمية المختلفة، و«تقييم السياسات العمومية بفعالية» أكثر وأوسع.

تأتي هذه المقدمة توطئة لمفهوم «العقلنة البرلمانية» وهو مفهوم يذكره الدكتور المدور في سياق حديثه عن «مظاهر التطور البرلماني في المغرب في ضوء مستجدات الدستور» يقول ما نصه: «العقلنة البرلمانية هي مجموعة من الآليات الدستورية للتقليص من مجال القانون، والحد من سيادة البرلمان، ومراقبة أعماله، لمنع هيمنته على السلطة التنفيذية، لضمان استقرارها» - انتهى النص - وهو المفهوم المأخوذ من التجربة البرلمانية الفرنسية منذ ستينات القرن العشرين المنصرم؛ وهو الذي قلص؛ ويقلص؛ كثيرا من دور البرلمان، كما يرى «المدور» ، ويبدو أن الحالة تراوح ذاتها منذ ذلك التاريخ، وحتى اليوم، في ظل قلق السلطة التنفيذية من تنامي هيمنة السلطة التشريعية المسنودة من قطاع عريض من الناخبين، والذين يضغطون بقوة الصوت والرأي على العضو البرلماني، لأن يكون له موطئ أثر في مسارات التنمية المختلفة، وحتى يظل على فهم واع بمجموعة الخطط والبرامج التي تعمل على أساسها السلطة التنفيذية، دون إخلال أو تقصير في أي جانب من جوانب العمل التنموي، وهذا المفهوم القائم؛ وإن كان بغير صورة مباشرة؛ إلا أنه، وفي ظل الحرص على بقائه؛ يقينا؛ سوف يضر بالعملية البرلمانية، لأنه لن يخلق نوعا من التكافؤ بين السلطتين، وبقدر ما يبرز سلطة على أخرى، ويحجم من مستوى العمل لدى السلطة الأخرى، في الوقت نفسه أن كل الأنظمة السياسية في الدول تقوم على ثلاث سلطات رئيسية؛ وحسب الترتيب التالي: السلطة التشريعية، السلطة التنفيذية، السلطة القضائية، وبالتالي فأولوية ترتيب السلطة التشريعية يعطيها الأهمية الكبرى؛ بلا منازع؛ لأن تبقى على أولويتها في الأهمية، وفي العمل، وفي التأثير، وهذا ما لا ينكره أحد؛ لا رسميا، ولا شعبيا، وإذا كان هذا الفهم؛ حاضرا تجاه السلطة التشريعية؛ فأين المشكلة تكمن؛ وهو ما يشار إليها دائما في تقليص دور السلطة التشريعية؛ إذن؟.

هناك من يرى أن اللوائح الداخلية المنظمة لعمل البرلمان هي المعول عليها لتحريك الراكد في شأن فاعلية عمل البرلمان من دونه، فهذه اللوائح هي التي تنظم كيفية ممارسة البرلمان لاختصاصاته والمحافظة على النظام العام داخل المجلس، وتحديد اللجان، وإجراءات سير العمل داخل اللجان، وإدارة الجلسات العامة، كما تتضمن حقوق الأعضاء وواجباتهم وتنظيم العلاقة بين المجلس والسلطات الأخرى بالدولة، لأنها تعكس مضامين النصوص الدستورية، وتقر اللوائح من البرلمان، ويصادق عليها رئيس الدولة في بعض الدول، وفي دول أخرى تصدر عن البرلمان، ولا أتصور في ظل خبرة متراكمة لعقود من الممارسة البرلمانية لدى البرلمانيين، ووجود كفاءات وطنية صادقة في مجالات القانون المتعددة، تعوزهم الحكمة وقلة الدراية في صنع لوائح داخلية في البرلمان - تعكس نصوص الدستور - لأن تحدث نوعا من التوازن الذي لا يخل بدور أي طرف على الطرف الآخر، لأن محصلة ذلك كما يقول الأستاذ/‏‏‏ ياسر قطيشات، الباحث في مجال الدراسات الاستراتيجية من المملكة الأردنية الهاشمية، ما نصه: «لقد برهنت التجارب الدولية في مجال تطبيق اللامركزية على صحة الافتراض العلمي الذي ربط بين اللامركزية وحرية القرار والمشاركة في التنمية المحلية، فكلما توزعت صلاحيات الحكومة المركزية بين مجالس منتخبة تمثل المواطنين، كلما ساهم ذلك في تحقيق مستويات ضبط أكبر لمؤشرات: التنمية المحلية، وحفظ المال العام، وتخفيض مستوى البيروقراطية الإدارية، وزيادة نسبة المشاركة الشعبية في صناعة القرار، وإتمام مهام وأدوار الغرف التشريعية البرلمانية» انتهى النص- وهذا ما يؤصل الأهمية الكبرى التي يتبوأها البرلمان في أي نظام سياسي.

ومع ذلك يظل مفهوم «الحقوق تنتزع» هو الذي يذكي أوجه الاختلاف؛ إن تجوز التسمية؛ بين أي سلطتين متكافئتين، ومتجاذبتين نحو تحقيق غايات كبرى للوطن، بينما يفترض الواقع، بما أنها «تحقيق غايات كبرى للوطن» وهي الغايات التي يقرها الدستور؛ قبل كل طرف؛ لا تحتمل التنافس السلبي في تحقيقها، وكان يفترض أن يسود التعاون والتكامل، لأن مشروعات الوطن لا تحتمل المناكفة؛ مهما كان نوعها ومستواها؛ بين أي سلطتين؛ او أكثر؛ فتحقيق غايات الوطن معناه بقاؤه واستمراره، وتصدره على المشهد العالمي، على أن كل القوى العاملة فيه قوى متآزرة ومتكاملة، وكل مكوناته المادية والمعنوية، تعيش حالة من التوافق والانسجام، ولا يقبل بأي حال من الأحوال أن تكون قواه على غير هذه الصورة،

ويأتي الدستور «النظام الأساسي للدولة» مع اختلاف المسميات، لينظم هذه العلاقات المتجاذبة؛ حيث يعطي كل ذي حق حقه، لتحافظ كل القوى على مكوناتها الفاعلة في تحقيق غايات الوطن الكبرى دون اضرار بطرف، وبالتالي متى لوحظ أن أية سلطة تذهب الى الاستفراد بالقرار، تكون العودة الى الدستور واجبة للاحتكام الى نصوصه للمحافظة على الانسجام والتوافق، لأن الدستور هو الذي يحدد اختصاصات سلطات الدولة، والتي عادة تسعى الى تحقيق أقصى قدر ممكن من التوازن الذي يضمن الاستقلال والتعاون الهاف الى تحقيق الصالح العام، انطلاقا من مبدأ (السلطة تحد السلطة).

اختم هنا؛ الى أن المسيرة الشورية في السلطنة «السلطة التشريعية» والتي أفرد لها النظام الأساسي للدولة بابا خاصا لها تحت مسمى «مجلس عمان» ممثلا في مجلس الدولة ومجلس الشورى، حيث فصلت المادة (58) من النظام الأساسي للدولة تحت هذا الباب كل الآليات التنظيمية التي تهم كل مجلس بدءا من اختيار الأعضاء، ومرورا بالأحكام المشتركة بين المجلسين، وانتهاء بـ «مجموعة الصلاحيات التشريعية والرقابية» لكل مجلس على حدة، وبالتالي فإن هذه المسيرة؛ وإن كانت قد قطعت شوطا مقدرا، يستحق الثناء، فإنها يقينا لا تزال تحتاج الى كثير من الممارسة الأصيلة كي ترسخ قناعات اكبر لدى طرفي المعادلة - بالنسبة لها - وهما: الجمهور كدافع ومؤازر للعب دور أكبر، والسلطة التنفيذية، كمحدد مهم لفتح ملفات كثيرة للحوار معها، وهي ممارسة تنجز مكاسب نوعية مع كل فترة تقطعها من عمرها الوطني المهم، حيث تستلهم هذا المنجز من الرؤية السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد - حفظه الله - الذي تعهدها بالرعاية والعناية منذ بواكير نشأتها الأولى، ولا يزال، وهو المشيد دائما بما تحقق عبرها من مكاسب وإنجازات.