أفكار وآراء

ترشيد الإنفاق يعزز استدامة التنمية

24 فبراير 2018
24 فبراير 2018

د. محمد رياض حمزة -

[email protected] -

في موازنة السلطنة لعام 2018 ذُكر” أن ارتفاع الدين العام يتطلب استمرار ضبط الإنفاق العام وتنمية الإيرادات غير النفطية للوصول إلى توازن مالي خلال ثلاث سنوات”. وبذلت حكومة السلطنة وعملت بسياسة متوازنة بين الإبقاء على الخدمات ذات المساس بحياة المواطن وبين مواجهة تراجع الإيرادات المالية نتيجة لانهيار أسعار النفط منذ 2014. ففي بند مصروفات الدعم بالموازنة التي قدرت بنحو (725) مليون ريال عماني بزيادة قدرها (330) مليون ريال عماني على مبلغ الدعم في موازنة 2017. نتيجة زيادة مخصصات دعم الكهرباء. ودعم مخصصات غاز الطبخ. والقروض الإسكانية والتنموية والدعم التشغيلي للشركات الحكومية.

لسنوات سبقت تواصل الدعم الحكومي للأسعار بما مكّن المستهلك الحصول على السلع والخدمات بما ينسجم مع الدخل الفردي. وخلال سنوات ارتفاع أسعار النفط وتجاوزها 100 دولار للبرميل كان سعر برميل النفط العماني المصدر يغطي الإنفاق العام بيسر ويوفر ادخارا مريحا للاحتياطي النقدي للسلطنة. فشرعت حكومة السلطنة بزيادة الإنفاق العام على المشاريع الاستثمارية وتعزيز الخدمات الأساسية وواصلت دعم الأسعار. كما حدث في موازنتي2013 و2014. حيث ارتفع الإنفاق الجاري بهدف إيجاد توازن بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية كما تواصل نمو الاقتصاد الوطني.

إيجاد التوازن بين متطلبات تنمية الاقتصاد الوطني وبين متطلبات الإنفاق العام ليست بالمهمة اليسيرة. إذا عرفنا أن

ترشيد الإنفاق يعزز استدامة التنمية

لإيرادات المالية مصدرها عرضة للتذبذب. ومع ذلك فإن الإدارة المالية للسلطنة خبرت تراجع أسعار النفط خلال عقدين من الزمن وتعاملت بحرفية في الحفاظ على عدم المساس بالخدمات العامة وبمصالح المواطن وبرعاية القطاع الخاص.

في دول العالم ذات اقتصادات السوق التي تحرص على استدامة النمو الاقتصادي الذي يحسب عادة بالقيمة الحقيقية للناتج المحلي الإجمالي وما أضيف له مُقيّمٌ بالعملة مُعَدّلٌ حسب نسب التضخم. ويمكن قياس النمو الاقتصادي أيضا بمقارنة الدخل القومي مقيم بالعملة بين سنة وأخرى. وعادة ما تقارن معدلات النمو الاقتصادي للدول باستخدام نسبة الناتج المحلي الإجمالي إلى السكان أو الدخل الفردي. ويشار إلى الزيادة في النمو الاقتصادي الناجم عن زيادة كفاءة استخدام المدخلات (مثل إنتاجية العمل أو رأس المال المادي أو الطاقة أو المواد) بالنمو المكثف. ونمو الناتج المحلي الإجمالي الناجم عن زيادة كمية المدخلات المتاحة للاستخدام كافة يسمى النمو الشامل.

في معظم الدول النامية، والسلطنة إحداها، ارتبط النمو الاقتصادي بنمو القطاع العام الذي أخذ مسؤولية تنفيذ خطط تنموية متتالية. فتحقق الكثير من التقدم في ارتفاع المستوى المعيشي للسكان وتواصل تنفيذ مشاريع البنية الأساسية وتطور الخدمات العامة كما ونوعا. وذلك خلافا لما دأبت عليه الدول الرأسمالية الصناعية التي كان للقطاع الخاص الإسهام الأكبر بي التنمية الاقتصادية.

يدافع اقتصاديو الدول النامية عن سيطرة القطاع العام على الأنشطة الاقتصادية التي ما كانت للقطاع الخاص فيها القدرة على ملكيتها وإدارتها عندما نالت استقلالها أو استقرت سياسيا. ولعل أبرز مثال الدول المنتجة للنفط التي تولت حكوماتها ملكية وإدارة القطاع النفطي. الأمر الذي مكنها من استدامة تنمية اقتصاداتها الوطنية. وتباينت نسب إسهام القطاع الخاص في تكوين نواتجها المحلية أو تنمية اقتصاداتها.

القطاع العام (الذي يطلق عليه أيضا قطاع الدولة) تعتبر أنشطته جزءا من الاقتصاد الكلي للمجتمع. ويتألف من المؤسسات العامة التي تتولى تقديم الخدمات العامة. وتشمل الخدمات العامة الأمن الغذائي والخدمات الحكومية بتفاصيلها كافة. مثل حفظ الأمن (القوات المسلحة بصنوفها كافة) ومقومات البنية الأساسية من الطرق العامة والجسور والأنفاق وإمدادات المياه والصرف الصحي والشبكات الكهربائية والاتصالات والنقل العام، والتعليم العام، إلى جانب الرعاية الصحية. وقد يوفر القطاع العام خدمات لا يمكن الاستغناء عنها مثل صيانة الطرق وتوسيعها وإنشاء الحدائق والمتنزهات العامة والخدمات التي تعود بالنفع على المجتمع ككل. فالحكومة لكي تفي بالتزاماتها وتقديم خدماتها للمجتمع التي تتضمنها الموازنات التي تعلنها سنويا فإن ذلك متحقق من خلال الإنفاق العام. تجدر الإشارة إلى أن أنشطة القطاع الخاص في معظم الدول النامية تعتمد على الإنفاق العام.

تؤكد دراسات صندوق النقد الدولي أن هناك علاقة عكسية بين هدف استدامة تنمية الاقتصاد وبين التوسع في الإنفاق العام. ولعل أقرب مثال على ذلك مطالبة مديرة صندوق النقد الدولي “كريستين لا جارد” الدول العربية إلى خفض إنفاق القطاع العام وخفض الدعم الحكومي للأسعار وضبط الإنفاق وتحقيق النمو وتوفير الوظائف. وقالت لاجارد في كلمتها أمام “منتدى المالية العامة في الدول العربية” الذي انتظم مؤخرا في دبي، إن “على الدول العربية اتخاذ مزيد من التدابير لتخطي مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة”، بحسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية. وشددت لاجارد على أهمية تطبيق إصلاحات صارمة ومعدل نمو أعلى، من أجل خلق وظائف للشباب العرب. وأضافت “إن الباحثين عن العمل بين الشباب هي الأعلى في العالم معدلها 25% وتتعدى 30% في تسع دول”. وأكدت على أن “أكثر من27 مليون شاب طامح سينضمون إلى سوق العمل في السنوات الخمس المقبلة”. وأشارت إلى أن الاقتصادات العربية يجب أن تنمو بمعدل 5 % إلى 6 % لتوفير فرص العمل الضرورية. مضيفة أن نصف عدد السكان في الدول العربية البالغ 400 مليون نسمة هم دون الـ 25 سنة من العمر.”

وجهة نظر صندوق النقد الدولي لم تلق الكثير من الترحيب من قبل المسؤولين في معظم الدول النامية. إذ إن حكومات الدول النامية تعتبر استتباب الأمن الاجتماعي وتوفير الخدمات العامة للمواطنين أولوية متقدمة إلى جانب استدامة التنمية الاقتصادية.

يحتل الإنفاق العام أهمية خاصة في نطاق المالية العامة في الدول النامية لأنه يضمن استتباب الأمن الاجتماعي ويبقى على تفاعل الأنشطة الإنتاجية والخدمية. لذا فإن حكومات الدول النامية تسوغ سيطرتها على مصادر الإيرادات العامة. بمعنى أن الدولة لا تستحوذ على الإيرادات العامة إلا بقصد تمويل الإنفاق العام . فالإيرادات المالية التي تظهر في الموازنات السنوية هدفها تحقيق النفع العام. وضع الاقتصاديون ضوابط للإنفاق العام التي يجب أن تلتزم بها الدولة حرصا على تحقيق أقصى منفعة عامة. كما وردت في كتاب “محاضرات في المالية العامة “ تأليف الدكتور محمد خالد المهاين”. التي تؤكد على ضوابط الإنفاق العام لتحقيق أقصى المنافع. ويتفق الاقتصاديون على ضرورة تحقيق الإنفاق العام لأقصى قدر من المنفعة الجماعية. على أن يتم قياس المنافع والخدمات عن طريق مقارنتها بالتضحية التي يتحملها الأفراد بسبب حصولهم على المنافع العامة. فتكون المنفعة القصوى متحققة إذا تساوت المنفعة الحدية للإنفاق العام مع المنفعة الحدية للدخول المتبقية في يد الأفراد بعد دفع الضرائب. ولكي يمكن تحقيق أكبر قدر من المنفعة العامة يجب توزيع النفقة العامة الكلية على مختلف أوجه الإنفاق. كما تقاس المنفعة الناشئة من الإنفاق العام على مستوى الزيادة التي تحدث في كل من الناتج المحلي الإجمالي الدخل القومي. ويؤكد الاقتصاديون على الضوابط التي تحدد عدالة توزيع الإنفاق. التي منها ضوابط اقتصادية وقانونية تلتزم الإدارة المالية للدولة. وضابط المنفعة العامة.

وعليه فإن ترشيد الإنفاق الذي دأبت عليه الإدارة المالية للسلطنة على أسس منهجية مكن الاقتصاد الوطني من تواصل تنميته رغم تراجع الموارد المالية.