أفكار وآراء

أمريكا .. والصراع في جنوب آسيا!

23 فبراير 2018
23 فبراير 2018

إميل أمين - كاتب مصري -

[email protected] -

هل يمكن للصراعات التاريخية في آسيا الشرقية أن تنتهي مرة وإلى الأبد أم أنها ستظل محتدمة طوال العقود القادمة كما كان الحال في العقود الغابرة؟

التساؤل المتقدم فرض نفسه مؤخرا بعد أن عاد التوتر بين الهند وباكستان يطل برأسه من جديد، فيما الكارثة الأكبر والأخطر تتصل برقعة المواجهة التي يمكن أن تتصادم فيها الصين مع جارتها الهند، وبين هذا وذاك نرى دوراً أمريكياً يكاد يسعى لإشعال المواجهة بين جميع الأطراف حتى تتسيد واشنطن العالم برمته.

منذ أيام قليلة تعرضت قاعدة عسكرية هندية شمال ولاية جامو وكشمير لهجوم مسلح، أدى إلى مقتل ستة جنود ومدني وإصابة عشرة أشخاص بينهم نساء وأطفال، كما قتل ثلاثة من المهاجمين على الأقل. وفي أعقاب الحادث تحدثت وزيرة الدفاع الهندية «نيرمالا سيثارامان» إلى وسائل الإعلام المحلية والدولية مؤكدة أنه توجد لدى الجيش الهندي أدوات كثيرة لمطاردة الذين قاموا بهذا الهجوم، ووجهت أصابع الاتهام نحو باكستان، وقد استنكر الجانب الباكستاني هذه التصريحات، التي رآها متسرعة، ودون إجراء تحقيق شامل في ملابساتها.

فهل نحن أمام الماضي الذي لا يموت ويطل برأسه من جديد على الساحة الهندية - الباكستانية، وقد يجر من خلفه الصين؟

خلال سبعة عقود، وتحديداً منذ استقلال الهند وباكستان، وحتى الساعة جرت بينهما أربعة حروب، كانت الأولى غداة الاستقلال مباشرة أي في 1947 - 1948حول منطقة جامو وكشمير، وتكررت الحرب حول المنطقة نفسها مرة ثانية في عام 1965، أما المرة الثالثة فقد جرت بها المقادير في أوائل السبعينات من القرن المنصرم، وتحديداً عام 1971، الأمر الذي نجم عنه انفصال بنجلاديش عن باكستان والهند، وإعلانها دولة مستقلة، فيما المرة الأخيرة حدثت قبل مولد الألفية الثالثة بعام واحد (1999) في جبال كشمير.

في هذا الإطار يتساءل المرء: «هل الأسلحة النووية لدى الهند وباكستان عامل ردع لكلاهما أم أنهما أداة تحفيز للدخول في صراعات دموية ؟

الجواب يقودنا ولا شك إلى منطقة التهديدات المتبادلة بين البلدين، وهي في واقع الأمر تهديدات مفزعة للعالم برمته، لا سيما أن الجميع يدرك فداحة المواجهة النووية، وما يمكن أن تخلفه وراءها من خسائر في المال والعتاد والبشر.

يخشى الباكستانيون أن يقوم الهنود بتوجيه ضربة قاتلة بقواهم التقليدية لقواتهم البرية، وهنا قد لا يكون لدى الفريق الأول من رد سوى ضربات صاروخية برؤوس نووية.

يتحدث البروفيسور «فلاديمير سوتنيكوف» كبير الباحثين في معهد الدراسات الشرقية التابع للأكاديمية الروسية للعلوم إلى صحيفة «نيزافيسمايا جازيتا الروسية» شارحاً ما الذي يمكن أن تقوم به باكستان صاحبة الأسلحة النووية التكتيكية وهي في الأساس صواريخ تكتيكية قابلة للتزويد برؤوس نووية بأحجام صغيرة، وباكستان تنشر هذه الصواريخ منذ فترة طويلة على حدودها مع الهند، ورغم ان باكستان ليس لديها صواريخ باليستية بعيدة المدى، إلا أنها تستعيض عن ذلك لقرب المسافة جغرافياً بين البلدين بصواريخ محمولة على السفن وأخرى محمولة جواً، وأخرى أرض- أرض منشورة على طول الحدود منذ المواجهة الأحدث بين البلدين 2001 - 2002.

في حديث توازنات القوى يدرك الباكستانيون أنه لدى الجيش الهندي قوات برية كثيفة جداً يمكنها أن تسبب لباكستان «قلاقل وخطورة حقيقية، ولهذا فإن ردهم الافتراضي المتوقع هو ضربات صاروخية نووية تصل إلى المراكز الاستراتيجية الهندية».

الهنود بدورهم لا يغفلون مثل هذا السيناريو، ولذا فانهم يعدون أوراقهم الاستراتيجية للتعامل مع الاحتمالات المختلفة. بسرعة شديدة تتسارع الأحداث ما بين الأقطاب الثلاثة الآسيوية الصين والهند وباكستان، فيما واشنطن تؤجج النيران، وقد رأينا مع إدارة ترامب اتهامات كثيفة وعميقة من الجانب الأمريكي للباكستان بأنها لا تحارب الإرهاب بشكل كاف، وهو ما رفضته باكستان، الأمر الذي يمكن أن يدفعهم إلى الأحضان الصينية ويزيد الأمر تعقيداً الدعم الأمريكي للهند... ماذا عن هذه الإشكالية؟ الجواب لابد وأن يأخذ في حسبانه سياسة واشنطن «اللعب على المتناقضات» ، حيث بدأت تلك السياسة في أوائل السبعينات حينما أرادت واشنطن استقطاب الصين لتكون صديقاً، إن لم يكن حليفاً في مواجهة الاتحاد السوفييتي، وقد عرف العالم وقتها سياسة الاحتواء الصيني ودبلوماسية «البنج بونج» لهنري كيسنجر. والشاهد أن توجهات «دونالد ترامب» التي دخل بها إلى البيت الأبيض كانت ترمي إلى احتواء روسيا بوتين هذه المرة بوصفها الصديق، في مواجهة الصين التي يرى البعض أنها القطب القادم المناوئ للأمريكيين لا محالة.

غير أن خطة ترامب لم تفلح بعد أن اعترض طريقها أصحاب المجمع الصناعي العسكري الأمريكي، أولئك الذين يرون في احتدام الصراع الأمريكي- الروسي، ضرورة حكمية لبقاء صناعاتهم وسيطرتهم على مقدرات الأمور في الداخل الأمريكي.

في تحليل مطول لها تخبرنا شبكة الـ CNN الأمريكية الإخبارية، ان الرئيس ترامب قد بدأ بخطوات هادئة تميل بشكل كبير نحو حليف آخر من جنوب آسيا بعيداً عن باكستان، وهو مواز للصين، ويمكن أن يساعد في تعديل التوازنات وخاصة في المنطقة التي يحتمل أن تكون أكثر حساسية وهي بحر الصين الجنوبي.

هذه الدولة التي يمارس معها ترامب سياسة «عدو عدوي صديقي» هي الهند، وهي حليف لا يشكل التحالف معه أمراً مستغربا ولكن التقارب معها في الوقت نفسه قد يفتح باباً آخر لصعود الصين التي يمكن أن تظهر أكثر خطورة مستقبلاً.

تمضى العلاقات الأمريكية - الهندية في مسارين، الأول هو جعل الهند حليفا استراتيجيا ومكافئا موضوعيا للصين من الناحية الجيوبوليتيكية، لا سيما وأن صراع واشنطن مع بكين حول جزر بحر الصين الجنوبي تطاله اليد الهندية بأقرب كثيراً جداً مما للجيوش الأمريكية أن تفعل، وبذلك تصبح الهند وزناً معادلا تقريبا للصين.

فيما المسار الآخر يتصل بتسليح الجيوش الهندية، وقد درجت هذه الأخيرة على أن تكون سوقاً مفتوحة للأسلحة الروسية، وعليه فإنها تضمن للفئة الحالمة الحقيقية في واشنطن «المجمع الصناعي العسكري» رواجاً لصناعة الموت التي يجيدها في الحال والاستقبال.

هل بلور الأمريكيون والهنود خطوات حقيقية على الأرض لتفعيل التعاون العسكري وإرسال رسائل إلى الصين بنوع خاص؟

يبدو أن ذلك جرت به المقادير بالفعل في شهر يوليو من العام الماضى، عندما تشارك الجانبان في مناورات عسكرية في خليج البنغال، ووصف قائد أمريكي هذه التدريبات بأنها رسالة إلى الصين في الوقت الذي يتفاقم فيه النزاع الحدودي بين دلهي وبكين.

هذه التدريبات العسكرية المشتركة التي حملت اسم «مالابار» والتي تجرى بشكل متواصل منذ عدة سنوات بين الجانبين، جرت العام الماضي بشكل غير مسبوق، لا سيما وأن ثلاث حاملات طائرات أمريكية عملاقة وصلت إلى شواطئ الهند الشرقية، للمشاركة في الحدث عينه... هل من هدف أبعد لواشنطن؟

يمكن القطع بأن هناك مخططاً استراتيجياً يتسق والرؤى القطبية الأمريكية لمائة عام من السيطرة على العالم، ذلك أن وثيقة القرن الأمريكي للمحافظين الجدد في عام 1997، تمت بلورتها عام 2010 في استراتيجية الاستدارة نحو آسيا أي قطع الطريق على الصين الساعية بهدوء ودون ضجيج لان تحتل مكانة عالمية، وفي ذات الوقت وقف أو إبطاء صحوة الدب الروسي من جديد. في تحليل الروس للمناورات التي جرت بين الأمريكيين والهنود، ذهبوا إلى ان الذين خططوا لتلك المناورات، كان يدور في خلدهم السفن التي تعبر مضيق «ملقا» الذي يتميز بأهمية استراتيجية، إذ عبر هذا المضيق ينقل نفط الشرق الأوسط إلى الصين، وتمر عبره السفن التجارية الصينية القادمة من بحر الصين الجنوبي.

والثابت ان الصينيين لم تكن لتغيب عنهم الرسائل الهندية الأمريكية، ولهذا أشار الأدميرال الصيني المتقاعد «أنوب سنج» إلى تزايد حاد لنشاط السفن العسكرية الصينية في المحيط الهادئ للإعراب عن استياء بكين من التعاون بين الهند واليابان والولايات المتحدة الأمريكية.

إلى أين يمكن أن تمضي باكستان إذن؟

رويدا رويدا تتعقد العلاقات بين باكستان الحليف الذي دعمته أمريكا لعقود طويلة بوصفة شريك في الحرب على الإرهاب، ومؤخراً أدرجت واشنطن ثلاثة من الباكستانيين المرتبطين بمجموعات إرهابية في قوائمها السوداء، وسبق هذه الخطوة تجميد المساعدة العسكرية لباكستان، فهل ستتجه باكستان إلى الروس انطلاقاً من أنهم القوة الآسيوية التاريخية في مواجهة الأمريكيين؟

يبدو من المحاصصات الاستراتيجية أن موسكو لن تضحى بصداقتها وتحالفها الاستراتيجي مع الهند من أجل دعم باكستان، لذا فإن العلاقات بين موسكو وإسلام آباد تتطور لكن دون تحقيق قفزة كبيرة إلى الأمام، ودائماً كانت العلاقات مع روسيا من الدرجة الثانية... ما الحل إذا؟

الشاهد أن بكين وكما قدرتها في سد الفجوات المالية لدول عديدة حول العالم، نراها في المشهد الآسيوي تسارع بدورها لدعم باكستان وتجسير أي فجوة أو فراغ القوة فيها، وفيما باكستان تسعى نشطة للبحث عن شركاء استراتيجيين جدد، فان الصين قدمت بشغف مساعدات عديدة للباكستانيين مساعدات تبدأ من الاستثمارات والقروض الصينية، ما يغنيها عن «حفنة الدولارات» الأمريكية، عطفاً على تزويدها بأسلحة سريعة يمكن ان تعكر صفو الهنود والأمريكيين معاً، فبكين غير غافلة عن العلاقات غير المستقرة مع الهند .

ما هو مآل (اللغز الآسيوي) الذي نراه؟ أغلب الظن أن الجواب ليس باليسير.