الاقتصادية

التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط يثير توترا بين دول المنطقة

23 فبراير 2018
23 فبراير 2018

نيقوسيا (أ ف ب) - سفن حربية وتهديدات وصفقات بمليارات الدولارات ... يحيي التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط آمالا بتحول اقتصادي يمكن أن يقرّب بين دول هذه المنطقة لكنه يثير في الوقت نفسه توترا ويبرز خلافات كامنة بينما تتسابق هذه الدول للمطالبة بحصصها.

قبالة سواحل جزيرة قبرص المقسمة، اعترضت بوارج حربية تركية عمليات التنقيب التي تعتزم القيام بها مجموعة «إيني» الإيطالية ما أعاد الى الواجهة خلافا عمره عقود وزجّ بمصر والاتحاد الأوروبي في القضية.

في الوقت نفسه، تسعى الولايات المتحدة الى التوسط بين إسرائيل ولبنان في خلافهما حول حدود بحرية تطمح بيروت الى أن تنال بعد تسويتها حصة لها في الحقول البحرية.

يقول نيكوس تسافوس الباحث لدى مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن «ما نراه هو أن التوتر بين الدول ينتقل الى مجال الطاقة».

قبرص وتركيا ومصر

بدا شهر فبراير وكأنه يحمل أخبارا سارة لجمهورية قبرص فقد أعلنت مجموعتا «ايني» الإيطالية و«توتال» الفرنسية العثور على مخزون إضافي ضخم من الغاز قبالة السواحل الجنوبية للجزيرة العضو في الاتحاد الأوروبي. لكن عندما توجهت سفينة تنقيب تابعة لـ«ايني» بعدها بأيام لاستكشاف منطقة متنازع عليها، اعترضتها بوارج حربية تركية بحجة أن البوارج تقوم بمناورات حربية في المنطقة.

وليست هذه المواجهة سوى الأحدث في إطار التنقيب عن الغاز حول قبرص. وبعد أن كان يُنظر الى الغاز كحافز لإعادة توحيد هذه الجزيرة، بات عقبة كبرى أمام استئناف محادثات السلام المتوقفة منذ العام الماضي. وتقول تركيا التي تسعى باستمرار الى وقف أعمال التنقيب إنها تدافع عن مصالح القبارصة الأتراك. وقبرص العضو في الاتحاد الأوروبي منقسمة منذ اجتياح تركيا للشطر الشمالي من الجزيرة عام 1974، وتفصل بين القبارصة اليونانيين والقبارصة الأتراك «منطقة عازلة» تحت إشراف الأمم المتحدة. وبينما تحظى جمهورية قبرص اليونانية باعتراف دولي، فان «جمهورية شمال قبرص التركية» لا تعترف بها سوى انقرة. وطلبت نيقوسيا تدخل الاتحاد الأوروبي الذي ينظر الى الموارد في المنطقة كمصدر طاقة بديل محتمل وحذر من أن محادثات السلام لن تُستأنف ما لم تحترم تركيا «الحقوق السيادية» لقبرص.

أما مصر التي تملك أكبر احتياطي للغاز في المنطقة ووقعت اتفاق تطوير ضخما مع قبرص، فقد دخلت في مواجهة مع تركيا حول هذه المسألة.

ولا يبدو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مستعداً لتقديم أي تنازلات، مستنهضا المشاعر القومية مع سعيه إلى حماية نفوذ أنقرة في هذه المنطقة الحيوية.

يقول المحلل لدى «آي اتش اس ماركيت» اندرو نيف «لا اعتقد أن تركيا تريد إثارة مواجهة لكن لا يمكن في الوقت نفسه استبعاد ذلك نهائيا».

وتابع نيف «إذا توغلت إحدى سفن التنقيب بعيدا في إحدى المناطق البحرية المتنازع عليها فربما تلجأ تركيا مجددا الى ‹دبلوماسية البوارج الحربية› دفاعا عن مصالحها».

لبنان وإسرائيل

أيضا في شرق المتوسط، كانت إسرائيل أول من عثر على مخزون للغاز في أعماق البحر في العام 2009. وأعلن رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو في 19 فبراير الحالي، اتفاقا «تاريخيا» لتصدير الغاز الى مصر بقيمة 15 مليار دولار.

وقال نتانياهو في تسجيل فيديو «لم يؤمن كثيرون بمشروع الغاز وقد وافقنا عليه لمعرفتنا أنه سيعزز أمننا واقتصادنا وعلاقاتنا الإقليمية».

وعولت إسرائيل على الغاز لتحسين علاقاتها مع دول المنطقة بعد الانفراج مع تركيا وتوقيعها اتفاقات تصدير مع الأردن ثم مع مصر.

لكن الوضع مختلف الى الشمال من إسرائيل. فقد وقع لبنان في مطلع الشهر الحالي اتفاقه الأول للتنقيب عن الغاز مع كونسورتيوم إيطالي وفرنسي وروسي.

يشمل الاتفاق منطقة موضوع خلاف ضمن الحدود البحرية المتنازع عليها تصر إسرائيل على أنها تابعة لها.

ورغم إيفاد الولايات المتحدة مسؤولا كبيرا للقيام بوساطة، إلا أن الحرب الكلامية آخذة في التصعيد.

فقد أكد الأمين العام لحزب الله الشيعي اللبناني حسن نصر الله الذي خاض حربا ضد إسرائيل في العام 2006 ويملك صواريخ قادرة على إصابة أهداف بحرية انه قادر على الفوز في «معركة الغاز والنفط في المتوسط»، مضيفا أن «إسرائيل التي تهددكم انتم تستطيعون أن تهددوها».

وقامت إسرائيل بتعزيز دفاعاتها الصاروخية البحرية فهي لا تريد المجازفة.

لكن ورغم هذه التوترات، يرى بعض المحللين أن أيا من الجانبين ليس مستعدا لخوض حرب نظرا الى حاجة لبنان الى مصادر الطاقة والاتفاقات التي وقعتها إسرائيل بمليارات الدولارات.

ويقول ايال زيسر رئيس قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب «لا اعتقد أنّ هناك أي مجال بحصول ذلك لان أحدا ليس مهتما بالدخول في نزاع. إنها مسألة أموال: الجميع يمكن أن يخسر والكل يمكن أن يربح».