أعمدة

نوافـذ :وجهات نظر.. متفق حولها ومختلف

23 فبراير 2018
23 فبراير 2018

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

لا يوجد فرد في أي مجتمع لا يحمل وجهة نظر ما، حول أي أمر من أمور الحياة المختلفة، كبر هذا الفرد أو صغر، ومهما تضاءلت وجهة النظر هذه أو كبرت، عرفت أو لم تعرف، مهمة كانت أو غير مهمة، أخذ بها أو لم يؤخذ، شكل صاحبها أهمية ما أو لم يشكل، فالمهم، لا يمكن بأي حال من الأحوال؛ أن لا تكون بيننا مجتمعين أو متباعدين؛ وجهة نظر ما، ندافع عنها، أو ندفع بها، نتخذها دليلا أو نبعدها عن أن تشكل ضدنا دليلا.

تنبني وجهات النظر؛ عموما؛ من خلال مصادر كثيرة، أولها، وأهمها هي خبرة الحياة، فكلما تعمقت خبرتنا في الحياة، كلما انعكس ذلك على وجهات نظرنا تجاه الأشياء والمواقف، وتجاه الحوادث والقضايا، ومن ثم تأتي المعرفة حيث القدرة أكثر على التعمق في إبداء وجهة نظر متينة وماكنة، لأنها تنطلق من رؤية أوضح، وثالث مصادرها المهمة؛ هي: تراكم العمر، حيث تتأصل وجهة النظر أكثر، ويكون صاحبها في هذا العمر أكثر ثباتا وتمكنا من هم الأقل منه سنا، ولذلك تبقى وجهة نظر كبار السن ثابتة؛ بثبات صاحبها، ولذلك يقال: أنه ليس من اليسير التأثير في زعزعة مواقف كبار السن، ومما يجب الإشارة إليه أكثر في هذا السياق، أنه ليس هناك وجهة نظر متفق عليها بصورة مطلقة، وغير متفق عليها بصورة مطلقة أيضا، فالاتفاق والاختلاف على وجهة نظر ما؛ تبقى نسبية الى حد كبير، وهذا شأن من شؤون البشر، لقصور النظر، وعدم الإحاطة بالشيء من جميع جوانبه في لحظة الحدث، وحتى لو أخذ الحدث وقته الكافي من النظر والتمعن فيه، ستبقى هناك وجهات نظر متفق عليها وأخرى مختلف عليها، وإن حدث تقارب في الاتفاق او الاختلاف؛ سيكون تقاربا نسبيا أيضا، ولن يكون مطلقا.

ومن المعتاد والملاحظ أن تحدث تنازلات في وجهات النظر المختلفة بين الناس، وذلك لتقارب المصالح فيما بينهم، وكما قال شاعر العربية الكبير زهير بن أبي سلمى:

«ومن لم يصانع في أمور كثيرة ** يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم» وربما هذه «علة» في حقيقة العلاقات بين الناس، وقد تكون صوابا أيضا، لأن التصلب في المواقف؛ كثيرا ما يؤدي الى الاختلاف والتنازع وتمزق «اللحم» الاجتماعية، وهذا يقينا؛ ليس من صالح المجتمع ككل.

والذي يهم هنا أيضا هو القدرة على كيفية معالجة وجهات النظر المتصلبة، التي لا ينطق أصحابها إلا بكلمة «لا» ولا يمكن، ولا أتفق، وأخالفكم أبدا، وهذه القدرة تحتاج الى كثير من الخبرة، وكثير من الاحترام، وإلى كثير من التقدير للطرف المتصلب، ولا بد أن يشعر بهذا كله، وإلا لن يتنازل عن وجهة نظره ولو بـ «قطع رأسه» كما يقال، وخاصة إذا لمس أن الطرف الآخر يستدرجه بطريقة مهينة، أو فيها استغلال لحاجة، أو لعاطفة، أو ما يسمى بـ «لي الذراع» فالمتصلبون في وجهات نظرهم؛ هم أيضا شديدو الذكاء، ولعلهم يناورون ليحظوا بمكاسب أكثر، خاصة إذا شعروا أن الطرف الآخر أقل حدة، وخبرة، ومجابهة.

وفي المقابل؛ أيضا؛ التسليم المطلق لا يعبر عن تسامح، وإنما قد ينظر إليه على أن صاحبه ذو شخصية ضعيفة، وقليل الخبرة في الحياة، ومسالم الى حد الإخفاق، ولا يملك رؤية واضحة، وهناك فهم مقارب لذلك حسب النص: «لا يكن احدكم إمعة... الخ» فوجهة النظر المتزنة؛ في أي أمر؛ تظل مطلوبة الى حد كبير، حيث لا إفراط ولا تفريط، وهنا ليست دعوة الى التنازل عن القناعات التي يؤمن بها الفرد تجاه رؤية معينة، بل يجب أن يحافظ الفرد على قناعاته، ويبدي صورتها من خلال وجهة النظر التي يكون عليه، إلا إذا تعلق الأمر بالمصلحة العامة، هنا يفضل أن تكون هناك مهادنة مع النفس لأن «درء المفاسد، مقدم على جلب المصالح» كما هي القاعدة الفقهية المعروفة.