أفكار وآراء

الأزمة السورية إلى أين؟

21 فبراير 2018
21 فبراير 2018

عبدالعزيز محمود -

تدخل العلاقات الأمريكية التركية نفقا مظلما، بسبب تطورات العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش التركي وحلفاؤه ضد الميليشيات الكردية المدعومة أمريكيا في شمال غرب سوريا. ويقول الأتراك إن هدفهم القادم منبج، حيث يتمركز ٢٠٠٠ جندي أمريكي إلي جانب ميليشيات كردية، وسط مخاوف من حدوث مواجهة عسكرية تركية أمريكية.

ثمة ما يؤكد أن الأزمة السورية على أعتاب مرحلة جديدة، لن يكون الصراع فيها مجرد حرب بالوكالة، وإنما سيتحول إلى صراع إقليمي ودولي مباشر على تقاسم مناطق النفوذ، مما يجعل التوصل إلي حل سياسي للأزمة مهمة شبه مستحيلة.

صحيح أن أوضاعا كثيرة تغيرت بعد سبع سنوات من الحرب، فالنظام السوري تمكن من البقاء واستعادة السيطرة تدريجيا تزيد على ٥٥٪ من مساحة البلاد، بدعم من إيران وروسيا وحزب الله، بينما فشلت المعارضة المسلحة وداعموها (الولايات المتحدة ودول إقليمية وعربية) في تحقيق أهدافها، ولم تعد تسيطر إلا على ١١٪ من مساحة البلاد وتحديدا في الغوطة الشرقية ومحافظة إدلب.

من جهة أخرى تعرض تنظيم داعش لهزيمة ساحقة، بعد فقدانه كافة الأراضي التي يسيطر عليها، بما فيها معاقله في الرقة ودير الزور، وأصبح وجوده محصورا في جيوب متفرقة بالبادية السورية وعلى الحدود السورية العراقية، التي توازي ٦٪ من مساحة سوريا، بينما لم يتمكن الأكراد، الذين يسيطرون على ٢٧٪ من الأراضي السورية ولعبوا دورا بارزا في هزيمة داعش، من تحقيق حلمهم في الحكم الذاتي.

ومع الوجود العسكري الدائم لروسيا وإيران والولايات المتحدة، والعملية العسكرية التركية في عفرين، وتهديد إسرائيل بالحرب ضد إيران وحلفائها، يدخل الصراع الجيوسياسي الدولي والإقليمي على سوريا مرحلة أكثر خطورة.

فالولايات المتحدة التي تهيمن، من خلال دعمها للأكراد، على ٢٧٪ من مساحة سوريا، وتحتفظ فيها بعشر قواعد عسكرية، تسعى لمنع انفراد روسيا وإيران بتحديد مصير سوريا، ومحاولة فك التحالف بينهما، والسيطرة على منابع البترول والغاز في دير الزور، والتي تمثل ٦٠٪ من ثروة البلاد النفطية، بالإضافة إلى تدمير فلول تنظيم داعش.

كما تحاول قطع الطريق البري الواصل بين طهران وبيروت، عبر منفذ القائم -البوكمال ومنفذ البعاج غير الرسمي على الحدود بين سوريا والعراق، وإبعاد الميليشيات الإيرانية في جنوب سوريا، والتي تتواجد على بعد ١٢ كم من الحدود الإسرائيلية.

أما روسيا فتسعى عبر وجودها العسكري الدائم في سوريا، من خلال قاعدتي طرطوس البحرية وحميميم الجوية، لاستعادة دورها كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط، وخلق نظام إقليمي مستقر قرب حدودها، ومكافحة الإرهاب، والسعي لإقامة نظام دولي متعدد الأقطاب في مواجهة الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الفوز بعقود الإعمار والطاقة في سوريا.

أما إيران فتسعى عبر وجودها العسكري في سوريا، وحزب الله والميليشيات المحلية التي شكلتها في درعا، إلى تعزيز نفوذها في سوريا ، وتأمين طريق الإمدادات لحزب الله في لبنان، وتأمين منفذ دائم لها على البحر المتوسط، فضلا عن ضمان بقاء واستمرار النظام السوري.

لكن الأهداف الإيرانية تثير مخاوف إسرائيل، التي تخشي من إقامة قواعد إيرانية دائمة في سوريا أو انتشار قوات إيرانية أو تابعة لحزب الله على حدودها الشمالية، أو نقل أسلحة إيرانية متطورة لحزب الله أو إقامة منشآت لإنتاج أسلحة في لبنان، وهذا ما يدفعها للتهديد بعمل عسكري ضد إيران وحلفائها.

من ناحية أخرى أثارت طموحات الأكراد السوريين في الحكم الذاتي، ومحاولة واشنطن تشكيل قوة كردية قوامها ٣٠ ألف مقاتل في شمال وشرق سوريا، مخاوف تركيا على أمنها القومي بالنظر إلى اتساع نشاط الحركات الانفصالية الكردية داخل أراضيها.

وهكذا شن الجيش التركي بالتعاون مع الجيش السوري الحر المعارض عملية غصن الزيتون في عفرين، مهددا بالتقدم نحو منبج، التي تعتبرها الولايات المتحدة خطا أحمر، مما تسبب في توتير العلاقات الأمريكية التركية لدرجة التهديد بمواجهة عسكرية بين الطرفين، رغم عضويتهما في حلف الناتو.

وفي ظل هذا الوضع الملتهب وقعت أول مواجهة عسكرية مباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا، بعد أن استخدمت القوات الأمريكية الطائرات والمدفعية في قتل أكثر من ٢٠٠ من المرتزقة الروس خلال قيامهم بالهجوم على قاعدة تسيطر عليها القوات الأمريكية وحلفائها الأكراد في دير الزور.

ويبدو أن استعانة روسيا بقوات عسكرية غير نظامية تابعة لشركات أمن روسية، يثير قلق واشنطن، رغم أن هذا التكتيك استخدمته الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان من خلال شركة بلاك ووتر، واستخدمه الروس في شبه جزيرة البلقان وأوكرانيا، عبر شركة فاجنر، وتسببت المواجهة في توتر حاد بين موسكو وواشنطن.

من ناحية أخرى تسببت الغارات التي شنتها إسرائيل ضد ١٢ هدفا في سوريا، منها أربعة أهداف إيرانية، ردا على اختراق طائرة استطلاع زعمت أنها إيرانية لمجالها الجوي، وإسقاط مقاتلة إسرائيلية من طراز اف- ١٦ في تصعيد خطير للصراع الإسرائيلي الإيراني.

صحيح أن التدخل الروسي أوقف مواجهة مؤكدة بين الجانبين، لكن أسباب النزاع تظل قائمة، مما يهدد بنشوب حرب مستقبلا، ربما تكون مكلفة لإسرائيل، في ظل امتلاك إيران وحزب الله لصواريخ بعيدة المدى، وهو ما يثير مخاوف من تدخل أمريكي يؤدي لمواجهة مع روسيا وإيران في سوريا.

على صعيد آخر تدخل العلاقات الأمريكية التركية نفقا مظلما، بسبب تطورات العملية العسكرية التي يقوم بها الجيش التركي وحلفاؤه ضد الميليشيات الكردية المدعومة أمريكيا في شمال غرب سوريا. ويقول الأتراك إن هدفهم القادم منبج، حيث يتمركز ٢٠٠٠ جندي أمريكي إلي جانب ميليشيات كردية، وسط مخاوف من حدوث مواجهة عسكرية تركية أمريكية.

ومن الواضح أن واشنطن تتلاعب بورقة الأكراد للحفاظ على شراكتها الاستراتيجية مع تركيا، ومنعها من التنسيق مع روسيا وإيران، والذي حقق لها مكاسب سياسية وعسكرية في مواجهة الأكراد، لكن الحقائق على الأرض تقول انه من الصعب على الأتراك فك ارتباطهم بالروس، كما انه من الصعب على الأكراد فك ارتباطهم بالولايات المتحدة.

وهكذا أصبحت سوريا ساحة للمواجهة بين عدة قوى دولية وإقليمية، تتصارع على تقاسم مناطق النفوذ، عبر التفاهمات بين روسيا وتركيا في عفرين، وسياسة الأرض المحروقة التي تمارسها روسيا وحلفاؤها في ادلب والغوطة الشرقية.

وتعمل واشنطن على إطالة أمد الصراع لاستنزاف كل الأطراف، وتعديل موازين قوى المعارضة، بتزويدها بصواريخ مضادة للطائرات، تسببت مؤخرا في إسقاط مقاتلة روسية من طراز سوخوي ٢٥، كما تهدد بتوجيه ضربة جديدة للجيش السوري، ردا على استخدام محتمل لأسلحة كيميائية. نظريا يمكن لمباحثات الوضع النهائي معالجة كل هذه الفوضى، لكن صراع القوى الدولية والإقليمية يحول دون ذلك، فالمسار التفاوضي الذي تقترحه روسيا وإيران وتركيا عبر استانا وسوتشي ترفضه الولايات المتحدة، والمسار التفاوضي الذي تقترحه الأخيرة عبر جنيف ترفضه الدول الثلاث الأخرى، واستئناف القتال وارد سواء بشكل مباشر بين اللاعبين الرئيسيين، أو عبر إعادة تسليح الوكلاء المحليين.

ووسط كل هذه التعقيدات يبدو من غير الوارد التوصل إلى حل سريع للازمة السورية، وهو ما يعني أن معاناة الشعب السوري بكل أسف لن تنتهي قريبا.