1255264
1255264
المنوعات

جئت إلى هنا بمشروع «أطفال القرى العمانية» من أعماق عُمان

20 فبراير 2018
20 فبراير 2018

يرفض التصوير مع الأطفال في أفلامه بحضور آبائهم وأمهاتهم.. المخرج التونسي أنيس الأسود:-

حاورته: بشاير السليمية -

فكرت كثيرا فيما يمكن أن أسأله لضيف حاوره آخرون في الإذاعة والتلفزيون والنادي الثقافي في ذات الأسبوع عن سينما الطفولة وأنا في طريقي للقائه. وصلت حيث ضربنا الموعد. بقي يبحث بين الكراسي وأنا أتبعه، وأفكر أن الكراسي هنا كلها متشابهة، وتساءلت عما يبحث بينها، حتى اختار مكانا تحت الشمس وجوار الشجر ومقابل نافورةٍ كانت في المكان.

كان هذا المخرج التونسي أنيس الأسود ضيف ملتقى السينما الثاني «سينما الطفولة»، المهتم بطرح قضايا الطفولة في أفلامه وثائقية كانت أم روائية. وفور وصولنا المكان الذي اختاره للحوار بادرته:

• سُئلتَ كثيرا عن سر انجذابك لإخراج أفلام تخص الطفولة، لذلك لن أكرره عليك، ولكني سأسألك عن طفولتك، كيف كانت؟

تنفس الصعداء وابتسم: هـذا سؤال خاص. ثم أجاب: طفولتي كانت سعيدة جدا. من أسعد الطفولات التي يمكن أن يعيشها البشر، ليست من ناحية مادية. الطفولة ليس لها علاقة بالأموال، لكن الطفولة لها علاقة بالحلم. والدي ووالدتي كانا موجودين معي، أمي معلمة وأبي كـذلك في سلك التعليم، وكنت أراهما كل يوم وفي كل وقت كانا مشغولين بنا ويشجعوننا، وكنت مجتهدا كثيرا في دراستي. كنت آخذ جائزة الولاية وجائزة الجمهورية، وأنا صغير عمري خمس أو ست سنوات. كنت شغوفا بصنع ألعابي. وقتها في السبعينيات لم يكن سهلا أن تشتري الألعاب، وأن يشتري لك والدك ألعابا. كانت حاجة ثمينة جدا. أن يشتري لك نعم، لكن ليس باستمرار مثل اليوم. اليوم أصبح الناس يشترون خمسين لعبة في الدقيقة. العولمة والأموال وعدم الاقتناع وقلة الحلم يجعلك تشتري وتدخل في الاستهلاك المفزع، ولهذا كنت أصنع كل ألعابي، وكان ذلك يسعد والديّ كثيرا. كنت أصنعها بالألواح والخشب والحديد، بالأوراق، كنت أرسم وأغني. وفي عمر أربع سنوات مثلت في أول مسرحية، وقدمت سهرة. كنت أشتري كتب الأطفال، وأقرأ الكثير منها. بحق كانت طفولة جميلة جدا. عشت طفولتي في مدينة المونستير، مدينة بورقيبة ومولده، كانت على البحر، مدينة رائعة بها حديقة حيوانات.

• إذن طفولة سعيدة لا تشبه تلك التي عكستها في أفلامك، أليس كذلك؟

أفلامي مأخوذة من طفولتي، ومن تجارب عشتها في طفولتي لكن ليس لها علاقة بالأتوبيوجرافيك، مثلا فيلم «صابة فلوس» للطفل الذي يزرع النقود: أنا عشت هذه التجربة لكن الفيلم يبعد عنها، أي يتجاوز تجربتي مع زراعة النقود؛ لأنه أصبح دراما وأصبحت حكاية، حكاية خيمياء، النقود لا تنبت ولكن الطفل ينبت. وفيلم صبّاط العيد بدأ من تجربة عشتها في طفولتي. كان أبي يأخذني أواخر رمضان لنشتري ثياب العيد وحذاء العيد، وكان الحذاء مهما؛ لأنك ستعيش به سنة كاملة، قد يشترى لك حذاء آخر ولكن في الصائفة، فكنت معجبا بحذاء شاهدته في واجهة محل، كان بني اللون وكنت مبهورا به وكان غالي الثمن أظن؛ لأن ثمنه لسنا معتادين عليه وربما بأضعاف الأثمان التي كنا نشتري بها وقتها، فطلبته من والدي كعربون لاجتهادي، وأبي دخل المحل، ورأيته يناقش البائع وكان يتعرق بشدة، وكنت سعيدا لمشاهدته وهو يدافع عن حلمي، لم تعد عندي أي مشكلة من أن يخرج بدون «الصبّاط»؛ لأني كنت سعيدا بوقفته معي وحرصه على حلمي. لا أتذكر الآن ماذا فعلت بالحذاء ربما لبسته أو استهلكته من أول أيام العيد لا أتذكر، لكن الشيء الوحيد الذي أتذكره هو حب والدي ذلك الحب القوي لحماية حلمي. والدي خرج لي بالحذاء، لكني كنت متأكدا أن هناك الآلاف من الأطفال لم يخرج لهم آباؤهم بالحذاء، وهكذا بنيت فيلم «صبّاط العيد» على هذا المشهد مع إمكانية أن يشتري الطفل الحذاء في مخيلته؛ لأن طاقة الطفولة في الحلم ليس لها حدود، لابد من أن تصنع طفلا يحلم كثيرا دون أن يقمع، فوالدي كان متشبثا بأن يفرحني في ليلة العيد، ومع ذلك خاصمته أمي وغضبت كثيرا عندما عدنا؛ لأنه اشترى لي حذاءً دون إخوتي... أنهى ضيفي كلامه ونظر في الفراغ كمن يتذكر، وضحك كثيرا، قبل أن يضيف: حتى أفلامي الجديدة التي صورتها في اليمن أو في موريتانيا أو في الجزائر، أو في الأردن واليابان، اكتشفت عالما غريبا، وصورت أطفالا مع عوائلهم.

• أرى أنك - إن صح التعبير - تتحاشى الاقتراب من الخليج في صناعة أفلامك!

نحن التوانسة قربنا من أوروبا مهم، فينا نصف الوجه أوروبي ونصف الوجه الآخر عربي، لا يمكنك أن تخلع لا هذا ولا هذا، ولا تنسي نحن أفارقة ونحن أماريغ في نفس الوقت، لكن التأثير العربي والفتوحات الإسلامية والثقافة الإسلامية التي جاءت لنا بالدين وبالكثير من الأشياء أثرت في التوانسة. لنا عاداتنا وتقاليدنا ولكن في نفس الوقت نحب أن نسافر لأوروبا، ونحب القراءة لأوروبا، ونحب أن نرى العالم. والحلم عند التونسي متطور لقربه بإيطاليا ولاختلاطه بالإيطاليين وبالفرنسيين، والأمازيغ والأفارقة، وبكل فئات العالم. تونس هي ميناء، ٣٠ حضارة مرت بتونس، واحتلت ٣٣ مرة في حياتها، فهي مخضرمة، بها حضارات وديانات وكل شيء، وحين ابتدأت اعتني بنصف وجهي الثاني ابتدأت بفيلم في القيروان، اسمه «قيروان رابعة الثلاث» وهو فيلم يحكي عن القيروان وقدسية القيروان التي تعتبر المدينة الرابعة والتي أسست تأسيسا عربيا، ومن خلالها انتشر الإسلام، والحضارة العربية الإسلامية في شمال أفريقيا وإسبانيا وصقلية وجنوب الصحراء خصوصا، فانفتحت على العالم العربي، وبدأت أدرس أكثر بالعربية وذهبت إلى كثير من المدن في مصر والجزائر وتونس والمغرب وموريتانيا، ودبي وقطر واليمن ولبنان والأردن، واكتشفت أهمية الوجه العربي «نصف الوجه الآخر».

• هل أفهم من كلامك إنك لم تجد التنوع أو الانفتاح على الغير الذي تبحث عنه لصناعة فيلم ما في الخليج؟

التنوع موجود، أنا جئت إلى هنا بمشروع اسمه «أطفال القرى العمانية» من أعماق عمان، واقترحته على التلفريون «قناة عمان الثقافية»، ولدي أصدقاء هنا تعاملت معهم، وكنت قد تعاملت معهم سابقا في مسلسل انكسار الصمت الذي صور بين عمان وتونس. كنت المنتج المنفذ للمسلسل والمخرج للجزء التونسي، وصارت عندي علاقات كبيرة مع المنتجين هنا والمخرجين والممثلين والأدباء والشعراء والكتاب والسيناريست، ما معناه أن ثمة تعاونا جديا وحرفيا ما بين الطرفين، وإن شاء الله يقبل المشروع وتكون عادة.

ثم تساءل ضيفي:

«قد ايش ثَمّ من محافظة في السلطنة؟» فأجبته: إحدى عشرة.

فقال: معناه أن نأخذ قرية من كل محافظة، ونعمل فيلم من ٢٦ دقيقة، وهذا سيكون بمثابة أرشيف للبلاد وفي نفس الوقت نكتشف طاقات القرى وأبناء الريف كم عندهم من طاقات، لأنه عندهم حلمهم، هل نعرف نحن أبناء الريف اليوم؟! هل يحلمون بالمدينة؟! هل هم فخورون بقراهم؟! بعاداتهم بتقاليدهم بأكلهم بلباسهم؟! وهذا الفيلم عملته من قبل في تونس والجزائر، وأحببت أن أواصل وأدخل للجزيرة العربية، بعد أن اختلطت بأصدقاء منها ورأيت تجاربهم السينمائية، واكتشفت عالما خفيا، لذلك هذا المشروع يهمني وأريد إكماله، مع عدم ضرورة أن أكون أنا هو الذي يعمل الـ11 فيلما، بل نتقاسمه ونتشارك في خلق هذا الأرشيف.

• قلتَ في برنامج ثقافة مع أبي حامد في 2014، أن هناك تقصيرا في طرح مواضيع الطفولة، هل ما زلت تعتقد بعد مرور أكثر من ثلاث سنوات أن التقصير موجود؟

أظن أن السينمائيين ليس لديهم وعي بخطورة الوضع، اليوم أطفالنا يتفرجون على الشخصيات الأمريكية والفرنسية واليابانية، ونحن؟! أليس لدينا الحق في صنع صورتنا؟! أطفالنا يستحقون الصورة التي تساوي مستوى ذكائهم، فهم أذكى من الكبار وعلينا أن نصعد لهم لا أن ننزل، وإن لم تكن عندهم صورة ينطلقون منها لن يستطيع الواحد منهم أن يضيف شيئا للعالم من ثقافته، فالثقافات في عصر العولمة مثل الـ (Puzzle) وكل طرف يضع قطعة، ونحن لدينا قطعتنا ولكننا «وقفنا غادي». أين أدب الطفل؟ أين الكتابات؟ كليلة ودمنة، وعلاء الدين والسندباد البحري؟! ثمة فقر في الكتابة للطفل، نعم هناك محاولات وإذا وجدت محاولات جدية يكون توزيعها ناقصا ولا تصل لمكان.

• لماذا في اعتقادك وهذا زمن الفضاءات المفتوحة لا تصل السينما التونسية إلى الخليج والعكس؟

هذه مشكلة مؤسسات، ليست قصة مال، ولكنها العقلية والإرادة والسياسة. مثلا في تونس منذ 1964أسسنا أول مهرجان في العالم العربي والأفريقي وجزء كبير من أوروبا، لم تكن عندهم مهرجانات للسينما وقتها، ونحن خلقنا اثنين من المهرجانات، فكانت هناك إرادة وانفتاح على السينما، وعلى لغة الصورة، لكن بعد ذلك جاء الخوف من السياسة والخوف من الصورة؛ لأنها فعالة فالكاميرا تلتقط الشخص وما في دماغه، الصورة وما وراء الصورة، لذلك الأفلام تصل إلى أعماق كل الشعوب. مثلا يمكن لفيلم من السلطنة إذا توافرت فيه جدية في اللغة السينمائية والكتابة والتقنية، أن يصل حتى إلى الهنود الحمر، فعندهم نفس المشاكل التي لدى العماني. إنسانيا مشاكلنا واحدة لكن تختلف في طريقة تعبيرها فقط، وثمة شيء مهم هو وجود المكتبة السينمائية السمعية والبصرية، هي أهم مشروع يجب أن يتوافر في كل بلد، حتى تجد كل ما تبحث عنه من أفلام لبلد معين، ومن صورة للمجتمعات والحقب الزمنية فيها، وهذا كله من خلال الصورة.

• اللهجات.. غالبا نجد الخليجي يفهم اللهجة المغاربية بشق الأنفس ومغاربي يفهم الخليجية بذات الحال.

ابتسم وقاطعني قائلا: «نفهم خليجي» فأصريت أن «الأغلبية» لكوني زرت تونس والمغرب ولم أفهم ما يقال ولم يفهمني في المقابل أغلب من قابلتهم، فقال: «والله لا، نحن في تونس نحب الخليجيين ونحب الخليج ونفهم لهجاتكم و«نَعْشْقُوكُم» في لهجاتكم» وقهقه..

• ألا تشعر معي أن اللهجات تشكل عائقا في فهم الحوارات مثلا؟ تابعت واحدا من أفلامك ليلة أمس، ولم أستطع أن أفهم، واعتمدت على الترجمة الإنجليزية في الأسفل!

«مش مشكل». هذا بخل من المُشاهد، عندما تتعود على المسلسلات ستجدها سهلة. هكذا تكون ثقافة السهولة، فإن لم تفهم حلقة اليوم، ستفهم حلقة الغد «مافي مُشكل» لكن كل هذا لضعف ثقافة الصورة؛ لأننا لا نستأنس التفرج على أفلام سينما معينة. وعلى فكرة ليس عندي تلفزيون في البيت.

• سينمائي وليس عندك تلفزيون؟!

لأني لا أحب تشويه ذوقي.

• لكن أنت من تختار الجيد من الرديء.

التلفزيون وسيلة تأثير على الذوق يفسد ذوقك ويحط منه.

• وعندما تصل أفلامك للتلفزيون؟

لامشكلة، على الأقل أكون أثرت على الناس الذين يتفرجون، وسأكون سعيدا. لكن المحنة في التلفزيون الآن هي محنة المسلسلات التركية «ناقصين احناّ؟!» أن نترجم هذه المسلسلات. هذا قمع للإنتاج والتفكير، أليس لدينا مشاكلنا الخاصة؟! هل ننتظر المسلسل الكوري ليحكي عنها، أم ننتظرها من الأتراك؟! هذا من الجرائم التي تحدث الآن في التلفزيون، نحن عندنا مشاكلنا، ومسؤولية التلفزة إنتاج دراما ومسلسلات وبرامج موجهة لكل الفئات، أيا كان نوعها.

• ذكرت مرة ضرورة وجود قناة تونسية للأطفال.

كيف تربي النشء دون أن تنتج لهم، مثلا عندما يقال «قناة عمان للأطفال» معناه أن تكون مجبرا على وضع ميزانية وموظفين وأخصائيين نفسيين وسيكولوجيين وخبراء وكتاب في أدب الطفل ومسرح الطفل، حتى الرضع يجب أن يكون لهم نصيبهم لأنه عندهم الحق في بعض الكبسولات لثلاث أو أربع دقائق. هناك أغان تغنيها الأمهات والجدات للأطفال وقت الأكل، والنوم والاستحمام. مرة عملت كبسولات أنيميشن في هذه الأغاني، ناهيك عن أنه عمل يحافظ على التراث السمعي.

• ألا تلاحظ أنه حدث خلط في المفاهيم في نسخة الملتقى هذا العام؟ فهناك فرق بين سينما الطفولة وأفلام الأطفال باعتقادي، أن يكون بطل الفيلم طفلا لا يعني أن الفيلم متاح أو مناسب لمشاهدة الأطفال كفيلم «Skin» مثلا.

هذه مسألة تنظيمية. رأيت الأطفال الصغار الذين حضروا عرضه مع أهلهم. وفيلم «Skin» من أجمل الأفلام التي شاهدتها، ربما هو ليس للطفولة الأولى ولا الثانية ولكن ربما للطفولة الثالثة من ١٢ إلى ١٨ سنة.

•الفيلم القصير هو تلك الومضة التي تقول كل شيء ولا تقول، كيف تستطيع بناء هذه الفكرة الومضة في أفلامك؟

أظن أن الفيلم القصيرعنده مميزاته وعنده خاصياته، ولا يعتبر مرحلة في تدرج صناعة الفيلم الروائي الطويل، فالقصير عنده مقوماته وطريقته، وأسلوبه المختصر القوي، كما أن هناك في المقابل أفلاما لا تستطيع أن تحكيها في نصف ساعة، وإنما يلزمك وقت أطول لتفعل ذلك. وفي نظري الفيلم القصير مناسب للطفل.

• مناسب للمشاهد الطفل أم الممثل الطفل؟

المشاهد الطفل وأيضا الممثل، لأن التصوير لمدة سبعة أسابيع أو أكثر مع طفل يرهقه، ولا يتمكن من الفهم؛ لأنه بالنسبه له لا هو عمل ولا هو تمثيل وإنما لعب، وإذا أطلت عليه سيطلب منك تبديل اللعبة، سيقول لك إنه يود الذهاب إلى البحر.

• وكيف تدير الأمر مع الأطفال إن طال الفيلم؟

عندي علاقة مع الممثلين الصغار، بيننا مسافة ولست على علاقة حميمة معهم، هي علاقة احترام بالطبع لكني لا أحب الكلام الزائد ولا الواعد. وعندما يكفون عن الهرج والدلع واستعراض طاقاتهم، أي عندما يتعبون أبدأ بالتصوير، ولا أقبل بوجود آبائهم وأمهاتهم في التصوير، هذا عندي شيء ممنوع.

• ألم تواجه رفضا للظهور من قبل العوائل التي صورتها كالعائلة اليمنية في فيلم «بنت ولد» مثلا؟

هذا الفيلم في جبال اليمن وليس في العاصمة، هناك الناس متحفظون جدا.

• كيف وافقوا إذن؟

سأحكي لك كيف صارت التجربة اليمنية؛ لأنها تجربة خارقة للعادة في الجزيرة العربية التي كنت أحلم بالسفر إليها؛ فاليمن هو قلب العالم. تعرفت على الفتاة ذات العشر سنوات صدفة. كانت تبيع الفضة ولم تغادر بالي، فقابلت والدها وزرتهم في البيت. قال أنا فخور بابنتي، ولنعمل فيلما حولها، فقلت له اني لا أستطيع عمل فيلم لابنتك إلا إذا قابلت أمها، فسكت.. وخرجت أكمل جولتي، وبعدها اتصل بي فذهبت إليه، وقابلت زوجته. كان عمرها 33 سنة وعندها 10 أطفال، كانت متعبة، وعندها ما تحكيه وهذا هو المهم بالنسبة إلي. قال لي زوجها أنت أول رجل «يشوف مَرتي»، فقلت له الحمد لله.

ضحكنا ضيفي وأنا قبل أن يكمل:

قبِل بعد ذلك، شرط أن يكون طاقم التصوير نسائيا، فذهبت إلى السفارة اليمنية في تونس، وطلبت قائمة لطالبات يمنيات يدرسن الصحافة، فوجدت اثنتين في منوبة، واتفقنا في تونس وسافرنا معا إلى اليمن هما تصوران وأنا أبقى في الخارج، وهكذا اعتادت علي العائلة وتبادلنا الأدوار أنا والبنات، فأصبحنا والعائلة أصدقاء، ثم سمحوا لي بالتصوير، وعندما أنجزنا الفيلم كانت الطفلة وعائلتها هم أول من شاهدوه بحضور المثقفين في اليمن.

• دائما تنطلق من أحلام أطفال الريف، ماذا عن المدينة؟

أظن أن المدينة مخضرمة وتقطع دابر الحلم عند الاطفال؛ لأن الحلم يصبح بدون هوية ونظن أن كل ما يحلم به الطفل في المدينة هو الملاهي، لكن الأطفال الموجودين في الريف عندهم ملاه طبيعية عندهم النخل والعصافير وبيوضها والتراب والماء. هذا ملهى طبيعي. وهو الذي يجعلك دائما تفكر وتحلم وتصنع عالمك الخيالي.

• شاهدت ضمن أيام الملتقى أفلاما قصيرة لمخرجين عمانيين، ما رأيك بها؟

هي تبقى تجارب نُفذت في وقت ضيق، ولا أحب أن أكون قاسيا، ولكني أود أن أقول لهؤلاء الشباب إذا كانوا يريدون العمل على أفلام أخرى وهذا إلزامي، ألا يضعوا موسيقى؛ لأن الموسيقى تصبح كالحشو في أول الطريق، حاول ألا تعتمد على «التلفيق». هكذا أسميه. المهم أننا عندما نتفرج نقتنع وأن تعتبرنا مشاهدين أذكياء، فالمخرج إذا لم يكن عنده وعي بالمشاهد صعب عليه أن ينجح في فيلمه.

لكن أعجبتني الصورة في هذه الأفلام، ولو لم تصل الأفكار بطريقة سينمائية، لذلك يجب الإكثار من التجربة. ألا تقف عند فيلم واحد. تجارب الأمس بعضها منفذة منذ أربع سنوات عندما سألتهم وتوقفت. لكن الإيرانيين مثلا يخرجون ١٥٠ فيلما في السنة، وثمة شيء جميل لا أنساه: شاهدت خطابا للإمام الخميني حكى فيه عن السينما، وهو رجل متدين. قال: سنقطع الحلم الأمريكي – السينما – عن أراضينا، وسنصنع الحلم الفارسي. لذلك السينما متطورة في إيران لأنها إرادة سياسية ومستمرة.