1253933
1253933
مرايا

مـتــحــــف بيــــت الغـشـــام .. الثــقـــافـــــة والتـراث تحـــــت سقف واحد

21 فبراير 2018
21 فبراير 2018

افـتـتـــح حــــديـثـا وارتاده أكـــثـــــــر مــــن 4000 زائـــر -

تقرير- مروة حسن -

بعد سنوات من الترميم والصيانة وجهود البحث عن التحف والمقتنيات الأثرية القديمة، دخل متحف بيت الغشام الى قائمة المتاحف العمانية، مؤكدا على أهمية استمرار الجهود لترميم البيوت التراثية والحارات العمانية في مختلف محافظات السلطنة مما يجعلها مزارا سياحيا وثقافيا مميزا، وأن تستقطب الأدباء والباحثين في مختلف المجالات لإبراز المقومات الحضارية للبلاد، بالإضافة الى كون المتحف أحد مكونات مؤسسة بيت الغشام بأقسامها المختلفة كدار النشر ومجلة التكوين، حيث تؤدي هذه المؤسسة دورا بارزا في نشر الثقافة والحفاظ على التراث.

«مرايا» تجول في أركانه وقابلنا مدير المتحف سعيد بن خلفان النعماني لنتعرف عن قرب عن قصة إنشاء هذا البيت وأبرز ما يحتويه وذلك من خلال هذا التقرير..

في البداية أشار مدير المتحف سعيد النعماني أن متحف بيت الغشام هو بيت عماني أثري أثث بالطريقة التقليدية ورُفد بالمقتنيات التراثية واحتوى على مسرح مفتوح وركن تجاري يقدم وجبات ومنتجات محلية وهدايا تذكارية ومكتبة تضم صنوف العلم والمعرفة، وأشار الى أن هناك تعاونا وجهدا كبيرا ومستمرا بين القائمين على المتحف والأهالي والجهات المختصة وذلك حتى يحقق رسالته الوطنية، وأن تعود قرية الشلي الى كامل حيويتها وأسواقها التقليدية ومنابرها الثقافية والعلمية، فتراث هذه القرية جزء لا يتجزأ من المحتوى التاريخي والتراثي لولاية وادي المعاول، فهي ولاية ثرية بهذه المعطيات مما يجعلها وجهة سياحية للأسر العمانية والسياح من كل دول العالم، مما يدعونا جميعا لمضاعفة الجهد للارتقاء بمستوى الخدمات التي تقدم للسائح، ومن ذلك إقامة أسواق دائمة بمتحف بيت الغشام تستقطب المنتجات المحلية وتعنى بالجوانب التراثية والصناعات الحرفية، مما يساهم في إنعاش الجانب الاقتصادي للولاية وزيادة الاهتمام من جانب الحرفيين لتقديم الأفضل والأجود من منتجاتهم .

وأضاف: إن بيت الغشام يعد أحد المعالم الأثرية وتحفة معمارية بولاية وادي المعاول، ويقع هذا البيت في قرية الشلّي ببلدة أفي وهو منزل السيد محمد بن احمد بن ناصر الغشّام البوسعيدي، وسُمّي البيت بالغشام نسبة إلى صاحبه السيد محمد الذي كان يُعرف بهذا اللقب، والسيد محمد بن أحمد الغشام أحد وزراء السلطان تيمور بن فيصل وواليه على مطرح، وقد كان يسكن هو وعائلته في هذا المنزل، ثم صار البيت للسيد احمد بن هلال بن علي البوسعيدي والد المرداس بن احمد وقد كان سكنه الدائم.

ولكبار السن قصص وأحداث معه تبيّن تواضعه وترابطه مع الناس، وقد سكن فيه أيضاً صاحب السمو السيد أسعد بن طارق بن تيمور وصاحب السمو السيد طلال بن طارق بن تيمور وأسرتهم، وذلك عندما كانوا يأتون لقضاء الإجازة مع جدهم السيد احمد بن هلال، ثم صار البيت ملكاً للسيد المرداس بن احمد البوسعيدي، ثم اشتراه السيد علي بن حمود بن علي البوسعيدي بهدف ترميمه وتحويله الى متحف.

والبيت مصمم على الطراز والفن المعماري العماني ويحوي العديد من الغرف بالإضافة إلى الصباح والسبلة وبعض الغرف المحصنة وواحدة للاختباء، بالإضافة إلى أبراج المراقبة والحوش الكبير والبئر وأماكن تخزين التمور.

وبحسب المصادر التاريخية وبناء على التنقيبات الأثرية وتتبع المكونات الرئيسية بالبيت والبحث والتحري في النقوشات والشواهد الموجودة بالكتابات الجدارية والنقوش على النوافذ والأبواب، فإن فترة بنائه ترجع إلى عهد السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي - أي ان عمر البيت تتجاوز 200 عام تقريبا - وشملت اعمال الترميم قصبة البيت الرئيسية والمداخل والمجالس والمخازن والمرافق الخاصة بالبيت ومرابط الخيول والبئر بالإضافة إلى الساحة الداخلية والسور المحيط بها وبعض أعمال التجميل.

يتكون البيت من دورين بالنسبة للقصبة وبها سبع غرف علوية وبعضا المداخل والأدراج التي تؤدي إليها، أما بالنسبة للدور الأرضي للقصبة فيتكون من مخازن التمور وبعض غرف الخدمات. هناك أيضا بعض الغرف الأخرى في الجهة الشرقية ومرتبطة بالقصبة، وأيضا يحتوي على مجلس للرجال بالإضافة إلى المدخل الرئيسي، وما يميز هذا البيت وجود مدخل آخر للنساء بالإضافة إلى وجود مصلى بداخله خاص بالنساء.

يبلغ طول البيت 40 مترا وعرضه 30 مترا وهو الجزء الذي تم ترميمه ومجموع الغرف بداخله حوالي 15 غرفة، وقد روعي في ترميمه استخدام نفس المواد التقليدية القديمة المستخدمة سابقا وهي “الطين، الصاروج العماني، الجص العماني، الحجارة الجبلية المسطحة” وقد أعيد تسقيفه بنفس الآلية السابقة، حيث استخدم أخشاب الكندل والدعون والبامبو، وقد روعي في أعمال الترميم أسلوب المحافظة على بعض النقوش الجصية الموجودة سابقا، بالإضافة إلى ترميم الأبواب القديمة وبالأخص الباب الرئيسي، كما تم إدخال نظام التكييف والكهرباء مع مراعاة الخصوصية في أثرية البيت.

تجهيز المتحف

يقول مدير المتحف: عندما بدأنا تجهيز متحف بيت الغشام بتُحَفِهِ ومقتنياتِهِ الأثرية الموجودة الآن وقد ازدان بها المكان، بدأنا بوضع التصور المتكامل لكي يكون هذا البيت متحفاً بدءا بواجهته الجميلة وجدرانه الخارجية ونهايةً بالغرف الأرضيةِ والعلويةِ وكذلك المرافق الأخرى كالمجلس والمصلى، ذلك لأن واجهات المباني الخارجية في البلدان الإسلامية عموما وعمانُ خصوصا لا تُعبِّر دائماً عن وظيفتها المحددة، فجدران البيوت العالية غالبا ما تكون بلا نوافذ ولا يتخللها الا مدخلٌ واحدٌ فقط، ويرجع ذلك الى أَسبابِ الدفاعِ والعزلةِ التقليديةِ وكذلك للوقايةِ من هبوبِ الرمال في المناطق الصحراوية، والبيت العربي يبدو لمن ينظر إليه من الخارج صارم المنظر في حين ان النشاطات داخل المبنى تجرى ضمن فناء داخلي تحيط به الغرف كليا او جزئيا، وهذا ما ينطبق بشكل كلي على بيت الغشام، فبعد المدخل الشرقي للبيت يتضح الفناء الواسع الذي يضفي عليه انشراحا وجمالا.

ويكمن هذا المفهوم والوظيفة للإنشاء السكني في جوهر تصميم المباني المحلية والفن المعماري في الجزيرة العربية، أما المباني التي لها وظيفة محددة فتشمل النزل المسورة والإنشاءات المحصنة التي كثيرا ما تكون مؤلفة من أسوار عالية وأبراج تحيط بأرض خلاء وكذلك المساجدُ بإيواناتها ذات الأعمدة وساحاتها المسقوفة أو المقنطرة والمفتوحة في احد جوانبها .

وقال: التقطنا صوراً فوتوغرافيةً مركزةً على جميع غرفِ المبنى وماتحتويه كلُّ غرفة من (روازن)، وهي عبارة عن كوة، ونافذة هلالية صغيرة مغلقة من الخارج، وهي بمثابة الشكل الداخلي المجوف الذي توضع فيه آنية المنزل وما يستخدم تُحفةً او زينة، سواء كانت مزخرفة أو بدونها، وذلك كي نحدد نوع وعدد التحف والمقتنيات التي يستحسن وضعها في كل موقع، فتجهيز البيوت ليس كتجهيز الحصون والقلاع وان كانت تتفق في كثير من الأحيان في استخدام الآنية والأسلحة بمختلف أنواعها. وبشكلٍ عام فإن الزخرفة عادة - بصرف النظر عن المدخل الوحيد - فهي تقتصر على الجزء الداخلي من البناء، اذ ان الجزء المسور والساحة أو الساحات التي غالبا ما تتميز بوجود رواق مسقوف او مقنطر، وكذلك غرف الاستقبال الرئيسية يمكن أن تكون مزخرفة بالأفاريز وأشكال الجص المصبوب والبلاط والسقوف المطلية، وتظل تفاصيل الزخرفة المعمارية والفنية شأنا يخص أهل البيت دون غيرهم .

وبعد حصر جميع تلك الروازن وتحديد نوعية التحف التي يمكن وضعها في تلك الأمكنة حتى تعبر عن جماليات البيت العماني، تطلعنا بداية الى ما يحتفظ به المهتمون من تراث البلاد من خلال زيارتنا لأغلب ولايات السلطنة وللمتاحف الشخصية، فوجدنا اهتماما كبيراً للحفاظ على ما تبقى من تراث واستمعنا الى حكايات جميلة حملت اعتزازاً بالموروثِ الثقافي وتفاؤلا بأي مشروع حضاري يعنى بهذا الجانب مفعما بالرغبة الأكيدة للمساهمة فيه قدر استطاعتهم، وفي الوقت نفسه لم نستطع اقناعَ اغلبهم بشراء مقتنياتهم او حتى وضعها مختومة بأسمائِهم بالمتحف، فهم ايضاً يتطلعون لعمل متاحف خاصة بهم، فيعتبرون كل قطعة تحفة نفيسة لا تُقدر بثمن ويرفضون المساومة عليها، مع اننا خسرنا استقطاب مقتنياتهم التراثية ولكننا ربحنا أصدقاءَ لهم نفس اهتمامنا، مما يزيدنا رغبة لايجاد شبكة معلوماتية تجمعهم كي يتم التواصل واللقاء وتبادل التحف وكتابة تاريخها وكأنهم تحت سقف واحد.

وحول جهود البحث عن التحف والمقتنيات الأثرية قال: توجهنا أيضاً الى الأسواق التقليدية، ولعل سوق نزوى كانت وجهتنا الأولى باعتباره سوقا مركزيا للقادمين من مختلف ولايات السلطنة يحمل الكثير من أسرار هذه التحف التي تَفِدُ إليه من كل صوب بين بائع يبحث عن مبلغ مجزٍ ومشترٍ يبحث عن تحفة تاريخية لا يعرف قيمتها أحدٌ إلا هوَ، فقد فُـقِـدت اكثرها – كما يؤكدون - من خلال الأفواج السياحية الذين كانوا يشترون كل ما هو قديم دون فِصَالٍ في الثمن، فبيعت أثمنُ المقتنياتِ بأبخسِ الأثمانِ لاسيما الأسلحةُ القديمةُ والسيوفُ والبنادقُ وكذلك المقتنياتُ المنزليةُ كالمناديسِ والأوانيِ النحاسيةِ، اما الذي في ايديهم فقد رفض اكثرهم بيعه، وقالوا: جئت متأخرا .

ولذلك لم نحصل على بغيتنا، فكان التفكير الى أسواقٍ اخرى، فطرنا الى زنجبار حيث أسواقُها القديمةُ المتوزعةُ بين حاراتِ وأزقةِ المدينةِ الحجرية stone town بشوارعِها الضيقةِ وجُدرانِها الطينيةِ المُبطنةِ بالأحجارِ والجص، والأعمدة التاريخية التي تقف كحرس استقبال في كل مكان وشواهد المقابر التي مر بها الزمن سريعا الى غير رجعة، والأطلال الطينية الباقية بجدرانها المتينة التي تحمل تاريخاً وحكاياتٍ صادقةٍ لكل حدثٍ مضىَ بتلكِ البقاع .

ولأن المسافة بين مسقط وزنجبار لا تتجاوز 5 ساعات طيران متواصل، فقد كان سهلا الذهاب والعودة للبحث عما هو نفيس بأسواقها، ويمثل جزءا تاريخيا مشتركا، فزنجبار عاشت حضارات كثيرة وسكنها أفوأم متعددون، فكان الذي يهمنا ما كان استخداما عمانيا خالصا نقل من عمان الى هناك. ولم تكن أسواق زنجبار فقط محط اهتمامنا فقد زرنا أسواقا كثيرة في افريقيا بشكل خاص ووجدنا حصيلة طيبة بمساعدة سكانها من الأصول العمانية بشكل خاص.

عدد الزوار

وحول سؤاله عن عدد الزوار الذين زاروا المتحف منذ افتتاحه قال النعماني: لقد افتتح المتحف في 28/‏11/‏2016، وبلغ زوار المتحف في حدود 4200 زائر في عام 2017 ، وهو مؤشر جيد للغاية وسيكون في زيادة بإذن الله، ولقد نظم المتحف 15 فعالية خلال عام 2017 والتي كان منها ندوة الآثار المغمورة بالمياه وفعالية القرنقشوه وحفل يوم المرأة والعيد الوطني وغيرها من الفعاليات المتنوعة.

ويضم المتحف مرافق أخرى وهي:

- مكتبة الغشام: وتضم هذه المكتبة جميع أصدارات دار الغشام في مجالات الأدب المختلفة كالقصة والرواية والدراسات التاريخية والأدبية، وغيرها من المجالات، وتقدم المكتبة خصما يصل الى 50 %على عدد كبير من الإصدارات .

- المسرح المفتوح: وتقام على خشبته الكثير من الفعاليات لعل اهمها احتفالات الولاية بالأعياد الوطنية والدينية والمحاضرات والمسرحيات واللقاءات التلفزيونية وغيرها من الأنشطة.

- قاعة المحاضرات والتدريب: وهي قاعة متعددة الأغراض تنفذ بها الدورات التدريبية والمحاضرات والمعارض وكذلك بوفيهات الطعام.