tahira
tahira
أعمدة

نبـض الــدار :فوضى البشر وهدوء الكون !

19 فبراير 2018
19 فبراير 2018

د.طاهرة اللواتية -

[email protected] -

نتابع مجريات مؤتمر الأمن والسلام في ميونيخ، حيث التوتر يتصاعد وضرب طبول الحرب يعلو رغم عنوان الأمن والسلام، بينما تعقد على هامش المؤتمر صفقات السلاح الكثيرة، فالعديد من المؤشرات تدل على تصاعد نبرة الحروب في العالم، ومنها العالم العربي، وكأنه لم يكف ما يجري في سوريا واليمن والصومال والعراق.

ما أسوأ الصخب والفوضى التي يثيرها بعض بني البشر على سطح هذه الكرة الأصغر من حجم حبة الرمل في هذا الكون المزدحم بآلاف الملايين من المجرات والمجموعات الشمسية، يخيم النظام والسكون والهدوء على هذا الكون حولنا، وما يحيط بنا من نبات وكائنات على هذه الأرض الأصغر من ذرة رمل.

كل ما حولنا هادئ ويسير بنظام دقيق جدًا بهدوء وسكينة بينما مدافع البشر الظالمة تسفك الدماء وتخرب وتدمر البشر والحجر والمدر في سبيل أطماع لا تنتهي.

كم هي الحياة حولنا عظيمة وجميلة وحكيمة ومنظمة، وتغمرها العدالة والسكون والهدوء عندما نتأمل طفلا يفتح عينيه على الحياة، ويستأنس برائحة أمه وصوتها ودقات قلبها، أو نباتا بدأ يشتد عوده، أطل من التراب والماء مبشرا بالخير والعطاء والنماء، أو ثمرات تزهو في أكمامها، أو ماعز تضع صغيرها؛ حيث ينقطع الحبل السري تلقائيا على بعد سنتيمترات محددة بدقة من سرة الرضيع، ثم تلعقه وتنظفه بحنان عجيب لتقرب إليه ضرعها الممتلئ كي يتلقفه في لهفة عجيبة، وكأنه تدرب على ذاك قبلا، وتدري متى تبعده عندما يفرغ الضرع وتعيده عندما يمتلئ.

كل شيء حولنا ينطق بالحكمة والعدالة والنظام البديع والسكون والهدوء، فيقوم بدوره في الحياة بدأب ودقة واستسلام لرب الكون، فلا الشجرة تمنع ثمارها وفلذاتها التي تعبت عليها، ولا الأرض تمتنع عن فأس وبذار فلاحها، ولا الأنعام تتأفف من سكين جزارها، بل تستسلم بسكينة قياما بدورها؛ كي نهنأ بلحمها.

ما عدا صخب البشر وفوضاهم وأطماعهم اللامنتهية، هي التي تخرب قدسية هذا الكون البديع، ونظام حياة النبات والكائنات حولنا. فوضى وأطماع وظلم وسكب دم حرام لا تنتهي رغم إدراك الإنسان لعمره القصير، وأنه بمجرد أن يتوسد التراب تذهب كل قوته وجبروته، وينتهي ما جمعه إلى غيره بلا أسف عليه، وكأنه لم يكن ولا كان.

إلهي وربي، ما ألطفك بنا مع جهلنا، وما أرحمك بنا مع قبيح فعلنا، وما أقربك منا، وما أبعدنا عنك؟ إلهي، عميت عين لا تراك عليها رقيبا، وخسرت صفقةُ عبد لم تجعل له من حبك نصيبا.