1253354
1253354
المنوعات

أغلب الأفغان لا يجيدون القراءة لكن تجارة الكتب مزدهرة

18 فبراير 2018
18 فبراير 2018

رودي نوردلاند - فهيم عابد -

ترجـمـة: أحـمـد شـافعي -

المكسرات تأتي من إيران، والفاكهة الطازجة من باكستان، برغم أن كليهما ينموان بوفرة في أفغانستان. لكن سنوات من الموازنات المالية المتضخمة بالمساعدات الأجنبية أثمرت عن رواتب عالية، وعن تحطيم كثير من الصناعات المحلية. ونتيجة لذلك، لم يبق من شيء لا تستورده أفغانستان إلا الأفيون والكتب.

في حين كان يعاني ناشرو الكتب في بلاد كثيرة ازدهر نظراؤهم في أفغانستان خلال السنوات الثلاث الماضية، وذلك برغم معدلات الأمية المزمنة في البلد، إذ لا يجيد القراءة والكتابة من الراشدين الأفغان إلا اثنان من كل خمسة. لكن يبدو أن مجيدي القراءة يمارسونها بانتظام لافت برغم ما في البلد من عنف عاصف ـ لا سيما في الفترة الأخيرة ـ وبسببه في الوقت نفسه.

في مجتمع هائج مضطرب، بات العكوف على كتاب خير سلوى متاحة.

يقول جمشيد هاشمي ـ مدير إحدى المكتبات الإلكترونية وشريك مؤسس لنادي أفغانستان للكتاب ـ «إنني أعتقد أن قراءة كتاب في أي بيئة، ولا سيما في أماكن الحروب، تمثل هدنة من الحياة اليومية وتعزل القارئ عما يحيط به وهو مدفون في كتابه. للقراءة قوتها في كل مكان، أما في مكان كأفغانستان، فإنها قد تكون وسيلة بقاء وجداني».

ليس مدهشا أن يكون الناشرون في أفغانستان قد استثمروا ذلك. لكن الجدير بالملاحظة هو أن شطرا كبيرا من التنمية الاقتصادية الاجتماعية في أفغانستان يجري بغير دعم أجنبي مباشر أو مستشارين أجانب.

يقول صفي الله ناصري ـ وهو أحد أربعة أشقاء يديرون دار آكسوس للنشر فضلا عن العديد من متاجر الكتب في كابول ـ «إنها عملية أفغانية تماما، من حيث الملكية والقيادة». وكان في قوله هذا تلاعبا مقصودا بنغمة رائجة في المجتمع الدولي حول الانتقال إلى السيطرة الأفغانية على المؤسسات الخاضعة لسيطرة الغربيين.

قال ناصري «إن الكتاب يعيش لحظة مثيرة بحق. فالناشرون جميعا يحاولون العثور على كتب جديدة ينشرونها، والشباب يحاولون العثور على كتب جديدة يقرأونها، والكتّاب يبحثون عن ناشرين. المناخ دينامكي للغاية. والأمر كله مستقل، بلا أي دعم أجنبي».

في كابول الآن - وهي عاصمة أفغانستان التي يتجاوز عدد سكانها المتزايد خمسة ملايين نسمة - اثنان وعشرون ناشرا، الكثير منهم لديه مطابع خاصة، أو يستعمل مطابع الناشرين المحليين. كما يتوزع عشرات الناشرين عبر مقاطعات البلد البالغ عددها أربعا وثلاثين مقاطعة، بل وفي المناطق التي تنهشها الحرب مثل هيلماند وقندهار.

شهدت السنة الماضية توسع كثير من الناشرين، بافتتاحهم مراكز توزيع في أرجاء البلد واستعمالهم متاجرهم الخاصة أو متاجر الكتب المستقلة. وفي كابول وفقا للبيانات الحكومة 60 متجر كتب مسجلة.

لم يكن الأمر كذلك طول الوقت. ففي عهد طالبان بين عامي 1996 و2001، لم ينج إلا ناشران، أحدهما حكومي، والآخر ناشر خاص هو «عظيم للنشر». وبنهاية 2001، كان متجر الكتب المستقل الوحيد موجودا في فندق إنتركونتننتال، وهو الموقع الذي شهد هجمة مميتة الشهر الماضي.

في السنوات التالية للغزو ذي القيادة الأمريكية، كانت السيطرة للكتب الباكستانية سيئة الطباعة أو المقرصنة بصفاقة شأن سيطرة الفاكهة والخضروات الباكستانية في أسواق كابول.

واجهت حكومة أفغانستان الجديدة مهمة هائلة هي مهمة إعادة بناء نظام التعليم الذي افترسته عقود طويلة من الحرب الأهلية أعقبتها خمس سنوات من حكم طالبان الذي أغلق المدارس ودمَّر كتب اللغات الأجنبية. كان معنى ذلك ملايين من الكتب المدرسية التي كانت تطبع في باكستان في أول الأمر. ولكن مع سوء العلاقات بين البلدين، وجهت الحكومة عقود طباعة تلك الكتب إلى قليل من الناشرين الأفغان.

تكفلت المساعدات الأجنبية بالنظام المدرسي، فكان نشاط طباعة الكتب المدرسية انطلاقة لصناعة نشر الكتاب، ولأنه كان لا بد من طبع ملايين الكتب المدرسية في فترة زمنية قصيرة، استثمرت دار عظيم وغيرها من الشركات في مطابع خاصة بها كانت تتوقف تماما عن العمل بمجرد انتهاء موسم النشر المدرسي. ثم بدأ الناشرون الجدد في ترجمة الكتب الغربية من الإنجليزية إلى الداري والبشتو، وهما اللغتان الأساسيتان في البلد.

وظهر ناشرون جدد يستأجرون مطابع الشركات الكبرى.

قال داود مراديان مدير عام المعهد الأفغاني للدراسات الاستراتيجية، وهو منظمة بحثية تقع في قلعة الأبراج التسعة الساحرة الأثيرة لحفلات إطلاق الكتب إن «هناك فضولا وظمأ إلى معرفة العالم ومعرفة آراء الناس حول أفغانستان. وصناعة الكتاب ظاهرة متنامية تحاول إشباع هذا الظمأ».

أولى الكتب التي نشرت محليا كانت كتبا عن أفغانستان لمؤلفين غربيين، وباعت جيدا، فتسارع العمل في هذه الفئة من الكتب. وصارت أكثر الكتب مبيعا في البلد هي الكتب التي تحمل عناوين من قبيل (حروب الأشباح: التاريخ السري لسي آي آيه وأفغانستان وبن لادن منذ الغزو السوفييتي وحتى 10 سبتمبر 2001) لستيف كول، و(المبعوث: من كابول إلى البيت الأبيض، رحلتي في عالم مضطرب) لزلماي خليلزاد.

«كان الطلب مكبوتا وهائلا بعد سنوات كثيرة جدا بغير كتب جديدة» مثلما قال طبيب الأطفال أجمل عظيم الذي أسس والده دار نشر تحل اسمه. تنشر دار عظيم الكتب بأسرع ما تستطيع، ولا يحدُّها غير نقص المترجمين المؤهلين من اللغة الإنجليزية إلى اللغات المحلية. وهدف دار عظيم في العام الحالي هو نشر ثلاثة عناوين جديدة يوميا - أي ألف ومائة كتاب في العام - وذلك رقم ضخم بالنسبة لأي ناشر.

تزدان دار النشر بملصقات صور ضخمة لأغلفة الكتب حديثة النشر، ويمتلئ المتجر بكتب جميلة الترتيب والعرض على الجدران في طبعات بالإنجليزية والفارسية، فثمة تتجاور الكتب التي تفتح من اليمين والكتب التي تفتح من الشمال. أما الطابق الذي تقع فيه ساحة المبيعات فمرتفع بما يتلاءم مع المطبعة القائمة في الطابق الأسفل، ومؤثث بالعديد من الكراسي الوثيرة.

ولأن تحرير كتاب مؤلف بلغته الأصلية قد يكون أيسر كثيرا من ترجمة كتاب، فقد بدأ كبار الناشرين يطلبون كتبا مؤلفة أيضا للمرة الأولى منذ سنوات كثيرة. بل لقد بدأت دار آكسوس في إنشاء نسخة أفغانية من أمازون، وهي تبيع الكتب من خلال صفحة في فيسبوك وتوصيلها في اليوم نفسه داخل كابول من خلال مناديب وبتكلفة تعادل خمسين سنتا للكتاب. وبرغم أن أفغانستان تفتقر إلى وفرة وسائل الاتصال بالإنترنت وتفتقر في كثير من بيوتها إلى أجهزة الكمبيوتر، فالمتعلمون والشباب في الغالب يتصلون بفيسبوك من خلال هواتفهم الذكية.

وتبقى القرصنة مستشرية. فقد شوهدت قريبا في متجر آكسوس المزدحم والشهير عناوين مقرصنة من كتب رائجة.

ولذلك يتخوف الناشرون. قال د. عظيم «نحن نبيع من الكتاب ألف نسخة، بينما القراصنة يبيعون أربعة آلاف نسخة من الكتاب نفسه بسعر أقل. ولا بد أن تتحرك الحكومة لإيقاف هذا».

وقد بدأ مسؤولو الحكومة تنفيذ قوانين حقوق الملكية الفكرية المهملة منذ أمد بعيد، وفقا لما قال سيد فاضل حسين سنشاراكي المسؤول عن النشر في وزارة الإعلام والثقافة. قال «كانت لدينا خلال الشهور الأربعة الماضية فقط أربع قضايا ملكية فكرية أو خمس». وقد أغلقت الحكومة أخيرا مكتب تصوير أوراق لبيعه كتبا منسوخة.

وإدراكا لاحتمال رواج كتاب «المبعوث»، وهو سيرة خليل زاد الأمريكي الأفغاني الذي عمل سفيرا للولايات المتحدة في كل من العراق وأفغانستان، سارع د. عظيم إلى شراء حقوقه في لغتي داري وباشتو. وكان مصرا على تقديم كتاب عالي الجودة ويغرق به السوق بسعر تنافسي قبل أن يسبقه القراصنة إلى ذلك. ولكن آكسوس سبقته إلى طبع نسخة الباشتو، بدون شراء الحقوق، وباعت ألف نسخة في ثلاثة أيام حسبما قال.

وقد أنكر ناصري، مالك دار آكسوس التي تترجم كتبا أو نحو ذلك في الأسبوع أن تكون شركته متورطة في طباعة كتب مقرصنة. بل إنه اشتكى من القرصنة، وقال «إن لدينا في أفغانستان قوانين ملكية فكرية، لكن لا يبدو أن أحدا يعرف بوجودها. وهذه مشكلة حقيقية وضخمة».

بدأت آكسوس أخيرا تكليف الكتاب بتأليف كتب أصلية، ومن هذه رواية «بغدادي بير» التاريخية المكتوبة بالباشتو عن جاسوس بريطاني في عشرينات القرن العشرين في عهد الملك أمان الله.

لكن مبيعات الدار الكبرى هي كتب التنمية الذاتية، لا سيما من فئة كيف تصبح ثريا. وكتاب «النساء اللاتي يعملن» لإيفانكا ترامب واسع الانتشار أيضا في ترجمته، لا سيما في أوساط القارئات.

اعترف ناصري أن في المتاجر التابعة له كتبا مقرصنة، وإن كانت داره لا تقرصن الكتب مباشرة.

قال «نحن في واقع الأمر نعارض ذلك، لكن بما أن جميع الكتب تقريبا مقرصنة، فليس لدينا خيار إلا قبول النسخ المقرصنة وبيعها. وإن لم نفعل ذلك سوف يصعب علينا العمل. هذا أمر واقع في آسيا كلها».

من أهم الأحداث الأخيرة في عالم النشر في كابول فضيحة القرصنة الكبرى. فقد نشر كتاب «السياسات الأفغانية: القصة من الداخل» وهو كتاب من مجلدين بقلم رانجين دادفار سبانتا، مستشار الأمن الوطني السابق للرئيس قرظاي، وهو أشبه بهنري كيسنجر. باعت دار عظيم آلاف النسخ في الأسابيع الأولى، برغم أنه مرتفع الثمن بالمعايير الأفغانية، إذ يبلغ سعر المجلدين 15 دولارا. أقيم حفل إطلاق الكتاب في قلعة الأبراج التسعة في نوفمبر، وينتظر أن تصدر للكتاب ترجمة إنجليزية خلال العام الحالي.

قال د. عظيم «استثمرنا بقوة في هذا الكتاب، وطبعناه طباعة أنيقة، ثم قللنا التكلفة قدر المستطاع لنضرب القراصنة». ووزعت ملصقات دعائية على متاجر الكتب، بل وظهرت صور للمؤلف على اللافتات في الشوارع.

وبعد شهر من صدور الكتاب بدأ ملف إلكتروني يحتوي الكتاب في الانتشار عبر حسابات وسائل التواصل الاجتماعي. وفي غضب بالغ، أغلقت دار نشر عظيم أبوابها احتجاجا، وأسدلت ستائر سوداء على جميع نوافذ العرض في جميع متاجرها، لتضغط على الحكومة كي تتحرك ضد قراصنة الكتب. ولم تزل في انتظار أن تتحرك الحكومة.

• عن نيويورك تايمز