أفكار وآراء

انهيار عملة «البيتكوين» .. لماذا ؟

18 فبراير 2018
18 فبراير 2018

د. سيف بن سليمان المعني -

لقد سبق وأن كتبت عن العملة الافتراضية «البيتكوين» بتاريخ 22 ديسمبر 2017م ونوهت إلى أن هذه العملة ترقى لأن تكون وهمية، وأنها مجرد فقاعة وستنفجر يوما ما، ولكن متى، لا أحد يعرف، لكنها كانت أسرع مما توقعت، فارتفاع أسعار تداول هذه العملة عبر منصات التداول الالكتروني بشكل مستمر شجع المضاربين على الإقبال عليها، فمنذ أن تم أول تداول بها عام 2009 ارتفعت أسعارها بشكل خيالي يفوق كل التصورات حيث وصلت إلى 3914% في 17 ديسمبر 2017 ووصل أعلى سعر لها 19783 دولارا أمريكيا وهي ارتفاعات خيالية، بعد أن كانت تعادل بضعة دولارات فقط في بداية تداولها.

بتاريخ 16 يناير 2018م بدأت أسعار «البيتكوين» في النزول حيث فقدت الكثير من قيمتها بشكل حاد، وفي 17 يناير الماضي وصلت أسعارها إلى ما يشبه الانهيار، حيث تعرضت إلى خسائر كبيرة قاربت نسبة 50% من قيمتها، ويعتبر هذا النزول الأعنف من نوعه. صحيح أن هذه العملة تتعرض للصعود والنزول بشكل كبير وفي أوقات متفاوتة لكن السمة الأبرز ظلت الصعود القوي.

أحد أهم عوامل ارتفاع قيمة العملة الالكترونية «البيتكوين» منذ عام 2014م مرده إلى مخاوف الروس من أن ينخفض الروبل مقابل الدولار، وكانت نتيجة هذه المخاوف أن شجعت العديد من الأثرياء الروس على الاستثمار في «البيتكوين» ، وقد شهد العام المنصرم ارتفاعا كبيرا للقيمة السوقية الإجمالية «البيتكوين» نتيجة لثبات هذه العملة واكتسابها سمعة واسعة.

وصل سعر «البيتكوين» في التعاملات الدولية بتاريخ 29 يناير 2018 ما بين 11400 إلى 11320 دولارا للوحدة، فخلال خمسة أيام من 16 يناير 2018م وصلت جملة خسائر هذه العملة إلى 250 مليار دولار، ويعود سبب هذا الانحدار الشديد في هذه العملة إلى عدة عوامل منها أن طبيعة هذه العملة حساسة جدا ونزولها أو ارتفاعها يغلب عليه الحدة. ثانيا، شهدت هذه العملة حملة بيع شديدة بسبب مخاوف من احتمال تضييق الخناق عليها من قبل الجهات التنظيمية المعنية.

كما أن عصابات الجريمة المنظمة وتجار المخدرات قد استفادوا من وجود هذه العملة دون مراقبة أو تنظيم محكم، فقد كشفت مجموعة هاكرز Ghost Security Group عن استخدام هذه العملة لتمويل العصابات الإرهابية حول العالم ، مما يجعل من الصعب اختراق حساباتهم ، حيث تم العثور على عدد من حسابات «البيتكوين» التي تستخدم لتمويل العمليات الإرهابية، وهو ما دفع الولايات المتحدة للبدء بتطبيق لوائح غسيل الأموال على العملات الإلكترونية، وإلزام الشركات التي تصدر أو تتبادل عملة «البيتكوين» بالحفاظ على سجلات موثقة، والإبلاغ عن المعاملات التي تزيد عن 10 آلاف دولار.

من جانب آخر فإن هنالك مخاوف عالمية من الإقبال الشديد على العملات الالكترونية فبمجرد إعلان وزارة العدل الكورية عزمها إصدار قانون بمنع تداول العملات الرقمية، إلى جانب قيام الحكومة باقتحام أكبر منصات تداول هذه العملة بدعوى التهرب الضريبي كانت نتيجة ذلك الانحدار الشديد في قيمتها السوقية.

السؤال هو أين ذهبت كل هذه الأموال التي تم استثمارها في عملة «البيتكوين»، ومن استفاد منها وفي أي حسابات دخلت، هل هنالك استثمارات حقيقية فعلا قد تمت بهذه الأموال الضخمة قامت بها إدارة هذه العملة ، إن كانت هنالك استثمارات على أية حال ، مثل الفنادق المصانع ، البواخر .... الخ ، أين مجلس إدارة هذه العملة المليارية، أم أن العالم غبي إلى هذه الدرجة ويتم استغلاله من قبل قراصنة محترفين حول العالم ، لا أحد يعرف أين مقرهم؟ وبالمناسبة فإن أثرياء العرب بالتأكيد قد خسروا في هذه العملة بالمليارات كما هو شأنهم دوما في مقدمة الخاسرين.

يقول المثل كل شيء يأتيك بسهولة يذهب بسهولة، والأرباح العالية قد تخفي وراءها خسائر عالية، والشاطر هو من يكسب في الوقت المناسب، ويخرج في الوقت المناسب، وأقول لمن لا زال يعتقد بأن استثماراته في «البيتكوين» مربحة عليه أن يعيد النظر في تفكيره ويحافظ على أمواله، صحيح أن هنالك أثرياء مقامرون شأنهم شأن المضاربة في كازينوهات القمار، مرة يربحون ومرة يخسرون.