أفكار وآراء

الأبعاد الاستراتيجية والسياسية لخروج القوات الروسية من سوريا

17 فبراير 2018
17 فبراير 2018

د. فالح حسن الحمراني -

كاتب من العراق يقيم في موسكو -

[email protected] -

جاء توقيت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للإعلان عن المباشرة بخروج القوة الروسية من سوريا أو بالأحرى تقليصها لحد كبير حجمها، جاء لعدة مقتضيات جيو/‏‏ سياسية وسياسية. وليس من قبيل الصدفة أنه جاء في إطار جولة بوتين التي شملت تركيا ومصر أواخر العام الماضي، لكنه بدأها بزيارة مفاجئة غير معلنة للقاعدة الجوية في حميميم السورية. لقد أراد بوتين أن يعلن للرأي العالمي أن القوات المسلحة الروسية هي التي حققت النصر على- داعش - وتدمير أركانها واهم مفاصلها في سوريا، وليس التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، الذي ظل عاجزا ويتحرك بصورة مشوشة كانه لا يمتلك استراتيجية وأهدافا واضحة. علما أن عددا من الدول الغربية في مقدمتها فرنسا حاولت أن تنسب النصر لها رغم أدوارها الضعيفة وغير المرئية أساسا، على الأقل من وجهة النظر الروسية.

إن قرار بوتين بسحب الجزء الأكبر من القوات العسكرية بسوريا له أبعاد سياسية داخلية أيضا. فقد يكون القرار جزءا من حملته الانتخابية لمنصب الرئيس التي اعلن عن انه سيترشح لها، إذ إنه سيظهر بمظهر رجل السلام الحريص على أرواح العسكريين، لاسيما وان هناك حوالي 45% من سكان روسيا لا يدعمون الاستمرار بالعملية العسكرية خشية أن تتحول هذه الدولة العربية الى أفغانستان جديدة لروسيا الاتحادية.

بوتين، الذي لم تكتفِ الدول الغربية في فرض العقوبات الاقتصادية، على بلاده منذ عام 2014، على خلفية الأحداث بأوكرانيا وقيامه بضم القرم الى روسيا، بل وتسعى أيضا الى عزلها على الساحة الدولية وملاحقتها في المحافل الدولية، حتى في مجال الألعاب الأولمبية، بتهم تناول رياضييها المنشطات، برهن بجولته الأخيرة، على أن روسيا ما زالت دولة فاعلة على الساحة الدولية، وأن لديها شركاء وأصدقاء من بين الدول الإقليمية النافذة وبالدرجة الأولى مصر وتركيا وإيران، فضلا عن الهند والصين وغيرها في مختلف أنحاء العالم. وان الموقف الغربي لا يمكن أن يقتل روح روسيا ولا يجعلها تتقاعس في الدفاع عن مصالحها وإيجاد نظام تعددي الأقطاب في العالم، وتفعيل القانون الدولي لتسوية الخلافات بين الدول والنزاعات المحلية والإقليمية، تكون ساحته منظمة الأمم المتحدة. وان القوات المسلحة الروسية التي كادت تنهار تماما في عهد الرئيس الأسبق بوريس يلتسين، استعادت قدراتها القتالية والتعبوية، وحازت على أنواع متطورة من الأسلحة، وطورت إدارتها، ان مشاركتها في العمليات العسكرية بسوريا و إجهازها على هياكل داعش، بدرجة ملموسة، برهنت على جودة السلاح الروسي المتطور الذي جربته موسكو في سوريا لأول مرة هناك، فرفعت الروح المعنوية في صفوف قواتها. و تجدر الإشارة الى ان روسيا قامت، خلال عمليات القوات المسلحة الروسية في سوريا، بتجريب حوالي 600 نوع من التقنيات العسكرية في ظل العمليات القتالية، بما في ذلك استعملت لأول مرة الصواريخ المجنحة « كالبير» بحر - ارض، والصواريخ المجنحة Xـ101 جو - ارض. وثمة رأي مفاده ان العقود على شراء الأسلحة الروسية التي برهنت على جودتها في العمليات العسكرية في سوريا، ستزيد في السنوات القليلة القادمة، الى عدة مليارات دولار، نتيجة لذلك وبفعل عوامل اخرى.

ومن جانب آخر فقد تيسر لروسيا، خلال العمليات العسكرية، إقامة تحالف بمشاركة ايران وتركيا، وهو التحالف الذي أخذ على عاتقه مهام تسوية النزاع في سوريا. وربما سيزيد هذا من ثقل روسيا في الشرق الأوسط، اذا تحقق ذلك عمليا بدرجة مؤثرة.

وخلال تلك الجولة السريعة التي زار خلالها بوتين ثلاث محطات إقليمية مهمة، سوريا وتركيا ومصر، رسم بوتين سياسته الإقليمية. وجددت موسكو من خلال نتائج محادثاته مواقفها المعلنة من قضايا التي تخص المنطقة وبالدرجة الأولى من اشتراطات التسوية الشرق أوسطية القائمة على حل الدولتين، الفلسطينية والإسرائيلية. ورفض كافة الخطوات أحادية الجانب بشأن الحل النهائي للنزاع المستدام منذ عقود طويلة. وحذر بوتين أيضا من التداعيات السلبية التي قد تنجم عن قرار الرئيس الأمريكي دوناد ترامب، الجائر، باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية الى هناك، وقال الرئيس الروسي ان هذا القرار يتنافى والقانون الدولي ولا يساعد على التسوية بل سيزعزع الاستقرار في المنطقة بأسرها. كما أن روسيا شاركت كذلك في أعمال قمة منظمة التعاون الاسلامي في انقرة، كونها عضو مراقب في المنظمة. فضلا عن أن التعاون الروسي مع كل من مصر وتركيا، قد اتسع الى أفق جديد ليشمل الطاقة النووية للأغراض السلمية والتعاون العسكري الفني، وستبيع روسيا لتركيا الدولة العضو في حلف الناتو، أحدث منتجات الدفاعات الجوية التي تفتخر بنوعيتها التقنية، وهي صواريخ ( اس - 400 ) فضلا عن التعاون في المجالات الحيوية الأخرى.

ووفقا للمعطيات الرسمية فإن الجيش السوري استرجع خلال عامين وبدعم القوة الجوية الروسية حوالي 1000 منطقة سكنية بما فيها مناطق ذات أهمية استراتيجية كمحافظتي حلب وتدمر. وما زالت داعش لحد اللحظة الراهنة تسيطر على حوالي 5% من الأراضي السورية. وخسرت روسيا خلال العملية 37 قتيلا بالرغم من ان المصادر الغربية تقول أن العدد اكبر من ذلك، إذ يضاف لهم المتطوعون بصورة فردية والعاملون في بعض الشركات الأمنية. وفرضت السرية على معطيات تكلفة العملية، بيد أن هناك معلومات مختلفة تقدرها بما يتراوح بين مليار 2.5 الى ثلاثة مليارات دولار.

ويجمع المحللون العسكريون الروس على ان النتيجة الرئيسية للعملية العسكرية الروسية في سوريا هي في الواقع احتفاظ الرئيس بشار الأسد بمنصبه، وعدم تفكيك سوريا بالطبع . ووفق تقديرات الخبراء فإن روسيا برهنت بذلك على أنها شريك جيوسياسي موثوق به، و انه لا يتخلى عن أصدقائه وحلفائه او يتركهم لمهب الريح. ويؤكد أولئك المراقبون أيضا على انه لا يمكن التوصل الى تسوية سلمية فعلية للنزاع في سوريا من دون إجراء إصلاح سياسي وتنظيمي وإداري شامل في سوريا، فهل يقوم الرئيس بشار الأسد بذلك، وهل ستتعاون معه المعارضة السورية، أم أنها ستعمل على إفشال جهوده، حتى لا يشعر بأنه يملك زمام المبادرة بشكل كبير في سوريا ؟ .