أفكار وآراء

ضغوط محتملة على أسعار النفط مصدرها صادرات الخام الأمريكي للصين

17 فبراير 2018
17 فبراير 2018

د. محمد رياض حمزة -

نشرت وكالة الأنباء (رويترز) يوم 11 فبراير 2017 تحليلا عن صناعة النفط والغاز في الولايات المتحدة الأمريكية الذي يمكن أن يقلب أسواق النفط العالمية رأسا على عقب. ويعيد متوسط سعر برميل إلى مستوى يضر في عوائد عدد كبير من منتجي النفط ومصدريه سواء كانوا أعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط “ أوبك” أو خارجها. ومنذ منتصف عام 2017 بدأت أسعار النفط بالتصاعد التدريجي، حيث كانت ترتفع بنسب أكبر من تراجعها. فارتفع متوسط سعر البرميل العالمي إلى 52.16 دولار نهاية أبريل 2017. وفي ديسمبر 2017 ارتفع إلى 61.19 دولار. وفي نهاية يناير 2018 ارتفع إلى 66.23 دولار للبرميل. وتجاوز سعر البرميل 70 دولارا في بداية فبراير 2018. ثم عاد ليتراجع إلى مستوى 60 دولارا للبرميل في منتصف فبراير 2018. المتابعة الصحفية وتقاريرها وتحليلاتها اليومية لأسعار النفط في الأسواق العالمية تكشف أن ثلاثة متغيرات تؤثر في سعر برميل النفط الخام انخفاضا أو ارتفاعا وهي: سعر صرف الدولار الأمريكي، والتقرير الأسبوعي عن ارتفاع او انخفاض الخزين الاستراتيجي من النفط الخام ومشتقاته في الولايات المتحدة الأمريكية، وأيضا ارتفاع إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري. إلى جانب عوامل أخرى أقل تأثيرا كارتفاع أو انخفاض الطلب الآسيوي على النفط الخام والتوترات السياسية.

وأظهرت بيانات من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية في بداية عام 2018 إن إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام ارتفع بمقدار 167 ألف برميل إلى 9.64 مليون برميل يوميا. وزادت صادرات الولايات المتحدة من النفط الخام إلى 1.73 مليون برميل يوميا مقارنة مع 1.47 مليون برميل يوميا. وتقول شركة “بيكر هيوز” أن إجمالي المنصات العاملة على إنتاج النفط الصخري هناك نحو 759 منصة.

تصحيح أسعار النفط جاء ذلك نتيجة لقرار منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” تخفيض إنتاجها في 30 نوفمبر 2016 للمرة الأولى منذ عام 2008 وذلك من خلال بدء تطبيق اتفاق مبدئي بشأن كميات النفط التي تنتجها الدول الأعضاء. وفي 30 نوفمبر 2017 اتفقت (أوبك) ومنتجون مستقلون على تمديد اتفاق خفض الإنتاج حتى نهاية 2018. أدى خفض إنتاج “أوبك” ومنتجين من خارجها إلى تصريف ما عرف بتخمة المعروض مما ساهم برفع الأسعار. غير أن من بين المستجدات التي يمكن أن تضع المزيد من الضغوط على أسعار النفط هو توجه إدارة الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” لخفض العجز التجاري الأمريكي مع كل من الصين ودول آسيا الأخرى وذلك بقبول صادرات النفط الخام الأمريكي. وتقول “رويترز” في البداية، أدى الهبوط الحاد في واردات الولايات المتحدة من النفط الخام إلى تقلص أكبر سوق كان منتجون مثل منظمة أوبك يعتمدون عليها لعدة سنوات. والآن، فإن ارتفاع الصادرات الأمريكية، التي كانت في معظمها محظورة من الكونجرس حتى تم رفع هذا الحظر منذ نحو عامين فقط، يشكل تحديا لأوبك في المنطقة الأخيرة التي تهمين عليها وهي آسيا. وارتفعت شحنات النفط الأمريكية إلى الصين لتخلق تجارة بين أكبر قوتين في العالم لم تكن موجودة حتى 2016، وتساعد واشنطن في جهودها لتقليص العجز التجاري الضخم مع بكين. وانعكس هذا التحول في الأرقام التي نشرت مؤخرا، وأظهرت أن الولايات المتحدة تنتج الآن كميات من النفط الخام تتجاوز إنتاج السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، وهو ما يعني أن من المرجح أن تتفوق أمريكا على روسيا لتحل محلها في المركز الأول في إنتاج النفط على مستوى العالم بنهاية العام.

شكل هذا النمو مفاجأة حتى لمسؤولي إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، التي رفعت الأسبوع الماضي توقعاتها لإنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام في 2018 إلى 10.59 مليون برميل يوميا، بزيادة 300 ألف برميل يوميا عن توقعات سابقة لها قبل أسبوع فقط.

وعندما بدأت الولايات المتحدة تصدر النفط الخام في 2016، اتجهت أولى الشحنات إلى كوريا الجنوبية واليابان وهم شركاء واشنطن في اتفاقية التجارة الحرة. وتوقع قليلون أن تصبح الصين مشتريا رئيسيا. وتظهر بيانات من منصة “ تومسون رويترز آيكون” أن شحنات الخام الأمريكي إلى الصين بدأت من الصفر قبل 2016 لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 400 ألف برميل يوميا في يناير 2018 بقيمة نحو مليار دولار. وبالإضافة إلى ذلك، تسلمت الصين نصف مليون طن من الغاز الطبيعي المسال الأمريكي بقيمة نحو 300 مليون دولار. ومع ارتفاع صادرات الطاقة، تقلص العجز التجاري الصيني مع الولايات المتحدة في يناير 2018 إلى 21.895 مليار دولار من 25.55 مليار دولار في ديسمبر2017 . وأظهرت بيانات رسمية في بكين وواشنطن أن واردات الصين من الخام ارتفعت إلى مستوى قياسي بلغ 9.57 مليون برميل يوميا في يناير. وبناء على متوسط كميات ديسمبر ويناير، تُقدر مبيعات الولايات المتحدة من النفط والغاز إلى الصين بنحو عشرة مليارات دولار سنويا. وبحساب الصادرات إلى اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان فإن هذا الرقم يزيد إلى المثلين. وكان من الممكن أن تكون الصادرات الأمريكية أكبر من ذلك لولا قيود البنية التحتية، فلا يوجد ميناء في الولايات المتحدة يستطيع مناولة ناقلات النفط العملاقة وهي أكبر ناقلات نفطية في العالم . ولمعالجة هذا القصور، يتم توسعة أحد أكبر المنشآت على خليج المكسيك، لويزيانا أوفشور أويل بورت سيرفيسيز، بهدف مناولة تلك الناقلات في وقت قريب . وأما المشترون الصينيون، فإن ما يجذبهم للخام الأمريكي بشكل رئيسي هو السعر. وبفضل طفرة النفط الصخري، فإن الخام الأمريكي أقل سعرا من خامات من أرجاء أخرى.

وعند حوالي 60.50 دولار للبرميل، فإن الخام الأمريكي حاليا أقل بنحو أربعة دولارات من خام القياس العالمي مزيج برنت، الذي يتم تسعير معظم الخامات الأخرى بناء عليه. وبالنسبة لمُصدرين كبار للنفط مثل أوبك وروسيا قاموا بتقليص إنتاجهم منذ 2017 في محاولة لدعم الأسعار، فإن تلك التدفقات الجديدة من النفط تشكل خسارة كبيرة في الحصة السوقية.

وقال دوناند ”تقبلت أوبك وروسيا أن الولايات المتحدة ستصبح منتجا كبيرا نظرا لأنهما تريدان ببساطة أن تجلبا السعر عند المستويات الحالية“. ومنذ بداية تخفيضات الإنتاج التي قادتها أوبك في يناير 2017، ارتفعت أسعار النفط 20 في المئة، رغم تعرضها لضغوط مجددا في فبراير، لأسباب على رأسها ارتفاع الإنتاج في الولايات المتحدة. فمعظم منتجي أوبك يبيعون الخام بموجب عقود طويلة الأجل يتم تسعيرها شهريا، وفي بعض الأحيان بأثر رجعي .وعلى العكس، يصدر المنتجون الأمريكيون الخام بناء على تكلفة الشحن وفوارق السعر بين الخام الأمريكي وخامات أخرى. وأدى هذا إلى ارتفاع كبير في حجم تداول العقود الآجلة للخام الأمريكي، المعروف بغرب تكساس الوسيط، وهو ما جعل تداول العقود الآجلة لخامات أخرى مثل برنت أو دبي أقل كثيرا. قال جون دريسكول مدير جيه.تي.دي لخدمات الطاقة، ومقرها سنغافورة، ”بدأ المشترون، مثل بائعي الخام الأمريكي، التحوط في خام غرب تكساس الوسيط“. ورغم كل التحديات لنظام النفط التقليدي، يظهر المنتجون التقليديون شجاعة في المواجهة.

لذا فإن من المتوقع أن تؤثر صادرات الخام الأمريكي للصين على مشتريات الصين من عدد من دول أوبك وخارجها وقد يتسبب ذلك بمزيد من الضغوط على أسعار النفط الذي تراجع خلال شهر فبراير بسبب ارتفاع الإنتاج الأمريكي.

[email protected]