أفكار وآراء

لا تنافسية في ظل البيروقراطية

17 فبراير 2018
17 فبراير 2018

سالم بن سيف العبدلي -

كاتب ومحلل اقتصادي  -

ترتبط القدرة التنافسية كإطار للتنمية الاقتصادية لبلد ما بمعدلات الإنتاجية والنمو فيها، وتعتبر القدرة الإنتاجية من الحوافز التي تعمل على تحسين مستويات المعيشة والأداء الاقتصادي ورفع مستويات الإنتاجية لمختلف القطاعات، يمكن للاقتصاد أن يتمتع بعملة قوية وعائدات جذابة لرأس المال وارتفاع في الأجور إذا ما كانت قدرته التنافسية عالية، وهو ما يترجم إلى زيادة الثروات للارتقاء بمستويات المعيشة للإنسان في ذلك البلد.

وتعمل الكثير من الدول اليوم على اعتماد نهج رفع مستويات التنافسية في لب استراتيجيات تنميتها الاقتصادية، فتتنوع الوسائل والاستراتيجيات تبعاً لتنوع واختلاف العوامل الاجتماعية والاقتصادية والمؤسسات والسياسات من دولة إلى أخرى، ويعد هذا هو السبب في عدم وجود تعريف معتمد عالمياً من قبل كل دول العالم، إلا أن معظم تعاريف مفاهيم التنافسية تتفق في شيء واحد وهو التأكيد على الارتباط الشديد بين تحسين قدرة الاقتصاد على توليد الثروة (الإنتاجية) وبين تعزيز مستويات المعيشة لشعوبها.

وترتبط التنافسية بالبيروقراطية ارتباطا طرديا فكلما زادت البيروقراطية كلما قلت التنافسية والعكس صحيح والبيروقراطية هي آفة الاقتصاد وهي المعوق الأساسي للتقدم والتطور والتنمية وتتغلل هذه الآفة في مؤسساتنا للأسف الشديد رغم الجهود المبذولة للقضاء عليها ويعود ذلك لوجود بيئة حاضنة لها وعوامل ساعدت على انتشارها لعل من أهمها تعدد وتنوع وتباين الجهات المقدمة للخدمة مما يؤدي أحيانا الى تضارب أعمالها وتداخل اختصاصاتها ومصالحها وتمسك وإصرار البعض على ممارسة سلطته وحقه في اتخاذ القرار حسب الأهواء الشخصية.

أيضا من أسباب تلك البيروقراطية المقيتة هو مركزية اتخاذ القرار وعدم توزيع المهام والصلاحيات على الصفوف الوسطى والدنيا في داخل المؤسسة وبعض المسؤولين يتدخلون حتى في ادق التفاصيل لذا تراهم ضد أي تطوير فهم بل إنهم يقفون حجر عقبة أمام الانتقال الى الحكومة الإلكترونية ويضعون أمامها العراقيل ويقاومون التغيير.

مازلنا نسمع عن قصص غريبة وعجيبة خاصة في بعض المؤسسات الخدمية بالولايات فهناك مدير يغلق على نفسه الأبواب ويرفض استقبال المراجعين وموظف يأخذ إجازة وتتعطل الأعمال ومصالح المواطنين لحين عودته ومجموعة من الموظفات يتجمعن أثناء الدوام في أحد المكاتب لتناول القهوة وتبادل أطراف الحديث بينما معاملات المواطنين متأخرة، ملف يفقد ومعاملة تظل لسنوات محفوظة في الأدراج وفي نفس الوقت نتحدث عن الحكومة الإلكترونية وعن استشراف المستقبل وعن اقتصاد المعرفة معادلة مختلة جدا والأسباب معروفة ..

ورغم الجهود التي تبذل من هنا وهناك والتي نسمع عنها والمتعلقة بتسهيل الإجراءات وتذليل العقبات إلا أن تلك الجهود تبقى ناقصة ما لم تتكاتف كل الوحدات وتتعاون فيما بينها ومالم يتم دمج بعض المؤسسات التي تتشابه في تقديم الخدمة في وحدة واحدة وهذا لن يتأتى الا من خلال إعادة هيكلة جميع الوحدات وضخ دماء جديدة قادرة على إدارة عجله التنمية خلال المرحلة القادمة وهي مرحلة مهمة وحرجة جدا فيها الكثير من التحديات والعقبات.

يظهر مؤشر التنافسية خلال السنتين الأخيرتين أن السلطنة تأتي في مرتبة متدنية للأسف الشديد بسبب البيروقراطية في مؤسساتنا والإجراءات العقيمة التي مازال يتمسك بها البعض والتي بسببها ضاعت العديد من الفرص الاستثمارية، وتقرير التنافسية العالمية والذي يصدر سنوياً عن المنتدى الاقتصادي العالمي – وهو مؤسسة اقتصادية مستقلة - بهدف تحسين أوضاع الاقتصاد العالمي وتلبية متطلبات العولمة ويتم قياس التنافسية للبلد من خلال ثلاثة أركان تتضمن (12) ركيزة رئيسية تتألف من (114) مؤشرا فرعيا، تكمن أهمية هذا التقرير في تقييم قدرة الدول على توفير مستويات عالية من الازدهار والرفاهية لمواطنيها من خلال تحديد نقاط القوة والتحديات التي تواجه اقتصاديات تلك الدول في كل عام.

وخلاصة القول أن الجميع ينادي بأهمية إعادة هيكلة الاقتصاد الوطني من خلال ضخ دماء جديدة لديها صلاحيات ومهام محددة، حيث أن تطبيق ما تم إقراره من سياسات وبرامج وخطط والتي خرجت بها العديد من المؤتمرات والندوات واعتمدت ضمن الرؤية المستقبلية (عمان 2020) والتي هي على مشارف الانتهاء وتطبيق الرؤية المستقبلية (عمان 2040) والجاري الإعداد لها حاليا كل ذلك يتطلب أدوات للتنفيذ وعقولا نيرة تشرف المستقبل فالبناء لايتم فقط بالمال وإنما بالعقول وبالفكر.

رغم أهمية المؤتمرات والدراسات والاستراتيجيات إلا أنها تبقى ناقصة ما لم يتم إسناد تنفيذ قراراتها وتوصياتها وبرامجها الى كفاءات شابة لديها من الحيوية والنشاط والفكر الذي يؤهلها للقيام بقيادة زمام الأمور خلال المرحلة القادمة والتي هي مرحلة حرجة للغاية خاصة في ظل تزايد عدد الباحثين عن العمل .